ضع اعلانك هنا

حول تصريحات ترامب وواقع العرب: ترامب يريد فرض الهيمنة على غزة: خيانة عربية أم واقع مرير؟..

الكاتب / فتحي أبو النصر ..
رئيس تحرير موقع انزياحات ..

جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة حول قطاع غزة لتثير العديد من التساؤلات والمخاوف. فالحديث عن إمكانية السيطرة الأمريكية على قطاع غزة، وإجبار الفلسطينيين على مغادرتهم إلى دول الجوار، كالأردن ومصر، يظهر مدى الاستهانة بقضية عميقة وشائكة جدا ، وتحديدا بحقوق الفلسطينيين في أرضهم..

فيما لا يخفى على أحد أن تصريحات ترامب هي مجرد جزء من مخطط أكبر يسعى من خلاله إلى إعادة تشكيل المنطقة حسب مصالحه، دون أي اعتبار لحقوق الشعوب وكرامتها..

فما ورد في تصريح ترامب بأن “غزة ستكون تحت السلطة الأمريكية” هو إعلان صريح عن التدخل الأمريكي السافر في شؤون المنطقة، وإن كان سابقة غير مسبوقة في التاريخ السياسي الحديث.
صحيح أن الولايات المتحدة لطالما كانت متورطة في سياسات الشرق الأوسط، لكنها اليوم تُعلن بوضوح عن نيتها فرض سلطتها المباشرة على قطعة أرض محورية عربيا وفي قلب الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي…

طبعا هذا ليس فقط تجاوزا لكل المعاهدات والمواثيق الدولية التي تمنح الشعب الفلسطيني حق تقرير مصيره، بل هو أيضا دعوة لابتلاع الحقوق وطمس الهوية الفلسطينية..

فالحديث عن تهجير الفلسطينيين من غزة وإجبارهم على اللجوء إلى الأردن ومصر ليس فقط مستفزا بل هو استهانة مرفوضة بمصير ملايين البشر الذين نشأوا على تلك الأرض، وجذورهم متأصلة في تربتها.
نعم، كيف يمكن لأي شخص أن يجرؤ على الحديث عن إزالة شعب بأكمله من أرضه، وكأنهم مجرد قطع شطرنج يتم نقلها إلى مكان آخر؟ بل أين هو العدل في هذا؟ وكيف يمكن للعالم أن يقبل بمثل هذه الممارسات التي تمس جوهر حقوق الإنسان؟..

لكن على الرغم من غضبنا العارم من تصريحات ترامب، يجب أن نعترف بأن اللوم يقع على الأنظمة العربية التي سمحت لهذا الرجل بأن يتلاعب بمصير المنطقة..

فالحاصل إن المواقف المتخاذلة من قبل بعض الأنظمة العربية، سواء من خلال التعاون مع الولايات المتحدة أو السكوت عن انتهاكاتها، هي التي جعلت من ترامب يعتقد أنه يستطيع فرض مثل هذه السياسات الجائرة. في حين أن هذه الأنظمة، بدل أن تكون في موقف المدافع عن حقوق الفلسطينيين، تجدها أحيانا متواطئة في تسهيل أفق التفاوض على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
والشاهد أن العالم العربي، بمؤسساته السياسية والدبلوماسية، لم يقم بما فيه الكفاية لمواجهة التحركات الأمريكية في المنطقة..

بل إن ردود الفعل الباهتة التي نراها من بعض الدول العربية لا تعكس سوى انقسامات عميقة في صفوف الأمة العربية.
فالبعض يحاول تبرير التوجهات الأمريكية على حساب القضية الفلسطينية، والبعض الآخر يظل غارقا في التردد وعدم اتخاذ خطوات عملية تُظهر استجابة جادة لهذا التحدي. نعم ، أين هي الاستراتيجية العربية الواضحة للرد على هذا التهديد الكبير؟..

أين هي الإجابة القوية التي كان يجب أن تصدر عن الجامعة العربية أو القادة العرب في وجه هذه التصريحات الوقحة؟
وفيما يتعلق بالأردن ومصر، فإن تصريحات ترامب تمثل تهديدا سافرا لشعبيهما ومصيرهم..

