التصعيد في تعز يُضعف الرهانات حيال محادثات عمّان
العرب
تشهد العاصمة الأردنية عمّان حراكا إقليميا ودوليا كبيرا حول الملف اليمني بالتوازي مع عقد جولات من المشاورات بين ممثلين عن الحكومة اليمنية المعترف بها ودوليا وجماعة الحوثي حول قضايا متعلقة بالتهدئة وتبادل الأسرى وفتح المنافذ البرية وكذلك الملف الاقتصادي وتوحيد الأجهزة المصرفية والنقدية.
المبعوثين الأممي والأميركي هانس غروندبرغ وتيم ليندركينغ بعض التقدم بشأن التوصل إلى اتفاقات جديدة بين الفرقاء اليمنيين تتمحور حول إعادة بناء الثقة والشروع في مباحثات سياسية مباشرة حول مستقبل السلام في اليمن.
ووفقا للمصادر من المتوقع أن تشهد المباحثات التي تستضيفها العاصمة الأردنية بإشراف مكتب المبعوث الأممي انفراجة في ما يتعلق بالتطبيع الاقتصادي وفتح المنافذ في تعز وتبادل الأسرى وتخفيف القيود المفروضة على ميناء الحديدة ومطار صنعاء.
ولم تستبعد المصادر أن يقدم الطرف الحوثي على تنازل مفاجئ في ما يتعلق بفتح طرقات مدينة تعز مقابل تلبية اشتراطاته الكبيرة التي تتضمن فتح وجهات جديدة من مطار صنعاء وكذلك ميناء الحديدة ودفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الجماعة الموالية لإيران.
وأعلنت وكالة الأنباء التابعة للحوثيين الخميس عن مغادرة وفد التفاوض الحوثي برئاسة يحيى الرزامي صنعاء إلى الأردن للمشاركة في مفاوضات مع الحكومة اليمنية برعاية الأمم المتحدة.
وقالت الوكالة إن الوفد سيدخل في جولة المفاوضات الثالثة في العاصمة الأردنية لمناقشة خروقات الهدنة وفتح المعابر والطرقات.
وفي حين أشار رئيس الفريق الحكومي عبدالكريم شيبان في تصريحات صحافية إلى أن “اجتماع الأردن يتعلق بالهدنة وتمديدها والخروقات الحوثية”، وقضية فتح الطرقات في تعز، شهدت العاصمة السعودية الرياض نشاطا دبلوماسيا لافتا تمثل في سلسلة من اللقاءات التي عقدها سفراء الدول دائمة العضوية مع المسؤولين اليمنيين والسعوديين لدفع عجلة السلام في اليمن.
والتقى رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي الأحد في مقر إقامته بالرياض السفيرين البريطاني والروسي وفقا لوكالة الأنباء اليمنية الرسمية التي قالت إن العليمي أكد خلال استقباله سفير المملكة المتحدة لدى اليمن ريتشارد أوبنهايم “انفتاح مجلس القيادة الرئاسي والحكومة على كافة المبادرات والجهود الرامية الى تحقيق السلام في اليمن وفقاً للمرجعيات الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومقررات مؤتمر الحوار الوطني، والقرارات الدولية ذات الصلة، وخصوصاً القرار 2216”.
وأشارت الوكالة إلى أن السفير البريطاني عرض مستجدات الجهود الدولية في هذا السياق، وفرص تجديد الهدنة القائمة بما يضمن فتح طرقات تعز، والمحافظات الأخرى والبناء عليها للتقدم في ملفات اقتصادية.
واستبق الحوثيون التقدم الذي قد تسفر عنه جولة الحوار الجديدة مع الحكومة الشرعية من خلال الإعلان عن فتح وجهات جديدة لرحلات جوية عبر مطار صنعاء خلال الفترة القادمة.
وقال وزير النقل في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليًا عبدالوهاب الدرة إن الوجهات الجديدة للرحلات الجوية تشمل عدة دول إلى جانب الأردن والقاهرة.
ويرى الباحث السياسي اليمني رماح الجبري أن مفاوضات عمّان تندرج في سياق محاولات المبعوث الأممي الحفاظ على الهدنة بين الأطراف اليمنية والاستفادة من الوقت المتبقي من عمرها على أمل أن يكون التجديد القادم للهدنة لستة أشهر، معبّرا عن اعتقاده أن ذلك سيوجد أرضية يمكن البناء عليها لتحقيق السلام.
وقال الجبري في تصريحات لـ”العرب” إنه “في ما مضى من أشهر الهدنة قدمت الحكومة الشرعية سلسلة من التنازلات لإثبات حسن النوايا تجاه إنهاء الحرب لكن الميليشيا الحوثية وحدها من تعبث بكل الجهود الدولية ولم تقدم أي تنازل يثبت جدّيتها في إنهاء معاناة أبناء الشعب اليمني”.
