د. ياسين سعيد نعمان..
لا يبدو أن عبد الملك الحوثي قد استوعب النكسة الكبيرة التي حلت بالمشروع الطائفي العسكري الايراني في المنطقة ، ولذلك فقد خلا خطابه هذه الليلة من الاشارة إلى الوضع المأساوي في اليمن ، أو إلى ما يذكره بأنه يقف فوق ربوة من جماجم اليمنيين ، وتلالٍ من الخراب الذي أحدثه انقلابه الدموي على الشرعية الوطنية والتحاقه بهذا المشروع الذي أخذ يتداعى وينحسر .
لم يفسر له مريدوه معنى أن يُكسر هذا المشروع في أهم حلقاته بتلك الصورة التي عادت فيها عاصمتان عربيتان ( بيروت ودمشق) الى حضنها العربي والوطني من مجموع العواصم العربية الأربعة ، التي فاخر النظام الإيراني ، ذات يوم ، أنها أصبحت في قبضته ، وأن بغداد أخذت تنسحب تدريجياً إلى حرم الدولة الوطنية ، على الرغم من المليشيات الطائفية التي تحيط بها ، وهو ما عبر عنه إخفاق النظام الايراني في توريط المليشيات التابعة له في العراق في التدخل في سوريا ، وأن صنعاء باتت جيباً هشاً للمشروع الايراني ، مزدحماً بتاريخه الوطني ، ومحاصراً بغليان شعبي تقلصت المسافة بينه وبين الانتفاضة التي ستعيد اليمن الى مساره الوطني .
قدم اليمنيون لعبد الملك أكثر من فرصة ليستلهم من صبرهم على تعديات وعبث جماعته موقفاً يساعده على إدراك أن التمادي في الارتماء في أحضان إيران ، وتقديم اليمن قرباناً لحماية الامن القومي لنظامها لا يمكن أن يقبله اليمنيون ، ذلك أنه كيف لهذا البلد العظيم أن يُقزَّم ليغدو مجرد حامية في مشروع هزيل ، كل وظيفته هو أن يحمي الملالي الذين اختطفوا إيران من شعبها ، ويقيم على شاكلة نظامهم الثيوقراطي الشمولي أنظمة مماثلة يجندها لقمع شعوبهم وخدمته بما في ذلك اليمن .
لم يحترم هذه الفرصة ، وفرط فيها ، وواصل إصراره على تجاهلها .
خاطبه اليمنيون ، وهم أهل حذاقة حينما يتعلق الأمر بتجنب الحروب والقتل والدمار ، بأن يتدبر بإمعان حقيقة أن حكم اليمن له شروط لا تتوفر في جماعته ، ولا في أي مجموعة تنفرد بقوة السلاح لتستولي على الحكم ، فاليمن بلد متنوع ، ولا يستقيم فيه إلا حكم يحترم هذا التنوع والتعدد ، لكنه تمادى في تحقير هذا الخطاب ، وأصر على كسر الارادة الوطنية التي تسعى إلى إيجاد مخارج من هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه اليمن ليواصل تجنيد نفسه لخدمة مشروع يحتضر ، لا لشيء إلا لأن الوهم الذي حمله خطاب خامنئي مؤخراً بشأن استمرار ما أسماه “مشروع المقاومة” وتوسعه ليشمل كل غرب آسيا على حد زعمه ، قد أعماه عن مصلحة اليمن في مغادرة هذه المأساة التي تسبب بها ، وأغرق فيها اليمن .
ينتظر عبد الملك أن يصبح محور المشروع الايراني في المنطقة ، بعد النهاية التراجيدية لحسن نصر الله ، وهذا ما يخطط له الايرانيون ، وهو بذلك يجر اليمن إلى مستنقع دموي جديد .. ولكن لا يجب أن يسمح له بذلك .