فإذا كانت الولايات المتحدة تتصور أن الضغط على الأردن ومصر لقبول اللاجئين الفلسطينيين هو خيار سهل، فإنها تجهل قدرة هذه الدول على تحمل مثل هذا العبء الديموغرافي والإنساني.
ثم إن هذه الدول لديها أولوياتها الوطنية، ولها حدودها فيما يتعلق باستقبال اللاجئين الجدد، وقدرة حكوماتها على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية قد تكون محدودة. فكيف يمكن للأردن، الذي يعاني من ضغوط كبيرة بالفعل، أن يتحمل هذا العبء الجديد، وهو البلد الذي استضاف ملايين اللاجئين الفلسطينيين قبلا؟ وكيف يمكن لمصر، التي تسعى للتركيز على تنميتها الاقتصادية، أن تحتمل هذا التدفق البشري الهائل؟..

من جهة أخرى، لا يمكن إغفال أن ما يفعله ترامب هو ليس سوى محاولة لتمرير صفقة القرن بطرق ملتوية. بل إنه يتلاعب بكل الأوراق الموجودة في يده لتحقيق أجندته، مستفيدا من الفوضى والتشتت في العالم العربي..

فما يحدث الآن هو اختبار حقيقي لجميع الأطراف..

فهل سيستطيع العرب الوقوف في وجه هذه الهجمة؟ أم أنهم سيظلون رهائن للسياسات الأمريكية التي تسعى إلى فرض الهيمنة على المنطقة؟..

من هنا فإن الموقف العربي تجاه قضية فلسطين يجب أن يكون واضحا وقويا، لا سيما في هذه اللحظة الحرجة التي يسعى فيها ترامب إلى تصفية القضية الفلسطينية بالكامل..

فلا يمكن أن يكون الحل في تهجير الفلسطينيين من أرضهم، ولا في تحويلهم إلى أرقام في مخيمات لا تحمل لهم سوى الوعود الكاذبة. بل من حق الشعب الفلسطيني أن يعيش في أرضه بكرامة، وأن تكون له دولته المستقلة التي تضمن له حقوقه..

كذلك فإن الغضب الذي نشعر به تجاه تصريحات ترامب يجب أن يكون دافعا قويا لنا جميعا للعمل معا، في الداخل والخارج، للمواجهة والرفض..

لكن في ذات الوقت، يجب أن نعيد النظر في واقعنا العربي، ونسأل أنفسنا: هل نحن على استعداد لحماية قضايانا أم أننا لا نزال مشغولين بالانقسامات الداخلية؟.

على أنه من الضروري أن يكون هناك موقف حازم من مصر والأردن وكل الدول العربية التي تطبع علاقاتها مع إسرائيل تجاه التصريحات الخطيرة التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول قطاع غزة..

فهذه التصريحات ليست مجرد كلام عابر، بل هي تهديد حقيقي للأمن القومي العربي، وتستهدف التلاعب بمصير الفلسطينيين، وتكريس الوضع الحالي من خلال خطة “صفقة القرن” التي تحاول فرض واقع جديد على المنطقة بأكملها..

بمعنى أدق يجب على مصر والأردن، بصفتها الدولتين الجارتين اللتين يحتضنان جزءا من الشعب الفلسطيني، أن تتخذا موقفا موحدا وصارما أمام الضغوط الأمريكية التي تستهدف تهجير الفلسطينيين من غزة..

ثم إن هذا الموقف يجب أن يكون على مستوى من الجدية، يتجاوز البيانات الدبلوماسية، ويترجم إلى خطوات عملية على الأرض لحماية حقوق الفلسطينيين.
فلا يمكن للأردن أن يتحمل المزيد من اللجوء الفلسطيني، بينما هو يعاني بالفعل من الضغوط الاقتصادية والإنسانية. ومصر، التي تلعب دورا محوريا في المنطقة ولها ثقلها الاستراتيجي، يجب أن تقف بحزم ضد أي محاولات للتلاعب بمصير الفلسطينيين..

أما الدول التي طبعت علاقاتها مع إس..رائيل، فمن الواجب عليها أن تعيد حساباتها جيدا..

فالتطبيع مع إس..رائيل لا يمكن أن يكون على حساب القضية الفلسطينية. فيما لم يعد بالإمكان السكوت عن تلك السياسات التي تقود المنطقة نحو مزيد من الفوضى والتدهور..

و على هذه الدول أن تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والسياسية تجاه فلسطين، وأن تتبنى مواقف جادة تدافع عن الحقوق الفلسطينية، بعيدا عن الانحياز للأجندات الغربية التي تسعى للهيمنة على المنطقة إلى الأبد…

ضع اعلانك هنا