ضع اعلانك هنا

حزين لرحيل الصديق العزيز ، صالح شرف الدين…

الكاتب / بروفيسور قاسم المحبشي..

صدمت اليوم برحيل الصديق العزيز، الأديب ، صالح شرف الدين، من مواليد 1957 في منطقة الأربعين بمحافظة السويس وهو صاحب صالون ومنتدى ( رؤى الأدبي الثقافي) إبداع حتى عنان السماء نلتقي لنرقي، ومدير مكتبة كتبخانة في أول شارع الهرم، الف رحمة ونور تغشاه ونسأله تعالى إن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جنانه ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان وانا لله وانا إليه راجعون. برحيله خسرت مصر العالم العربي أديبا مخضرما من الرعيل الأول. عرفته منذ عام ٢٠١٩م عبر الدكتورة فاطمة إسماعيل، في صالون بنت البادي الثقافي، شارع ابن خلدون بالجيزة، عمارة اللواء علاء الدين وحرمة الشاعرة، سهام الزعيري مديرة صالون الكاتب العربي التي أخبرتني بانها زارت حضرموت قبل بوصفه منسقة الاتحاد الرياضي العربي من أجل السلام . منذ تلك الليلة العالقة في الذاكرة ؛ التي سنحت لي الفرصة فيها بحضور صالون ثقافي في القاهرة لأول مرة في حياتي، اتعرف على صالون ثقافيّ باسم ( بنت البادية) إذ صادف هوى في نفسي كوني من بلاد البادية وموطن القبائل العربية العاربةالتي هاجرت في ألأزمنة القديمة واستقر بها المقام في أم الدنيا وغير ذلك من الحوافز التي قادتني إلى أكتشاف هذا العالم الثقافي الجميل غير المألوف في بلاد القبائل العربية الجنوبية المتحاربة. وكل جديد بالنسبة للبالغ متعة! كما قال فرويد. أحسست ليلتها منذ الوهلة الأولى بانني في مكان حميم لا يشعرك بالغربة أبدًا. وتلك خاصية مصرية بامتياز لم أجدها في أي بلد عربي زرتها. في مصر فقط ثمة اندماج اجتماعي وثقافي قل نظيره، إذ تختفي كل الهويات والمرجعيات الاجتماعية والعقائدية والجهوية والأيديولوجية وتحضر الهوية الوطنية المصرية القوية، إذ لا تعرف من محدثيك أي إشارة أو نبرة تدل عن هويات أخرى غير هوية مصر الانسانية الحانية. وهذا هو احد اسرار عافية أم الدنيا منذ الألف السنيين. ادار الأمسية ليلتها الأستاذ صالح شرف الدين رحمة الله عليه، رجل ستيني، فارع القامة لا تفارق الإبتسامة محياه ذات كاريزما جذابه . ليلتها عرفتني به وعرفته بي الدكتورة فاطمة إسماعيل، ورحب بي بحفاوة عالية كاشفا عن عمق معرفته باليمن وتاريخها ومحبته لها وحفظه قصائد عن عدن التي كانت زيارتها حلم السعوديين في زمن مضى، قصائد جميلة حفظها منذ كان معلما للغة العربية في جده السعودية ودعاني إلى زيارة ندوته الثقافية الفكرية الأسبوعية في صالون (إبداع حتى عنان السماء نلتقي لنرقي) كل يوم خميس إذا لم تخني الذاكرة. حرصت على زيارة كتبخانة في أول شارع الهرم كلما سنحت لي الفرصة بذلك وهنا تعرفت على الكثير من الادباء والأديبات والمثقفين والمثقفات من مختلف الاقطار العربية وهناك تعرفت على الفنان مصطفى المغربي الذي غنى لي قصيدة، أمي الحبيبة أول ما غناها في الصالون على مدى ثلاثة تعمقت معرفتي بالاستاذ صالح شرف الدين الذي دعاني إلى عدد متنوع من الصوالين الأدبية فضلا عن فعاليات اتحاد كتاب مصر في الزمالة إذ كان مدير العلاقات الثقافية في الاتحاد. رحمة الله عليه كان صالونه واحة ثقافية لكل الادباء والكتاب القادمين من مختلف البلدان العربية ( فلسطين، اليمن ، العراق ، سوريا، الجزائر، الخليج ، المغرب وغيرها ) فضلا عن دعمه وتشجيعه للمواهب الواعدة. فمن تقاليد منتدى (رؤى الأدبي الثقافي) اتاحت الفرصة لكل الحاضرين في تعريف أنفسهم وقول ما لديه من أي مجال من مجالات الفكر والإبداع بحرية تامة( فكرة ، قصيدة، انشودة، قصة، غنوة، أقصوصة، مسرحية، تعليق، نقد، مقال، موال ، حفظ، تصوف ..الخ) أي شيء يمتلكه الأفراد من فنون التعبير والقول والكتابة.
فمن ذكرياتي مع الراحل الكبير الأستاذ صالح شرف الدين موقفي مع، الكاتبة، سارة مدبولي، إذ كنت أراها في صالة كتبخانة دائما منهمكة بالقراءة ولا أدري ماذا تقرأ. شابة عشرينية يبدو من ملامحها أن عقلها أكبر من سنها. ذات يوم تواعدت مع الفنان مصطفى المغربي بغرض تسجيل أغنية أمي الحبيبة. تواعدنا إلى ذات المكان الذي ادمنته الشابة المنهمكة بالقراءة. كافتيريا كتبخانة في أول شارع الهرم التقينا للمرة السابعة في الكافتيريا ذاتها ولم أعرفها وحينما جاء الفنان مصطفى المغربي عرفني عليها؛ سارة المدبولي شابة مهموم بالكتابة وتأمل العالم. دعايتها لدخول الندوة الأسبوعية مع الأستاذ صالح شرف الدين. كانت الندوة ليلتها عند المبدعين الشباب وطرق تحفيزهم تخللتها فقرات شعرية وفنية جميلة. في تلك الأمسية كشفت سارة مدبولي عن شخصيتها الغامضة فإذا بها روائية واعدة. أخبرتنا بانها تكتب رواياتها وتتلفها. فاقترحت عليها نشر رواياتها بدلا إتلافها فعرفتها بصديقي الأستاذ الناقد الناشر إبراهيم موسى النحاس فأخذ بيدها وبعد سنة من ذلك، أهدتني سارة روايتها الأولى مشفوعة بإهدائها الجميل( وجهان لعملة واحدة) لغرض تقييمها ونقدها في صالون مصر والبحرين للأستاذة إنتصار ربيع . رواية مدهشة جعلتني اتسمر على سريري حتى أكملت قراءتها. بطلتها نجوان ومراد ومروة وأدهم وماجدة وأنيس وهالة وسلمى. جمعت بين الواقع والخيال والحلم والحياة. مزيج من الكوميديا والتراجيديا الإنسانية الصافية. وبعد أيام سيكون الاحتفاء بتوقيعها. والكتب لا تحيي الموتى ، ولا تحول الأحمق عاقلاً و لا البليد ذكياً ، و لكن الطبيعة إذا كان فيها أدنى قبول فالكتب تشحذ و تفتّح و ترهف وتبذر وتزهر وتثمر وهذا هو ما وجدته في الساردة الواعدة سارة مدبولي.
ذكريات كثيرة جدا جمعتني بالاستاذ الراحل صالح شرف الدين لا أعرف ماذا يمكنني إن انتقي منها في هذا المقام الحزين. حدثنا عن طفولته في الزمن الناصر، وعن العدوان الإسرائيلي على مدينه في محافظة السويس وكيف واجه مع أسرته ذلك العدوان ، إذ تنقّل مع أسرته بين عدة مدن مصرية نتيجة للظروف السياسية والاجتماعية، حيث عاش في جنوب سيناء، ثم الإسماعيلية، فالشرقية، قبل أن يستقر في القاهرة، التي أقام وعمل حتى وفاته البارحة. حدثنا عن اغترابه في المملكة العربية السعودية في الثمانينيات مدرسا للغة العربية إذ عمل في مجال التعليم لمدة 36 عامًا، شغل خلالها مناصب تعليمية متعددة داخل مصر وخارجها. كانت ذاكرته قوية جدا رحمة الله عليه. اتذكر أنه تلى علينا مقطع من قصيدة الشاعر السعودي الراحل ، عبدالله الزيد عن عدن جاء فيها:

