سكرتير أول اشتراكي تعز، باسم الحاج: القفز على المرجعيات التوافقية والمشاركة الواسعة لن يبني سلاماً حقيقياً في اليمن.
مقابلة قناة بلقيس.. مع سكرتير أول اشتراكي تعز، باسم الحاج
الحاج بدون إنهاء الانقلاب وأسباب الحرب لن يتحقق السلام
• بداية أستاذ باسم، أحزاب تعز أصدرتم بيانًا قبل يومين تنتقدون فيه التكتم على مسار التسوية السياسية. نود منك أن تضعنا في صورة البيان بصورة أكبر.
– طيب الله مساءك، أستاذة آسيا وفريق القناة وجميع المشاهدين. أؤكد بداية موقفنا المنحاز والمبدئي للسلام في اليمن، وحاجة اليمنيين الماسة للسلام. كما نؤكد ترحيبنا بأي جهود تدعم عملية السلام في اليمن. أما بخصوص خارطة الطريق أو ما يسمى بخارطة الطريق والتكتم الشديد حول مضامين هذه الخارطة، فهذا يفتح المجال أمام الكثير من التكهنات والمخاوف من مآلات تسوية لا تفضي عمليًا إلى تحقيق سلام جاد في اليمن، ولا نجد تفسيرًا واضحًا لهذا التكتم الشديد سوى أن هناك التفافًا على عدد من القواعد الناظمة لعملية السلام، وكذا التفافًا على عدد من المرجعيات والموجهات التي يجب أن تحكم عملية المفاوضات بين الأطراف اليمنية. مخرجات الحوار ربما تكون واحدة من هذه الأطر المرجعية التي توافق عليها اليمنيون. كما أننا نشعر أن هناك أيضًا قفزًا على الأسباب التي أدت إلى الانقلاب والحرب ونتائجها. وبالتالي، أي مفاوضات لا يترتب عليها إزالة أسباب الانقلاب والحرب والنتائج التي فرضتها عشر سنوات من هذه الحرب العبثية ستجعل البلد مفتوحًا لمجاهيل وحروب أهلية دائمة ودورات عنف وانقسام وطني. كما أن هذا التكتم أيضًا على المكونات السياسية والمدنية والشعبية يتجاوز ربما استحقاقات مهمة تتعلق بعملية السلام، وهذه الاستحقاقات ذات صلة بالملف الإنساني والذي يعد مدخلًا لعملية السلام، ومنها إطلاق المعتقلين والمخفيين قسرًا على قاعدة “الكل مقابل الكل”، وفتح الطرقات، وإنهاء مختلف مظاهر الحصار وتأمين رواتب الموظفين.
• أستاذ باسم، رددت منذ بداية حديثك حول مسألة أنكم جميعًا تذهبون إلى السلام وأن اليمنيين فعلًا بحاجة للسلام، ولكن دعني أسألك ما هو شكل السلام الذي ترونه أنتم كأحزاب خاصة وأن هناك أكثر من شكل يتم طرحه؟
– نحن فيما يتعلق برؤيتنا للسلام، أولاً، نؤكد على الإطار المرجعي لعملية السلام، ومنها مخرجات الحوار الوطني الشامل.
ثانياً، أن تفضي أي مفاوضات إلى تعزيز المركز القانوني للدولة. ثالثًا، إزالة كل الإجراءات والقوانين والتشريعات والممارسات التي نتجت عن الحرب، خصوصًا الممارسات والتشريعات العنصرية، وكذا أيضًا ما استحدث من مواد تعليمية وتعبوية تؤسس لمزيد من دورات العنف القادمة، خصوصًا وأنها تضرب بالصميم الهوية الوطنية الجامعة، وتضرب أي ممكنات لبناء متحد سياسي واجتماعي يمني. بدون أن تؤخذ هذه الأمور بعين الاعتبار إلى جانب إدماج العدالة الانتقالية في عملية السلام، والعودة إلى العملية السياسية إلى ما قبل الانقلاب، لن تنجح أي جهود تتعلق بعملية السلام إذا ما تم القفز على هذه المحددات. ناهيك عن أهمية أن يؤخذ بكل ما يتعلق بالملف الإنساني، كما أشرت، إطلاق المعتقلين والمخفيين وأي ممارسات ونحن نتابع كثيرًا من الممارسات ضد ناشطين وفاعلين، وأيضًا ممارسات قاسية وعنصرية تجاه النساء، إلى جانب أيضًا ما يتعلق بالطرقات، وتأمين الرواتب من الموارد وبصورة دائمة، وليس كما يتم العمل عليه حاليًا من أنه ستكون هناك رواتب لمدة ستة أشهر أو عام، بينما هناك موارد كبيرة يستطيع اليمنيون من خلالها تغطية رواتبهم ورفعها، إلى جانب تحييد المؤسسات السيادية كالنقل، والبنك، والعملة، وأن تستخدم الموانئ والمطارات للأغراض الإنسانية. لكن الملاحظ أنه يتم التعامل مع الملف الإنساني بانتقاء، فتحت وجهات كثيرة في مطار صنعاء، وأنا طبعًا لست مع أي حصار يترتب عليه معاناة اليمنيين، لكن في المقابل لم يسمح لمطار المخاء أن يستقبل رحلات ولم تفتح بقية الطرق في تعز وغيرها من المحافظات، الأمر الذي يجعل التسوية تمضي بطريقة وبمضامين وبشكل يعزز الانقسام السياسي ويحول موارد البلد إلى مجهود حربي، وهو الأمر الذي يضع البلد أمام خيارات مفتوحة، ويظل الوضع في حالة ملتهبة دائمًا، ويقطع الطريق أمام الحديث عن استعادة وبناء دولة وطنية يمنية ديمقراطية.
