قادري أحمد حيدر
ما يؤلم الشجرة ليس الفأس، ما يؤلمها حقًّا، أن يد “الفأس” من “خشبها” (حكمة).
وهذا القول/ الحكمة، يوجز ويلخص بعمق ظاهرة “العدو الداخلي” بأحسن ما يكون من التعبير والوصف، يصبح معها “العدو الخارجي” من النوافل/ التوابع، لأنّ من أوجده في أرضنا/ شجرنا، ومائنا ودمائنا، هو يد “العدو الداخلي”، التي تقتلنا مرتين:
مرة بيدها، والثانية، بيد غيرها، وبهذا المعنى فــ”العدو الخارجي” نتيجة وليس سببًا، ولكنهما معًا، يكرسان ويجسدان روحية التدمير للعمران وللحياة في الأرض وفي الإنسان.
إن التاريخ اليمني القديم -بل والتاريخ السياسي العالمي- يعلمنا أن الوحدة الداخلية وتماسك الجبهة السياسية (بين القبائل المختلفة في الشمال والجنوب تاريخيًّا)، هي أساس قوة الممالك والدول اليمنية القديمة، وأساس نهضتها وعمرانها، ولم يدخل إلينا -إلى بلادنا- (الأحباش) و(الفرس) إلا حين تفككت وحدتنا الداخلية، حينها ظهر ما يمكننا تسميته بــ”العدوان الخارجي”؛ أي إن المشكلة هي في غياب الوحدة السياسية والوطنية الداخلية، وهي النافذة والثغرة التي تسلل منها تاريخيًّا (الأحباش) و(الفرس)، إلى داخلنا، وإن كان للصراع المسيحي/ اليهودي دورٌ في ذلك، ولكنه يبقى دورًا محدودًا (ثانويًّا)؛ لأن جذر المشكلة السياسي كان في بدايات ضعف الدول والممالك اليمنية، انقسامها، وتفككها وتغليبها صراعاتها الداخلية (الذاتية) على الصراع مع العدو الخارجي، أو عدم التنبه إلى خطورته على داخلنا. ذلك أنّ القوة الحقيقية التي مكنت أبرهة –وغيره- من الثبات هي قوة يمنية انقسمت على ذاتها بالدرجة الأولى، وهو السبب الأساس دون شك.
أي إن ضعف الداخل فينا هو الذي فتح شهية أطماع الخارج للتوسع على حساب أرضنا، بل وإلى التحكم فينا.
ففي المرحلة الإمامية (العصور الوسطى الإسلامية)، تقول لنا حقائق وقائع التاريخ، كيف تعاون أئمةٌ كبار مع الأيوبيين، أو هادنَهم، بعضهم ضد بعض، وضد بعض الدول اليمنية القوية، وكيف تحالف الإمام يحيى شرف الدين، مع المماليك ضد الدولة الطاهرية، وكيف تحالف ابنه المطهر، ضد والده وإخوته، واستقدم العثمانيين، وكذلك تعاون بعض أشراف تهامة الذي من خلالهم سيطروا على المدن التهامية، وهو ما يشير إليه سيد مصطفى سالم في كتابه “الفتح العثماني الأول”، (ص386)، وكذلك النجاحيون، وهو ما يوضح جدل العدوان الداخلي بالخارجي، وكيف حوربت المُطرّفية –قبل ذلك- وقُتلت واستبيحت وسبيت بسبب موقفها السياسي الرافض من مهادنة الأيوبيين وعدم مقاومتهم عسكريًّا في اللحظة المناسبة –طبعًا إلى جانب عوامل ودوافع أخرى– وكذلك كيف استدعى الأئمة لأكثر من مرة العثمانيين لاحتلال اليمن نصرةً لبعضهم ضد البعض الآخر، من أجل السلطة السياسية الخاصة بهذا الداعي وذلك الإمام، فحفروا أسماءهم في التاريخ السياسي اليمني كمنتجين لظاهرة “العدو الخارجي” في مقابل “العدو الداخلي”، الذي كانوا اسمه وصورته وعنوانه في التاريخ السياسي اليمني، من القديم (الظاهرة اليَزَنيّة)، إلى الإسلامي، إلى الحديث حتى التاريخ المعاصر.