” عدنُ
ليستْ مدينةً فقطْ
بل دمعةٌ خبأتها الصحراء
في منديلِ البحرْ

كانتْ إذا ابتسمتْ
تنامُ السفنُ على خاصرتها
وتحلمُ المرافئُ بالضوء

عدنُ…
قِصّةٌ لم تنتهِ
منذ أن باعوا الغيمَ في مزادِ الوطنْ
ومنذ أن صارَ الحنينُ
يمرُّ عبرَ الحواجزِ… بلا جوازْ

في وجهِها
رأيتُ خيولَ العربِ القديمة
تنامُ… واقفةً
وترضعُ من شقوقِ الجدرانْ

يا عدنُ،
ما زال فيكِ
شِبهُ حلمٍ
رغمَ كلِّ الخذلانْ”

رغم مغادرتي القاهرة إلا انني ظللت على تواصل معه عبر الفضاء الافتراضي. صادم نباء رحيله ولا اعتراض على قضاء الله وقدره ولا يسعني في هذا لمقام الحزين لا التعبير عن عميق عزائي ومواساتي لعائلته الكريمة ومحبيه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
رحمة الله عليه، توفي بعد مسيرة حافلة بالعطاء الأدبي والثقافي عن عمر يناهز 68 عامًا…

ضع اعلانك هنا