• أستاذ باسم، أنتم شددتم على مسألة التمسك بالمرجعيات الثلاث، يعني في كل الحوارات والمفاوضات كما شددتم على أهمية التركيز على إنهاء أسباب الانقلاب والحرب في اليمن. لكن حقيقة ما يحدث على الواقع يرى اليمنيون بأن هناك مسألة تقاسم لليمن وتمكين للحوثي في بناء دولته بصورة أكبر، التسهيلات التي تمنح له وإلغاء القرارات الاقتصادية والكثير من المطالب التي يطالب بها وتنفذ. حتى في الآونة الأخيرة يطالب بحصة من النفط الذي يتم تصديره. ما هي الضمانات التي تجعلكم تؤكدون على التمسك بالمرجعيات الثلاث، رغم أن كل الصور واضحة على أرض الواقع بأن هناك تمكينًا أكبر للحوثي وتقسيم البلد بصورة أو بأخرى؟
– أنا أشرت إلى عدد من الموجهات، وإلى جانب المرجعيات ومجموعة مبادئ وقواعد يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار للذهاب لعملية سلام، كضمانات حقيقية، أن يعود اليمنيون إلى العملية السياسية قبل الانقلاب والحرب.
• هل سيقبل الحوثي ذلك؟
– ما يحدث حاليًا بالمفاوضات، وما نقوله نحن هي تكهنات وتحليلات ومن خلال بعض النتائج التي أفضت إلى هذه المفاوضات التي لا نعرف تفاصيلها. هذا هو ما يجعلنا نقول نحن كيمنيين وكمكونات سياسية غير معنيين بخارطة طريق لا يشارك فيها مجموع اليمنيين ممثلًا بتعبيراتهم السياسية والمدنية المختلفة. وبالتالي، تظل مثل هذه التسويات تؤسس لجولات حرب جديدة، وتقوية عضلات لطرف على حساب الأطراف الأخرى التي يتم إضعافها كل يوم…وعلى حساب بناء وتشيد الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة.
• أستاذ باسم، بحسب مراقبين هناك تعتيم على كل ما يجري في البلاد منذ اللحظات الأولى، يعني منذ تدخل التحالف فوجئنا جميعًا بتدخله، حتى لحظة تشكيل المجلس الرئاسي والكثير من القرارات. فما الذي جد اليوم لتقوم الأحزاب بهذا الاستنكار حول التسوية المطروحة؟
– طبعاً في إبريل 22، وعندما أفرز اتفاق الرياض الثاني هذا المجلس الرئاسي بالصورة التي تمت، تعاطت معه القوى السياسية كأمر واقع، على أمل أن يعاد من خلال هذا المجلس، وما أفرز في هذا الاتفاق من تشكيل لجان وهيئات، لجنة اقتصادية وقانونية وهيئة تشاور ومصالحة، على أن تقوم هذه الهيئة بتجسير العلاقة بين المكونات الشرعية من جهة والقوى السياسية، بما يضمن تحسين شروط سلام قادم. لكن ذهاب المجلس اليوم للدفاع عن خارطة الطريق ربما لم يشارك هو في صياغتها وقدمت له جاهزة، وبعيدًا عن التفاهم أو إيجاد إطار تفاوضي تفاهمي في إطار المكونات السياسية والمدنية، الحقيقة هذا يدخل المجلس في أزمة ثقة مع المكونات السياسية وخصوصًا أن شرعية المجلس الرئاسي قائمة على التوافق السياسي. واليوم يتم الذهاب لعملية مصيرية تتعلق بمستقبل اليمنيين وسلامهم دون أن يشرك المجلس الرئاسي القوى السياسية والمدنية في وضع إطار تفاوضي تفاهمي في إطار المكونات السياسية والمدنية الحقيقية يدخل المجلس في أزمة ثقة مع المكونات السياسية، وخصوصًا أن شرعية المجلس الرئاسي قائمة على التوافق السياسي. واليوم يتم الذهاب إلى عملية مصيرية تتعلق بمستقبل اليمنيين وسلامهم دون أن يشرك المجلس الرئاسي القوى السياسية والمدنية في وضع إطار تفاوضي مع الحوثيين، وهذا يدخله في أزمة ثقة مع القوى السياسية وأزمة ثقة شعبية، خصوصًا وأن هناك الكثير من تطلعات المجتمع غير موجودة ولا توجد مؤشرات لتضمينها فيما يسمى بخارطة الطريق.