فالتاريخ السياسي اليمني والعربي والعالمي يقول لنا ذلك، فلم تبرز الأطماع التوسعية البيزنطية والفارسية على بلادنا، إلا حين تحول الخارج “العدو” إلى صديق، وإلى مُحكَّم وحكم وحاكم في نفس الوقت إلا بعد تفكك وحدتنا السياسية الداخلية، حتى وصولنا –مع الأسف، وهو ذروة الهزيمة الذاتية- لرؤية الأعداء الطامعين في أرضنا وثرواتنا إلى أنّهم مخلصون لنا، في صورة استدعاء بعضنا لهم في أكثر من مرحلة، وهو دليل ضعفنا وتشرذمنا، وانحطاطنا السياسي والاجتماعي والوطني، حتى توهمنا -بعضنا- بأنه يمكنهم الجمع بين صداقة العدوين: الفرس والروم، كما كان في الماضي، وصداقة “الأعداء” الجدد في صورة: إيران والسعودية والإمارات، على حساب كرامتنا وحريتنا وسيادتنا على أرضنا.
من ينظر إلى صورة المشهد السياسي الجاري في بلادنا لن يرى سوى واقعٍ سياسيٍّ اجتماعيٍّ اقتصاديٍّ كابوسيّ هو إلى اللامعقول و”الفنتازيا” أقرب، واقع يقول إن الداخل/ الحاكم، تحول إلى “عدو” لشعبه، واستقدم بعدوانه على داخلنا “العدوان الخارجي” الذي وصلت قدراته –اليوم- حد التحكم بلقمة عيشنا ومصادر رزقنا، وتجميد ثرواتنا وفي تعويق تنمية بلادنا (مطاراتنا وموانئنا) عند حدود خدمة مصالحه السياسية والاقتصادية المباشرة، ذلك أن الطغاة في التاريخ هم من يستقدمون الغزاة.
إنّ الحالة اليمنية المعاصرة تذكرنا بظاهرة “المثامنة” في التاريخ السياسي اليمني القديم، مع الفارق السياسي الإيجابي لصالح “المثامنة”، في التاريخ اليمني القديم، على الأقل أنهم كانوا يعكسون حالة التشتت السياسي والوطني –في ذلك الحين- ولكنهم رغم ذلك التشتت، كانوا هم من يقررون ويحددون من يحكمنا/ يحكمهم، أي هم من كانوا ينصبون الملوك، ومن يدافعون عن سيادة الوطن، “حدود الدولة”، أما اليوم فمن يحدد ويعين الرئيس/ والمجلس الرئاسي فهو الكفيل “العدو” القادم من الخارج، وتنحصر كل مهمة “المجلس الرئاسي الانتقالي”، في تنفيذ مشيئة “العدو الخارجي”! وهنا تكمن المفارقة التاريخية الكارثية والمأساوية.
كان “المثامنة” في عهد الدولة السبئية مستشارين للحاكم مثلهم مثل “الملأ”، الذين كانوا مستشارين للملكة بلقيس وذكروا في القرآن الكريم، وأيضًا “المُسود” الذي كان يعتبر المجلس الاستشاري للملك السبئي، وقد كان لهم دور في التوحد السياسي الداخلي ضد العدوان الخارجي كالحملة الرومانية على اليمن عام 24 ق.م.
إنّ ظاهرة “المثامنة” في التاريخ السياسي اليمني القديم ومع أواخر الدولة الحميرية وقبلها، كان تعبيرًا عن بداية أفول الدولة المركزية اليمنية القديمة، ضعفها وتفككها، أما “مثامنة” اليوم في الشمال والجنوب، فهم جزء مكون من منظومة “العدو الخارجي”: من سياساته ومصالحه، ولا يُعرفون، ولا يَعرفون إلا به ومن خلاله، حتى صارت الحدود والفواصل بين “العدو الخارجي”، و”الداخلي” تكاد لا يرى منها إلا طغيان صورة “العدو الخارجي”.
إنّ أصدق وصف وتعبير عن الحالة السياسية اليمنية الراهنة (شمالًا وجنوبًا)، هو أننا تابعون للخارج، ومهمشون (مذلون ومهانون)، نعيش أزمة مركبة ومعقدة: أزمة فقدان للذات، وللهوية وللإرادة، أزمة في الرؤية، أزمة في الموقف، أزمة في الحكم، وفي بناء الدولة.
