ضع اعلانك هنا

عزاء

رشيد سيف

لا أكتب الرثاء كثيرا، ليس لأني لا أحب ذلك بل لأني مدرك أن الكتابة لا جدوى منها بالنسبة لمن غادروا، ولكن هذه المرة رأيت أنه من الواجب الكتابة عن الشيخ عبد الهادي الصوفي. الشيخ الذي يحبه الناس. ولو تأملنا سنجد أن محبة الناس لشيخ ما لن تكون إلا من أجل غايتي المال والسلطة في الغالب، ولكن أن يحب الناس شيخا لطيبته ونبله وحضوره بينهم، هذا الذي يستحق الكتابة عنه.

لا أعرف الشيخ عن قرب ولست على ارتباط به ولا يوجد أي رابط كي أكتب عنه إلا أنه رجل تمتع بقدر كبير من المسؤولية الاجتماعية والضمير القبلي والمدني المسؤول، ولن يجرؤ أحد على إنكار تواجده في مختلف القضايا، بدافع الإنسانية والمحبة لا الشهرة والكسب.

الشيخ عبد الهادي، ذاع صيته في المنطقة ككل ليس لأن عشرات الأطقم وحشود من الرجال المسلحين يمضون خلفه، وليس لأنه نافذ وباسط وبلطجي بل ذاع صيته بإنسانيته وحضوره القوي كلما أحتاجه الناس في مختلف شؤون حياتهم. نعم، ذاع لأنه يتمتع بمسؤولية عالية هدفها سد الفجوات والثغرات التي يعيشها الناس بين الحين والآخر في المنطقة.

درست الثانوية مع صديقي محمد عبد الهادي الصوفي، خلال ثلاث سنوات وحتى اليوم لم أشعر أني رفقة ابن شيخ ولا أحسست بشيء يوحي بالتعالي والعنجهية، مقارنة بمن آباؤهم وجهاء وأكابر وغيره، وهذا كله يقود لشيء وحيد هو أن الثبات دوما في الأصل وهذه العائلة أصلها ثابت، لم يكن الراحل عبد الهادي شيخ لأنه يمتلك مصدر القوة أو لأنه استغل الأوضاع كما فعل الكثير من الأقزام اليوم بل كان شيخا لأن الأصل هكذا، كبر وكبرت معه القيم والأخلاق والمسؤولية والضمير، لذا الناس أحسوا بثقل المغادرة، بهزيمة الرحيل الهادئ الذي خلق وعاش ومات به الشيخ عبد الهادي، وسيكون الغد أثقل وأوجع.

ومن الملاحظ خلال سنوات الحرب الأخيرة، برز شيوخ كثر، جميعهم بلا استثناء، خدموا أنفسهم ومن حولهم فقط، هؤلاء جميعهم بلا استثناء مجددا، خذلوا الحجرية والحمادي والجبزي والشدادي وقضايا الناس وأولوياتهم في المنطقة. عجز هؤلاء الحمقى جميعهم عن الثبات وعن الالتزام الوطني الحر والخلاق وعجزوا عن الانحياز لقضايا الناس وهمومهم كما فعل الشيخ عبد الهادي وقلة من المشايخ معه.

طيلة هذه السنوات لم أسمع أن الشيخ الصوفي انتهك حقا أو تسلط على أحد، والحقيقة أن الناس تفضح دوما حينما تمتلك السلطة والقوة، نعم، القوة تعري الناس وتفضحهم. في الغالب كل البشر طيبون وأنقياء في حالة الضعف ولكن أن تحضر الطيبة والنبل في مواضع القوة فهذا يحدث بالنادر وكل ألف سنة، كما هو الحال بالنسبة للشيخ الصوفي، وفي اعتقادي أن ذلك ليس له علاقة بالقوة أو المال بل في الأصل، كل إنسان يمثل أصله، والشيخ الصوفي امتدادا لتاريخ طويل من الرجولة، والشهامة، والكرم، والإنسانية.وأخيرا…

لحد ما لا تزل المعافر والحجرية بشكل عام والجبزية بشكل خاص بخير مقارنة ببقية المناطق في تعز، وخاصة من الناحية القبلية، وذلك لأن الشيخ الصوفي وقلة من الوجهاء في المنطقة معه حافظوا على النضج القبلي وشجعوا العدالة والقانون، وفي المقابل رفضوا ظواهر الحرب ولا يزال الرفض حاضر حتى اليوم ونأمل أن لا يغيب.

رحم الله الشيخ عبد الهادي والعزاء لصديقي محمد عبد الهادي والأصدقاء وللجميع.

ضع اعلانك هنا