اريحا فلسطين اقدم المدن المأهولة ،، وعزة اهم المدن التي اختبرت مصداقية العالم
يسجل التاريخ البشري أن “أريحا” في فلسطين هي أقدم المدن المأهولة، وسيسجل “غزة” (في فلسطين أيضاً) كأهم المدن التي اختبرت فيها مصداقية العالم في تمسكه بالقيم الانسانية في هذا العصر الذي تتحول فيه المستشفيات إلى مقابر جماعية.
العالم أمام محنة لا تقل تعقيداً عما شهدته عصور قديمة، وكانت سبباً في انهيار حضاراتها حينما أخذت تفقد عوامل وأسباب نشوئها واستمرارها. المضمون الذي توافق عليه المؤرخون هو أن حضارة هذا العصر إنما تستمد قوتها وزخمها من إعادة الاعتبار للانسانية وقيام الدولة الوطنية الديمقراطية، وحقوق الانسان، والحريات، والعدل، والمساواة، والاخاء، وتجريم التمييز العنصري..، وأن كل ما شهدته من اختراعات وتقدم معرفي وعلمي وتكنولوجي إنما يصب في خدمة الانسان، ولا ندري ما إذا كانوا قد أغفلوا حقيقة أن هذا التقدم قد بني على معايير تناقضت موضوعياً مع تلك القيم، وهي معايير القوة والتنافس غير المتكافئ، وحق القوي في الاستئثار بحاجته من ثروات العالم، وحقه في انتاج أسلحة الدمار الشامل، وحقه في إعلان الحروب حينما تواجه مصالحه أي عارض، وحقه في صياغة النظام العالمي الذي يؤمن عمل آليات هذا النظام لصالح الأقوياء وحدهم.
في قلب هذه المعايير تكمن عوامل وأسباب الانهيارات التي أخذت توسع المساحة بين قيم حضارة هذا العصر والسلوك المراوغ والمفضي في نهاية المطاف إلى العمل من خارجها وعلى نحو يناقض جوهرها.
شكل الموقف مما يحدث في “غزة”، أحد الكسور التي أصابت منظومة هذه القيم، ولن يتم ترميمها إلا بحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً، وسيكون هذا الحل بمثابة المجس الذي ستقاس به قدرة العالم على استعادة انسانية العصر رغماً عما أحدثته القوة من كسور في قيمه.