المصدر أونلاين – اسامة عفيف
شكلت جريمة اغتيال مسؤول برنامج الغذاء العالمي في تعز، الأردني مؤيد حميدي، في مدينة التربة بالمحافظة يوم الجمعة الماضية، فاجعة لدى كل أبناء المدينة ونخبها السياسية والاجتماعية، وسط تساؤلات عن تأثيراتها المحتملة على العمل الإنساني في المدينة المحاصرة.
وتفرض ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران حصاراً من ثلاث جهات على المدينة، وللعام التاسع على التوالي ما يزال كل سكانها يسافرون وتأتي احتياجاتهم عبر طريق وعِر، يمر عبر مناطق جنوبي المحافظة الجبلية، ومن بينها مدينة التربة حيث وقعت الجريمة، وصولاً إلى محافظتي لحج وعدن، المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد.
وخلال سنوات الحصار، واجه عمل المنظمات الأممية والدولية المعنية بالشأن الإنساني في المحافظة مشاكل كبيرة، نتيجة وجود الكتل الرئيسية للمنظمات في صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، والضغوط التي تمارسها الميليشيا على هذه المنظمات، والتي فرضت قيوداً على المنظمات في مناطق سيطرة الحكومة عموماً ولاسيما تعز.
وكثيراً ما دعت الحكومة الشرعية المنظمات والوكالات الدولية والإقليمية إلى نقل مكاتبها إلى عدن، ووعدت بتقديم كافة التسهيلات للمنظمات لإنجاز ذلك، وخلال لقاء سابق مع المدير القطري لمنظمة حماية الطفولة في عدن قال وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، محمد الزوعري، إن بقاء المكاتب الرئيسية للمنظمات في صنعاء واستمرار تدفق التحويلات النقدية إلى هناك سبب اضرارا مادية كبيرة للمستفيدين من برامج ومشاريع المنظمات في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة.
وأكدت العديد من المنظمات استعدادها للانتقال الى عدن، غير أن ميليشيا الحوثي مارست ضغوطاً، وصلت حد الابتزاز أحياناً، لضمان بقاء المنظمات في مناطق سيطرتها، بهدف تعزيز التدفق النقدي للبنك المركزي الواقع تحت سيطرتها، وفرض شروطها على الدعم المقدم من المانحين.
وكانت تعز دوماً أكبر الخاسرين، وكثيراً ما صادرت جماعة الحوثيين مساعدات كانت مخصصة لتعز ونقلتها لصالح عناصرها بحسب اتهامات متكررة من السلطات المحلية في المحافظة. وعندما بدأت التحركات الجادة من قبل المنظمات الدولية لإغاثة تعز مع اشتداد الحصار في العام 2018، اغتال مسلحون مجهولون موظفاً في الصليب الأحمر الدولي لبناني الجنسية، يدعى “حنا لحود”، في مدخل المدينة، وكانت تلك ذريعة لعدم انتقال عمل المنظمات الى المدينة بشكل مباشر.
وقال مدير مكتب التخطيط والتعاون الدولي في تعز، نبيل جامل لـ”المصدر أونلاين” إن “الحادث الذي استهدف حنا لحود في 2018، كان مخططاً وممولاً من قبل ميليشيا الحوثي، وفر الجناة بعد التنفيذ الى مناطق سيطرة الميليشيا”، مشيراً إلى أن “المستفيد من الجريمة الأخيرة ميليشيا الحوثي بدرجة رئيسية”.
واعتبر جامل ما جرى “جريمة صادمة ومروعة، وحدثت في توقيت سيء جدا لتعز”، مضيفاً: “كل القراءات تشير الى ان المستفيد هو الجهة التي ساءها الاستقرار النسبي الذي حدث في العلاقة مع المنظمات، وخاصة مشروع الانتقالي او التحول من التدخلات الطارئة الى الإغاثية، وهذا المشروع قُدّم عبر مكتب الأمم المتحدة، وتم اختيار تعز كمحافظة من بين المحافظات المحررة لتنفيذ هذا المشروع، لعدة عوامل من بينها وجود الاستقرار الأمني، ووجود قابلية في المجتمع”.
وقال: “هذه الخطوة أغاضت أطرافاً، إضافة الى الوحدة الداخلية التي ظهرت بها تعز مؤخراً، في رفض الحصار، هذا أغاظ الحوثيين وهم أكثر المستفيدين من هذه الجريمة، ومحاولة تصويرها كموطن للإرهاب”.
وأضاف جامل وهو رئيس الفريق الحكومي المفاوض بشأن فك الحصار عن تعز، إن “الحادث الأخير يأتي في نفس سياق الحرب التي تستهدف إبعاد المنظمات عن المدينة، وحصار أهلها، وهذا شغل يأتي مطابق للصورة الذهنية التي يحاول الحوثيون رسمها لدى المنظمات، أن تعز هي داعش والقاعدة”.
وأشار جامل إلى تحسن العلاقة عقب حادثة حنا لحود، بين تعز والمنظمات، وقال: “لم تقيد أي حادثة منذ 2018 ضد أي موظف إغاثي في تعز، وكنا وصلنا الى مستوى كبير في تحسن العلاقة مع المنظمات، ليأتي الحادث الأخير بهدف إعادتنا إلى المربع الأول”.
آثار الجريمة على العمل الإغاثي
وحول آثار الجريمة على العمل الإغاثي في تعز، قال مدير مكتب التخطيط بالمحافظة، إنه “لابد أن نفرق بين مسارين: مسار المساعدات الإغاثية والتدخلات الطارئة لإغاثة الناس، وهذه بحسب التأكيدات والتواصل مع شركاء العمل الإنساني، لن تتوقف”.
وأضاف: “المسار الآخر، هذه القضية قد يكون لها تأثير مباشر على حركة الموظفين، وخاصة الأمميين والزيارات، سيكون لها آثار”، منوهاً بجهود الأجهزة الأمنية والتي قال إن إلقاءها القبض على “سيقطع الكثير من المسافات لإعادة تطبيع العلاقة مع المنظمات”.
من جانبه قال رئيس مركز صنعاء للدراسات ماجد المذحجي لـ”المصدر أونلاين”، إن “الحادثة الأخيرة تأتي امتداداً لحادثة حنا لحود، ولا يمكن فصل هذه عن تلك”، مضيفاً أنه “أيا يكن الطرف الذي لديه مصلحة في ذلك فقد نجح”.
وأضاف المذحجي أن “هذا الاغتيال هو فعل ذو نتائج كارثية، على الرغم من أن برنامج الغذاء العالمي لم يقم بتعليق أعماله، لكن في الأخير الوضعية الآمنة التي كانت تصنف بها مدينة تعز أعتقد أنها ستتقهقر للوراء، وسيؤثر هذا على قدرة المنظمات الدولية، ليس فقط الأمم المتحدة، على إدارة عملياتها من هذه المناطق”.
وقال: “حتى الدعم في الحدود الدنيا التي يمثلها تواجد الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في تعز، أعتقد سيكون أكثر تعقيداً، وربما يتم سحب الموظفين الدوليين بسبب وصم المحافظة بعدم الاستقرار الأمني، وهذا كارثي، ومكلف على المدى الطويل”.