• إذا تقييمكم بشكل عام لموقف الأحزاب، لماذا لو تساءلنا فقط أحزاب تعز هي من تصدر مثل هذا البيان، أين أحزاب الجمهورية بشكل عام يعني؟ هذه المكونات بشكلها الرئيسي، حتى يعني تصبح أحزاب تعز منفردة بمثل هكذا بيان أو اعتراض؟
– بالنسبة لأحزاب تعز، هي طبعاً فروع نشطة، ومن أكثر فروع الأحزاب نشاطاً، وأحزاب تعز عندما تطلق موقفًا بهذا المستوى هو موقف يمثل تمامًا الخط السياسي العام لهذه الأحزاب، ولولا ذلك ما صدر مثل هذا الموقف، لو لم يكن يمثل الخط السياسي العام للأحزاب التي يمثلونها في شارع تعز. ناهيك عن أن هذا الموقف أيضًا يعكس تطورًا لا مركزياً في الأحزاب، وهناك ظروف أفضل ربما سمحت للفروع أن تطلق هذا الموقف. ما يؤخر الأحزاب عن إصدار موقف قد يكون لأسباب لوجستية وربما يكون انتظار أن يحدث تراجع من المجلس الرئاسي، والعودة لحوار ونقاش في إطار المكونات السياسية والمدنية قبل الاستمرار والمضي في خارطة لا يعرف عنها اليمنيون وتعبيراتهم السياسية والمدنية والشعبية.
• إذاً أستاذ باسم، يتساءل الدكتور يحيى وهو سؤال كثير من اليمنيين: أن الأحزاب لم تعد حاضرة في المشهد كما يفترض، وكما ينبغي لها أن تكون، ويقول بأن أي حلول ستكون قادمة ستكون هي في مقدمة الضحايا لأي تسوية قادمة. فدعني أسألك أيضًا، ما هو دور الأحزاب الذي كان يجب أن يكون عوضًا عن إصدار بيان هنا أو هناك، وحتى بيانات متفرقة، بيانات أحزاب تعز، بيانات أحزاب كذا، الحزب الفلاني؟ يعني لم تعد هناك هذه الأحزاب التي هي الحامل السياسي وتعرف تمامًا ما الذي يعني ثقلها على المشهد. لماذا خيبت آمال الناس بدورها هذه الفترة؟
– أولاً، عندما نذهب لتقييم الأحزاب وأدائها ودورها، لا بد أن نقارب هذا الأمر بشيء من الموضوعية. ما حدث من انقلاب مليشاوي ومع تدخل خارجي مسلح أنتج مليشيات في إطار جغرافيا الشرعية. هذه الحالة مع إطالة أمد الحرب من الطبيعي أن يترتب عليها إضعاف الأحزاب والتعبيرات المدنية، وإطالة أمد الحرب بهذه الصورة العبثية إحدى أهدافه الإماتة البطيئة والتدريجية للأحزاب السياسية وكل المكونات المدنية والتعبيرات الشبابية والنسوية، لأن المرور نحو ترسيم يمن طائفي مؤقلم، يعيش حالة من التشظي والضعف وتعدد السلطات وتناسل الميليشيات، لا يمكن استباحة مقدرات البلد. اليمن معروفة أنها تدفع ثمن جغرافيتها، وفيها الكثير من المصالح الحيوية التي تجعل العالم الاستعماري محل تنافس على بلد مثل اليمن. والطريق للمرور نحو تثبيت مثل هذه المشاريع يرتكز على إضعاف الأحزاب وتذويبها وإنهائها. وما حدث مؤخرًا ضمن سلسلة من جولات المفاوضات، كنا نلحظ أنه كل يوم يتم، أو في كل جولة من المفاوضات، يتم إقصاء وتهميش التعبيرات السياسية. هذه المرة هناك تصعيد متقدم لإلغاء هذه المكونات، وهذا يتداخل أو يلتقي مع إرادات محلية ميليشياوية ليس لها مصلحة من إقامة الدولة، وبالتالي لا بد من ضرب وإنهاء الروافع المدنية للدولة الوطنية، كما يلتقي هذا أيضًا مع رغبة إقليمية ودولية. وليس جديدًا علينا ما حصل خلال العقدين الماضيين على الأقل، ما حدث في العراق، ما حدث في ليبيا، ما حدث في كثير من البلدان. هناك سياسة محكمة لتخصيب هذه البلدان بالعنف والمليشيات والجماعات الدينية بطابعها المفتعل سواء كان سنياً أو شيعياً.
