وُلد الشيخ علي محمد عبدالله مغلس بمنطقة قدس بمحافظة تعز، في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي. وهو مناضل سبتمبري، وأكاديمي عسكري، ورجل قانون، ومثقف، وضابط في القوات المسلحة اليمنية سابقًا- مدير عمليات لواء الثورة أيام المجد، والمدرس في المركز الحربي، والحقوقي، وعضو مجلس النواب، وآخر عمل له -قبل تقاعده- كان مديرًا للإدارة القانونية في الخطوط الجوية اليمنية.
سخّر الشيخ واللواء علي مغلس حياته لخدمة وطنه وأبناء وطنه أينما كان، كما كان نموذجًا فريدًا للقادة العسكريين اليمنيين الأوائل الذي خاضوا معارك الدفاع عن الثورة من منطلق الإيمان بمبادئها، لكن الكثير من العسكريين الشرفاء في الجيش اليمني واجهوا مستنقع التخلف الاجتماعي، واحترقت آمالهم ومبادئهم الوطنية وطموحاتهم الإنسانية النبيلة بهذا الواقع المتخلف، وتركيبته الاجتماعية والقبلية؛ فالرجل امتلك خبرة عسكرية متقدمة وصلت إلى مستوى الخبراء العسكريين السوفييت الذين درسوا معه في الأكاديميات العسكرية السوفيتية، وغيره كثيرون كان ينتظرهم هذا الوطن المنكوب.
رحمة الله على هذا الرجل العظيم والنبيل الذي أُجبِر على ترك الجيش اليمني بعد تلفيق تهم ضده تنال من المكانة العسكرية التي كان يتمتع بها؛ حيث عمل كبيرًا للمعلمين العسكريين الذين كان بينهم خبراء روس في المركز الحربي بتعز، ومع ذلك، فإن التُّهم الملفقة له، وإن أخرجته من السلك العسكري، إلا أنها لم تخرجه من مدرسة الحياة التي واجهها بكل اقتدار؛ حيث درس الحقوق في العاصمة المصرية القاهرة، والتقى بالرئيس اليمني الأسبق إبراهيم محمد الحمدي الذي يعرفه حق المعرفة عندما كان مرابطًا مع بعض الألوية العسكرية في منطقة ثلا، وبعد تخرجه من الاتحاد السوفيتي مباشرة، طلب منه أن يجهز غرفة عمليات لرئاسة الأركان في مقر القيادة العسكرية في صنعاء، ووعده الرئيس إبراهيم الحمدي خلال لقائه بالقاهرة بعد أن أكمل دراسة الحقوق، بمنصب رفيع، ولكن الأقدار والمؤامرات الخبيثة والحقيرة كانت أسرع منهما بالانقلاب على الحمدي، إلا أنّ علي محمد عبدالله مغلس كرجل عصامي، لم يستسلم، حيث شغل منصب مدير الإدارة القانونية في مؤسسة الطيران اليمنية، وفي أول انتخابات لمجلس الشورى اليمني رشح نفسه في دائرة المواسط، ونجح فيها نجاحًا ساحقًا، ودخل البرلمان من أوسع أبوابه، وهكذا، فقد كرّمته حاضنته الشعبية بانتخابه عضوًا في مجلس الشورى الذي تحول عشية الوحدة إلى مجلس النواب اليمني، وشهد ذلك الحدث العظيم، حيث جُمع المجلسان: مجلس الشورى في الشمال، ومجلس الشعب الأعلى في الجنوب، في إطار أول مجلس نواب يمني للجمهورية اليمنية.
الحديث عن علي محمد عبدالله مغلس الإنسان، حديثٌ ذو شجون، فالرجل عندما كان في القاهرة كان منزله ملاذَ اليمنيين الذين يبحثون عن مساعدته، والذين يبحثون عن دعمه بحكم عدم معرفتهم بمعاملات الدوائر الصحية المصرية، خصوصًا أولئك الذين كانوا يسافرون إلى جمهورية مصر العربية للاستشفاء.
كتب عنه صديقه أمين درهم:
«رحيلك اليوم آلمنا يا علي الخير يا مغلس
إلى جنة الخلد بإذن الله.
ويستمر الرحيل، حتى وصل لرجل كان شمعة مضيئة يستضيء بها كل محتاج في قضاء أي أمر طبي، أو أي عمل إداري في القاهرة، وكان يقول الناس لمن يصل إليه في القاهرة: أنت عند الأستاذ علي مغلس؛ أنت في أيدٍ أمينة.
يا من سخّر نفسه لعمل الخير، نقول له: رحيلك اليوم آلمنا وأحزننا.
في يوم 1 يناير 2021م، قمتُ بزيارة الشخصية الوطنية والثقافية الراحل علي محمد عبدالله مغلس في منزله، ورافقني في الزيارة الإخوة الأعزاء: عبدالباري طاهر، وعبدالرحمن بجاش، وفيصل عبدالجليل- رئيس منتدى الحداثة والتنوير الثقافي، والشاعر الشاب محمد سلطان اليوسفي، وقدّمت له شهادة شكر وعرفان بدوره الوطني والإنساني باسم ديوان بن درهم الثقافي والفني.
أقدّم خالص العزاء وصادق المواساة لنجله: أشرف، وأخته، ووالدته الفاضلة، وجميع أفراد أسرته الكرام، وإلى كل محبيه في ربوع الوطن وخارجه.
اليوم الخميس تاريخ حزين لفقدان أخ وصديق عزيز، ستظل ذكراه ترفرف أمامنا كعصفور مكسور الجناح.
حزين لرحيلك يا علي مغلس، نَمْ قريرَ العين، ترعاك دعوات الناس، وكل من عرفك.
الرحمة والمغفرة للفقيد، ولأهله الصبر والسلوان، وإنا لفراقك لمحزونون، يا علي».
أمين درهم
صنعاء، 18 أغسطس 2022م
المصدر:
معلومات خاصة بالفقيد ذكرها أصدقاء الفقيد: أمين محمد شرف الخرساني، وأمين درهم.
المادة خاصة بمنصة خيوط
https://www.khuyut.com/blog/ali-mughalis