وأضاف “تعاملت الحكومة الشرعية مع ملف مطار صنعاء كملف إنساني وقدمت تنازلات كبيرة من استئناف الرحلات الجوية ومثله ملف حصار تعز ملف إنساني، إلا أن الميليشيا الحوثية لم تستجب لنداءات الملايين المتضررين من سكان تعز ولم تستجب أيضا للنداءات الدولية من المجتمع الدولي ككل بل وهدد رئيس لجنة التفاوض الحوثية في تعز بأنهم سيفتحون المقابر بدلا من فتح المعابر”. وأوضح المحلل السياسي أن سبع سنوات من الحرب أنهكت جميع الأطراف، مؤكدا أنه خلال هذه السنوات كانت الحكومة الشرعية ومن خلفها تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية يعملان وفقا لإستراتيجية الحرب من أجل تحقيق السلام الشامل والعادل.
في المقابل لا يخفي الباحث السياسي اليمني فارس البيل تشاؤما حيال نتائج المباحثات التي تشهدها عمّان، مشيرا إلى أن هذه اللقاءات فشلت قبل أن تبدأ، وفق تعبيره، مضيفا أن “المبعوث الدولي لم يعد يملك أبعد من الهدنة كعمل للسلام، فوفد الحكومة لا يعلم بهذا اللقاء الجديد ولم يبلغ، بينما وفد الحوثي جاهز، ثم إن المبعوث الدولي استمع إلى موقف الشرعية جيدا على لسان الرئيس العليمي في أن الحكومة لن تذهب لتجديد أي هدنة ما لم تفتح معابر تعز باعتبارها نقطة جوهرية من شروط الهدنة عند إعلانها أول مرة، وإنما وافقت الحكومة على هذا التجديد الثاني بغية منح فرصة لتنفيذ فتح معابر المحافظة”.
وشهدت محافظة تعز اشتباكات هي الأخطر بين القوات الحكومية والحوثيين، بعد أن حاولت الأخيرة اختراق الهدنة والتقدم صوب منطقة الضباب غربي مركز المحافظة.
وأسفرت هذه الاشتباكات عن مقتل 23 مسلحاً من جماعة الحوثي و10 جنود من القوات الحكومية.
وقال البيل في تصريحات لـ”العرب” إن الحوثي يعمل كعادته على المناورة السياسية من خلال تقديم شروط جديدة باستثناء معابر تعز، وذلك عبر الحديث عن ضرورة فتح وجهات جديدة للطيران وإلزام الحكومة بدفع الرواتب، وهذه “مراوغة جديدة، لإرباك جهود السلام، وللقفز فوق ضرورة فتح معابر تعز، والتهرب من استحقاقات دفع الرواتب من جمارك الناقلات الداخلة إلى ميناء الحديدة”.
وتتقاسم القوات الحكومية والحوثيون منذ سنوات السيطرة على محافظة تعز، ويفرض الحوثيون حصارا خانقا على مركز المحافظة التي تحمل ذات الاسم.
وتكتسي تعز أهمية إستراتيجية بالنسبة إلى أطراف الصراع، فهي مركز ثقل ديمغرافي، وهي تبعد عن العاصمة صنعاء حوالي 256 كيلومترا، وتطل مناطقها الغربية على البحر الأحمر، كميناء المخا الذي يقع على منفذ بحري إستراتيجي والذي يمثل حلقة وصل جغرافية بمحافظة الحديدة الساحلية.
ويشكك كثيرون في إمكانية أن يقدم الحوثيون على تقديم تنازلات لجهة فتح طرقات رئيسية في تعز، حيث يخشون أن ينعكس على وضعهم الميداني في المحافظة.
وأعرب فارس البيل عن عدم اعتقاده في أن تسفر اللقاءات عن أي اختراق “طالما أن المبعوث الدولي يتهرب من قول الحقيقة، وهي غاية ما يطلب منه”، مشيرا إلى أن “الحديث المبهم كما حصل في الإحاطة الأخيرة أمام مجلس الأمن ودعوة الأطراف إلى فتح معابر تعز هو نوع من الإخلال بمسؤولية الأمم المتحدة ودورها في إحلال السلام، إذ يبدأ السلام من توصيف المشكلة والضغط على المعرقل، ولذا لا يبدو أن الملف اليمني يدخل في تعقيدات متتالية، وسيقضي هذا المبعوث فترته في حفرة الهدنة، كما بقي سابقه في حفرة الحديدة، ثم لم نخرج منهما بشيء”.