الكاتبة / ابتهال عبدالوهاب**…
في عالم يزداد ضجيجه ويبهت معناه، يصبح الجمال فعل مقاومة لا ترفا، ونافذة صغيرة نتنفس منها وسط جدران الواقع الثقيلة.
سلاما للموسيقى التي ترمم كسور الروح حين يعجز الكلام
وتغسل بألحانها غبار الايام عن وجه القلب
هي لغة لا تنطق بل تستنشق كما يستنشق الضوء
وكل نغمة منها اصبع ملاك يمر على الجرح فيشفي
الموسيقى اعتذار الوجود لنا حين يشتد وجعنا
ووعد خفي بان الجمال لا يموت وان غاب العدل
فسلاما للموسيقى التي ترمم ما تهشم في الداخل، تلك التي لا تسمع بالأذن بل تترجم في نبض القلب. إنها اللغة التي لم يخترعها البشر بل تساقطت من السماء مع أول نغمة صدرت من حنجرة الوجود.
وسلاما للاشجار الخضراء التي تمد جذورها في الارض
وترفع اغصانها نحو السماء كأنها تكتب شكرا للمطر
كم تشبه الانسان حين يخسر كل شيء ثم يورق من جديد
وحين يصمد لا لان الريح رحيمة بل لان في داخله يقين الربيع
سلاما للسهر ولليل حين يصبح الهواء في الواحدة صباحا
شفافا كروح تبحث عن معنى نفسها
في ذلك الوقت تنام المدن وتستيقظ الافكار
وتفتح ابواب الحنين كبيوت بلا حراس
و حين يتساقط الصمت كندى على الأرواح، وحين تتحول الوحدة إلى مرآة يرى فيها كل إنسان صورته الحقيقية، بلا تجميل ولا قناع و يصبح الهواء مختلفا، شفافا كفكرة لم تكتب بعد
هناك في سكون الليل نصغي لما لا يقال
ونفهم ان الوحدة ليست فراغا بل امتلاء بالنور الخفي
سلاما للفن بكل ألوانه، لأنه الحيلة النبيلة التي ابتكرها الإنسان كي لا يموت من الحقيقة. في كل لوحة شيء من مقاومة الزمن، وفي كل نغمة تمرد على الصمت، وفي كل قصيدة محاولة ناعمه لتفسير ما لا يفسر.
سلاما للفن و لجنون الالوان
وللقصيدة التي تحاول عبثا ان تشرح ما لا يشرح
وللنغمة التي تهزم صمت العالم بنغمة واحدة
الفن هو حيلة الانسان كي لا يموت من الحقيقة
وكي يظل قادرا على الحلم وهو في قلب الرماد
وسلاما للبيوت العتيقة التي تحفظ في جدرانها انفاس الراحلين و صدى الضحكات ووشوشات المساء، وتشبه الذاكرة حين تشيخ لكنها لا تنسى
وللنجوم التي تنصت لأسئلتنا ولا تجيب..و التي تسهر على أحلامنا كأمهات خفيات..
وللشروق حين يعلمنا ان كل ظلام مؤقت. وأن النهايات ليست سوى بداياتٍ في ثوب جديد
وللغروب حين يذكرنا ان الجمال لا يحتاج دواما ليخلد
لأن الجمال لا يقاس بالديمومة بل باللحظة التي يختار أن يرحل فيها.
سلاما على كل ما يخرجنا من تفاهة الواقع
على كل ما يفتح نافذة في جدار الحياة
على الاغنية التي تنقذ ساعة من الحزن
والشجرة التي تبقي ظلا في زمن بلا ظل
والخيال الذي يمنح للحقيقة ملامح الحلم
سلاما على ضوء القمر.. دفء الشمس.. نباتاتي الصغيره.. كتبي ومكتبتي.. كوب الشاي الساخن.. اغنيات فيروز المحببه والأقرب لقلبي..
سلاما على كل ما يعيدنا إلى ذواتنا ولو للحظاتٍ معدودة، على كل ما يخرجنا من طين الواقع إلى رحابه الخيال.
ما زال في الجمال نجاة من القبح، وما زال في الخيال طريق إلى الحقيقه
فيا ايها الجمال.. يا اخر ما تبقى من نجاة الانسان
كن لنا وطنا حين تضيق الاوطان
وكن لنا عزاء حين يعجز كل شيء عن المواساة
هذا النص تحية لكل ما يرمم أرواحنا، لكل ما يجعلنا نؤمن أن الإنسان لم يخلق ليستهلك فحسب، بل ليحلم ويبدع ويحب.. إنه سلام طويل على كل ما يخرجنا من العدم، ويعيد إلينا ملامحنا الإنسانية التي كدنا ننساها..
** إبتهال عبدالوهاب مثقفة مصرية مستنيرة من الزقازيق بجمهورية مصر العربية …
منشور برس موقع اخباري حر