ضع اعلانك هنا

زاوية حادة جداً

#زاوية_حادة_جداً
#بداخلك_مش_حواليك

أسوأ ما يمكن أن يحدث لك كعاشق هو أن تعيش في زمن الحرب… لا شيء أسوأ من هذا حقاً، ولك أن تتخيل إلى أي مدى يمكن أن يستخف الناس بقلبك هذا الذي يبحث عن أمان لوطن يحتضر تحت رحمة الحرب… أما بعد!.
****

قيل أن أحد الشعراء الألمان في زمن الحرب العالمية الثانية ذهب إلى دار نشر بمجموعة قصائد عشق ملتهب كان قد أرسلها في رسائل خاصة جداً إلى حبيبته، كان يأمل أن تحقق دار النشر أمنيته وتطبع ديوانه الشعري دون شروط تجارية لا علاقة لها بشأن عشقه المجنون والساذج في نظر أرباب الحرب، وأن يتمكن من وراء بيع نسخ قليلة من الديوان أن يتزوج من حبيبته دون تكليف على الدولة بفلس واحد، وفي الأصل ما الذي تخسره الدول إذا تزوج شعراؤها العاشقون سيان ذلك في زمن السلم أو الحرب!؟…
ويأتي الرد من رئيس دار النشر، هكذا : حسناً إنه ديوان شعر يستحق النشر…
– كم أنا ممتن لك أيها الرجل النبيل، قال الشاعر
– لكن بنسختين فقط…
– أوه، ولكن لماذا نسختين وحسب!؟ ألم تقل للتو أنه ديوان شعر يستحق النشر…
– بلى، لكن نسختان تكفي، الأولى لك أيها الشاعر العاشق، والثانية لحبيبتك…
*****
غير بعيد عن زمن الحرب العالمية الثانية أصدر الراحل العربي الكبير نزار قباني عام 1948م ديوانه الشعري الأول (قالت لي السمراء) والعنوان هذا بحد ذاته دليل فاضح لا واضحاً وحسب على ما تضمنه الديوان من قصائد شعر، حتىّ وإن كانت غاية الشاعر منها وطنية واجتماعية، طالما هنالك شيء اسمه الحب فلا تتوقع أن يستمع إليك سوى العاشقين أمثالك وليت أنهم جميعاً تستهويهم كلماتك وأغاني قلبك الموبوء بالحب والمحتضر وحيداً في عالم لا تأذن فيه السياسة لشمس الحرية أن تشرق على أحد…

ولأن نزار فعلها بأول ديوان شعر له في العام الذي شهد ما تسمى بالنكبة العربية باحتلال فلسطين، فقد كان من الطبيعي أن لا يجد اذنا صاغية لما حاول أن يقوله، بل أن شاعراً سورياً من أصدقائه – لا يحضرني اسمه الآن – بادر إلى تدشين حرب ساخرة ضد ديوان (قالت لي السمراء) :
قالت لي السمراء انك باردٌ
فأجبتها بل أنتِ مني أبردُ
يا ليتني كنتُ كقشرة موزةٍ
كيما أزحلقكِ الغداة فأسعدُ

ويواكب هذه الحرب الساخرة رجل الدين المعروف محمد الطنطاوي الذي قال : ( نزار قباني شاعر لا يعرف الفرق بين البحر الأبيض المتوسط وبين البحر البسيط)… ولا أريد أن أذهب من هنا إلى الحديث عن الجدل العقيم الذي أثير بين مؤرخي الأدب العربي ونقاده حول أسبقية وريادة أحد أربعة شعراء عرب في كتابة الشعر الحر (بدر شاكر السياب، نازك الملائكة، نزار قباني، و علي أحمد با كثير). .. لكن نزار لم يقدم في ديوانه الأول كثيراً من القضايا الوطنية العربية كما فعل في أعماله اللاحقة، وهو بنفسه يعترف أن ثورته ضد واقع العرب المأساوي جاءت متأخرة، ويقول في ديوان (هوامش على هوامش النكسة) أي عقب نكسة العرب عام 1967م :
حولتني يا وطني الحزين
من شاعرٍ يكتب شعر الحب والحنين
لشاعرٍ يكتب بالسكين

فهل كان نزار يستحق مثل تلك الحرب الساخرة ضده وضد عمله الفني البديع الذي ظل مدرسة شعر ثورية مستقلة إلى اليوم!؟… قطعاً لا.

أحاول منذ الطفولة
رسم بلادٍ تسمى مجازاً (بلاد العرب)
تسامحني إن كسرت زجاج القمر
وتسمح لي أن أمارس فعل الهوى
ككل العصافير فوق الشجر
*****
في أقدم قصائد الشعر العربي زمن امرئ القيس وما يليه كان الحب حاضراً في قلب الإنسان العربي وعلى لسانه شاعراً وفارس حرب، وكان يفخر بذلك علناً، ومن حوله يشاركونه تأوهات عشقه الدفين الذي يصرح به لهم حتىّ في ذروة الحرب، وأقل ما يمكن أن يكافأ به هذا الشاعر العاشق والفارس الهمام في آن معا هو أن تكتب كلماته بماء الذهب وتعلق على جدار الكعبة… يقول عنترة بن شداد العبسي :
هلا سألتي الخيل يا إبنة مالكٍ
إن كنتِ جاهلةً بما لم تعلمِ
….
يدعون عنتر والرماح كأنها
أشطان بئرٍ في لبان الادهمِ
فوددت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغركِ المتبسمِ

نعم كانت هناك معارضة وحرب شعواء ضد الحب المعلن في زمن السلم والحرب، هذا قديماً، لكن من أجل إثبات جدارة حب طرف آخر… أما اليوم فلا الحب المعلن ولا المستور بات يشكل فرقا لدى ساسة الحكم، وهذه بحق سياسة عوراء تنظر إلى تحقيق مصالحها الشخصية على حساب أهل العشق حتىّ وإن كانت غاية كل عاشق أن يكون السلام للجميع بلا استثناء…
*****
صديقي الأديب والشاعر الكبير محمد الشميري قال لي ذات يوم : (أجمل وأبلغ حالات العشق أن يكون شجناً) أي أن يكون بلا كلمات… وهذا يذكرني بأمير الشعراء أحمد شوقي :
وتعطلت لغة الكلام وخاطبت
عيني في لغة الهوى عيناها

كما يذكرني أيضاً بنزار قباني :
إني أحبك من خلال كآبتي
وجها كوجه الله ليس يطالُ
كلماتنا في الحب تقتل بعضها
إن الحروف تموت حين تقالُ

لكن رغم قناعتي بأن (ما خفي كان أعظم) أتساءل لماذا الخوف من الحب المعلن!؟ ولماذا لا يكون ذلك الحب هو ذاته الحب للوطن، للإنسانية عموماً!؟ لماذا حتىّ لا يكون دعوة صريحة للمواجهة مع أعدائنا في الوطن الواحد!؟.
*****
خلاصة : أغالطها كلما سألتني عن سلامة قلبي بحكايا الحرب، فتبكي… ثم ترد فجأة (يأتي هدوء الليل ليؤكد أن الضجيج #بداخلك_مش_حواليك)

إنتهت
#انور_قائد_الشلفي

ضع اعلانك هنا