كتب / علي عفيفي الأهدل..
لا سلام في اليمن إلا من تهامة، ولا فجر للحرية يعمّ الأرض إلا من بين سُهولها وسواحلها التي حملت جراحات الزمن وصدحت بأهازيج الأمل. من هناك، من أرض البحر والنخيل، تنبض قلوب الأحرار بكل ما هو أصيل وعظيم، حيث الأحقية بالسلام تجدها مرتكزة على صلابة إرادة رجال ونساء مقاومين، على جباههم ترويخٌ من عرقٍ ودمٍ ونضال، وعلى أكتافهم يحملون تاريخًا طويلًا من الصمود. وتهامة، بما لها من موقع استراتيجي على ضفاف البحر الأحمر، تمثل خط الدفاع الأول في حماية هذه المياه الحيوية التي تشكل شريانًا أساسيًا للتجارة العالمية وأمن الأمة. البحر الأحمر، بما يحويه من ممرات بحرية هامة، لا يمكن أن يكون آمنًا دون صون سيادته وحمايته من أي تهديد يمس أمنه أو استقراره، ومن سواحل تهامة يأتي الأمل في استعادة هذا الأمن وحمايته بكل قوة وعزيمة…
تهامة، أرض البسالة التي ترتوي من بحور كرامتها، لم تكن يومًا أرضًا عابرة في تاريخ الأمة، بل كانت ولا تزال دربًا من دروب النصر. هي البذرة الأولى للمقاومة، ومهدًا لروح التحرير التي لا تذبل ولا تهدأ. حيثما كانت تهامة، كانت الثورة في أبهى صورها، وكان الكفاح في أشد حالاته؛ فهي رئة اليمن، التي تنفث نسيم الحياة في عروق الوطن، وتمنحه القدرة على النهوض مهما كانت الرياح العاتية. وفي سواحلها الممتدة، يقف أبناء تهامة على أهبة الاستعداد، يحرسون بحرهم الأحمر ويمثلون الدرع الحامي لمياهه التي تخترقها السفن محملةً بالأمل، بينما يحوطها من الداخل صمود لا يلين في مواجهة أي أطماع خارجية..ظ
لقد رُسمت في معاقلها دروبٌ من العزيمة التي لا تعرف الكلل، ونُسجت في أزقتها حكايات لا تُمحوها الرياح، حكايات أبطال سطروا بدمائهم الزكية أسطر الحرية. تهامة ليست مجرد جغرافيا، بل هي روحٌ حية تملأ الأفق بشموخٍ وعزةٍ لا تُدَاس، وهي قلبٌ نابضٌ بمقاومةٍ أصيلةٍ، لا تعرف التراجع ولا الاستسلام. هي الثابتة رغم المدى، المثخنة بالجراح لكنها لا تنحني، ولا تستسلم للغزاة أو الطغاة. ومن ساحلها الواسع، تنبثق روح الحماية للأمن البحري، لتظل بحار البحر الأحمر في مأمنٍ من التهديدات التي قد تعكر صفو الأمان الإقليمي والدولي…
إن إشراك التهاميين في حراك التحرير ليس فقط واجبًا، بل هو عودة إلى الجذور، استرجاعٌ للكرامة، وإشادةٌ ببناء أمة كانت في أصلها قائمة على مبادئ الحق والعدل. هم الذين لا يشترون السلام بثمنٍ بخسٍ، بل ينقشونه بدمائهم على جبين الزمن. هؤلاء الذين لا يرون في الصمت قبولًا للظلم، ولا في الاستكانة خلاصًا من الظرف. هم الذين يحملون في أعماقهم عبق الأجداد الذين ضحوا بكل غالٍ ونفيس ليظل صوت الحق يعلو في وجه الباطل…
إن إشراكهم في معركة التحرير هو بمثابة تكريس لحقهم في أن يعيشوا بسلامٍ، وأمانٍ، واستقلال، وهو تأكيدٌ على أن المقاومة التي لا تشرق شمسها من تهامة هي مجرد خيال، مثل وردةٍ تذبل في خريفٍ لا يرحم. هم الذين يفتحون أبواب الأمل، ويهدمون حصون الظلم بقلوبٍ ناعمةٍ كالموج، لكنها صلبة كالجبل. ومن سواحلهم الممتدة على ضفاف البحر الأحمر، يأتي أمن المنطقة البحرية في أبهى تجلياته، حيث لا أمان ولا سلام إلا في حماية البحر الذي يمنح الحياة ويصون شرف الأمة. من هنا، من سواحل تهامة، سنحصل على القوة الحقيقية للتحرير، ولن يكتمل النصر إلا إذا كانت تهامة في قلب المقاومة، وفي صدر الحراك، لأن النصر لا يُكتب إلا بحروف من دمٍ وعرق، ومن تهامة يخرج الحرف المضيء ليقود أمة إلى بر الأمان، محميةً في بحارها وفي قلبها…