• هل ستقبل الأحزاب أن تهمش بهذا الشكل؟
– أنا أقول إن الأحزاب في حالة دفاع. الأحزاب تواجه هذه الصعوبات والتعقيدات وحملة التجريف لها من قبل إرادات محلية وإقليمية ودولية. وبالتالي هذا يتطلب أن يرفع الحزبيون من أدائهم الكفاحي ويضاعفوا من قدراتهم دفاعًا عن الوطن، أولًا من خلال بقاء وفاعلية هذه الأحزاب بأدوارها. لكن لا نستطيع أيضًا أن نتجاهل أدوار الأحزاب عندما نتحدث عن مرجعيات من صاغ هذه المرجعيات هي الأحزاب السياسية، ما تبقى من هامش للعمل السياسي وخطاب وطني. كما أن هذا العمل السياسي المحدود يأتي بصعوبات كبيرة وجمة، لكن بالمجمل من المهم أن نتفهم السياقات التي تجعل الأحزاب في وضع صعب. لكن إجمالًا ما زالت الأحزاب هي التي تمثل المشروعية التاريخية، هي تمثل المشروعية القانونية، وهي التعبير العابر للهويات المحلية، وهي المكونات التي تحافظ اليوم على الهوية الوطنية الجامعة. وأثق أنه بنضالات الأحزاب والتعبيرات المدنية سنستعيد وطننا بهويته الوطنية الجامعة، وليس هناك أدوات مؤهلة لاستعادة وطن يضيع ويتهاوى إلا من خلال الأحزاب السياسية والتكوينات المدنية.
• برأيك أنت أستاذ باسم أين تكمن المشكلة الحقيقية في أي مشاورات أو مفاوضات يمنية، هل في التدخل الإقليمي أم في غيرها أم في اليمنيين أنفسهم؟
– الحقيقة أن الإشكال الأولي يتعلق باليمنيين أنفسهم. بالنسبة للتدخل الإقليمي، ممكن أن يكون إيجابيًا ويخدم عملية سلام حقيقية وممكن أن يكون سلبيًا. اليمنيون هم من يحددون ذلك. المؤسف أن هناك واحدة من الملفات المهمة التي لم يتم الوقوف أمامها ومراجعتها بشكل جاد وصادق وشجاع، ومنها طبيعة العلاقة مع الإقليم، بما يجعل هذه العلاقة تعزز الشراكة والندية والمشاريع الاقتصادية المشتركة والأمنية وغيرها. هذا الملف استمر تجاهله حتى وجد اليمنيون أنفسهم وكلاء لأطراف إقليمية ودولية. المجلس الرئاسي عمليًا منذ تشكيله كان أمام امتحان صعب، وأمام عدد من الملفات، صحيح أنها صعبة، لكن كان من الضروري إنجازها، كون إنجازها يمثل شرطًا لعملية سياسية متكافئة الأطراف تفضي إلى عملية سلام حقيقية. لكن للأسف، لم تُنجز هذه الملفات، ومنها ما يتعلق بالمكونات العسكرية والأمنية. والدعم الإقليمي المالي المتدفق لهذه الجماعات كان مؤثرًا وربما سبباً رئيسياً في عدم إعادة بناء هذه المكونات على أساس وطني ومهني، والتي تحولت إلى سلطات أمر واقع، كلٌ في مساحته الجغرافية. وترتب على هذا عدم قدرة الشرعية على تحصيل الموارد وتوجيهها للجانب الخدمي والبنية التحتية، وسائر احتياجات الناس الأولوية والأساسية. مؤخرًا، الذهاب لمثل هذه المفاوضات، مفاوضات لم يشارك حتى المجلس الرئاسي متفرداً في تحديد محتوياتها، إلى جانب أنه يضع نفسه في ظل فشله في إنجاز عدد من الملفات المذكورة سلفاً، لم يذهب لصياغة إطار تفاوضي مع مختلف المكونات السياسية، الأمر الذي يضعه أمام أزمة ثقة مع القوى السياسية والمدنية، أساس مشروعيته السياسية وأيضًا أمام مشروعيته الشعبية.