ضع اعلانك هنا

ماذا بعد الاحتفال؟…

كتب / عرفات السامعي ..

السؤال الحقيقي: ماذا بعد الاحتفال؟ هل يكفي أن نحيي الذكرى بالهتافات والمنشورات، أم أن الثورة لا تزال تنتظر من يكمل طريقها؟ لقد تحول الحلم إلى كابوس، وتفرق الثوار بين المنافي والجبهات، وبدلاً من أن تثمر التضحيات وطناً عادلاً، وجدنا أنفسنا نحصي الخراب ونتحسر على لحظة كنا نظنها بداية الخلاص.

اليمن اليوم يعاني من مشهد سياسي معقد جداً، حيث تتحكم مصالح الأطراف الداخلية والخارجية في رسم مستقبل البلد. المصالح الشخصية تغلبت على المصلحة الوطنية، وأصبحت الثورة مجرد شعار يرفع عند الحاجة، أو ذكرى تحتفل بها الفعاليات السياسية دون أن يكون لها انعكاس حقيقي على الأرض.

الواقع السياسي في اليمن يعكس أن الثورة لم تؤدي إلى توحيد القوى السياسية، بل على العكس، فقد تفاقمت الانقسامات بين الفصائل المختلفة، سواء كانت سياسية أو عسكرية. في ظل تباين المصالح بين هذه القوى، أصبح كل طرف يسعى لتحقيق مصالحه الضيقة على حساب المصلحة الوطنية، مما جعل بناء دولة مستدامة أمراً صعباً. فكل فصيل سياسي أو عسكري لا يرى إلا ذاته ومصالحه، في وقت تتصارع فيه القوى المختلفة على النفوذ دون رؤية موحدة لمستقبل اليمن.

إلى جانب الصراعات الداخلية، تُعد التدخلات الأجنبية عاملاً آخر يزيد من تعقيد الوضع. فعلى الرغم من أن الثورة كانت في الأساس ضد الظلم والفساد، إلا أن بعض القوى الإقليمية والدولية استغلت الوضع لتحقيق مصالحها الخاصة. هذه التدخلات جعلت من اليمن ساحة صراع بالوكالة، حيث تقوم القوى الخارجية بالتحكم في مجريات الأمور، مما يعقد أي فرصة لتحقيق الاستقرار الداخلي.

من جهة أخرى، يعاني الشعب اليمني من أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة. أدى النزاع المستمر إلى انهيار العملة المحلية، وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، مما جعل حياة المواطن اليمني أكثر صعوبة. في ظل هذا التدهور الاقتصادي، يعيش الملايين من اليمنيين في ظروف غير إنسانية، خاصة في المناطق المتأثرة مباشرة بالحرب. كما أن النزوح الداخلي والتهجير القسري فاقم من معاناة الناس، وأدى إلى تفشي حالة من الفقر والبطالة.

الفساد داخل المؤسسات الحكومية يعزز من حالة التدهور. فالفوضى التي يعاني منها البلد لا تقتصر على الجبهات العسكرية، بل تشمل أيضاً القطاع المدني. تسعى بعض القيادات السياسية والعسكرية إلى الاستفادة من الوضع القائم، مما يؤدي إلى استنزاف الموارد وتقوية الفوضى في البلاد. بدلاً من أن تثمر التضحيات عن وطن عادل، وجدنا أنفسنا محاصرين في دائرة من الفساد والخراب، مما يجعل أي حديث عن تحقيق العدالة الاجتماعية أمراً بعيد المنال.

على الرغم من هذه التحديات، لا يزال الأمل موجوداً في الشباب والمجتمع المدني. الشباب، الذين كانوا في البداية وقود الثورة، هم الآن في قلب الأزمة التي تواجه اليمن. يمكنهم أن يكونوا القوة المحركة لإعادة بناء الوطن إذا أتيحت لهم الفرصة للمشاركة في صناعة القرار السياسي. المجتمع المدني، الذي يعاني أيضاً من ضغوط شديدة، لا يزال يحمل الأمل في تغيير المعادلة، ولكن هذا يتطلب توحيد الجهود بين مختلف الأطراف والشعب.

إذن، ماذا بعد الاحتفال؟ الإجابة تكمن في العودة إلى المبادئ التي انطلقت من أجلها الثورة. ربما كانت الثورة بداية طريق طويل، ولكن الطريق لم يكتمل بعد. لا يزال هناك أمل في تغيير المعادلة، ولكنه يتطلب التوحد بين القوى السياسية والشعبية، والتضحية من أجل بناء وطن حقيقي لا يغلب عليه التفكك أو الصراعات. اليمن بحاجة إلى ثورة جديدة، لا في الشوارع فقط، بل في العقول والنفوس، ثورة من أجل الكرامة والعدالة والمستقبل، بعيداً عن الانقسامات التي مزقت وحدته.

ضع اعلانك هنا