حين تراجعت ظاهرة الملك، لصالح ظاهرة “المثامنة” (الأقيال، والأذواء)، وفي حدود معينة ونسبية وهي –في تقديري– حالة وظاهرة أرقى وأنبل وأشرف مما هو سائد وقائم اليوم، حينها بدأ الإعلان الرسمي عن ضعف وتفكك الدول/ الممالك اليمنية القديمة، وليس انهيار سد مأرب سوى عنوانٍ عارضٍ لذلك المعنى من تراجع وأفول الدول/ الممالك، بعد أن تراجع دورها في خدمة مجتمعاتها المحلية، وفي حمايتها، فكان انهيار سد مأرب، وتراجع ظاهرة بناء السدود، والعمران عامة، وليس مهمًا هنا مناقشة، كم عدد” المثامنة”، (٨) أو (٧) أو (١٢)؛ لأنّ جذر المشكلة سياسي اقتصادي اجتماعي داخلي، الخارج استثمر اللحظة سياسيًّا -لاحقًا- حتى النهاية لصالحه.
إنّ “المثامنة”، في التاريخ السياسي مع ضعف وتفكك الدول، كانوا عبارة عن جملة اعتراضية قصيرة في سيرة الحكم والملك في تاريخ اليمن القديم، سيرة محدودة زمنيًّا ومكانيًّا، ولها ما يبررها ويفسرها تاريخيًّا مع بقاء دور سياسي للملوك في صورة قوة حضور بقايا إرث الدولة المركزية في الواقع، وفي التاريخ؛ لأنّ الإحساس بالواقع والإحساس بالتاريخ كانا في أقوى صور تعبيرهما عن نفسيهما.
إنّ ظاهرة “المثامنة”، حسب رأي د. محمد عبدالقادر بافقيه، هي تعبير عن وضع “تتجلى فيه العلاقة القلقة بين الأقيال والملوك”، كتاب “في العربية السعيدة”، ص ١٣٠.
ومع ذلك كان إحساس “المثامنة” بالذات، وبالواقع، وبالتاريخ، في مستوى الاستجابة لتحديات العدوان الخارجي، ولو في حدوده الدنيا.
أي إننا اليوم ونحن على مشارف الانتهاء من النصف الأول من العقد الثالث، من الألفية الثالثة، وحديث العالم عن الديمقراطية والانتخابات والدولة المدنية الحديثة (دولة المواطنة)، والتعددية والأحزاب، والعولمة الإنسانية المنشودة، فلا مجال أمامنا لتفسير ما يحصل لليمن واليمنيين، سوى أننا فقدنا الإرادة، فقدنا بوصلة الرؤية، وصرنا مرتهنين للخارج بالمطلق “العدو الخارجي”، وهو ما يستدعي حديثًا جديًّا ومختلفًا حول معنى ومفهوم “العدو الخارجي” و”العدو الداخلي” الذي أسماه بعض كتاب أمريكا اللاتينية بـ”الاستعمار الداخلي”، وسمى ذلك المفكر مالك بن نبي بــ”القابلية للاستعمار” دون تجاهل، أو إنكار وتقليل من دور مكانة الظاهرة الاستعمارية الوحشية في التاريخ، وفي ظهورها وبروزها “كعدوان خارجي” والاستعمار العولمي الجديد “الرأسمالية المتوحشة”، أحد برز عناوينه الماثلة أمامنا اليوم.
إنّ أصدق وصف وتعبير عن الحالة السياسية اليمنية الراهنة (شمالًا وجنوبًا)، هو أننا تابعون للخارج، ومهمشون (مذلون ومهانون)، نعيش أزمة مركبة ومعقدة: أزمة فقدان للذات، وللهوية وللإرادة، أزمة في الرؤية، أزمة في الموقف، أزمة في الحكم، وفي بناء الدولة.
وفي وضع مأساوي كهذا لا يمكننا الحديث عن “مقاومة العدوان”، ولا عن “استعادة الدولة”، ولا عن أي شكل من أشكال “تقرير المصير” هي فقط شعارات للاستهلال السياسي المحلي، لإلهاء الناس عن حقيقة ما يجري من تفكيك وتدمير ونهب للبلاد، شعبًا وأرضًا وثروة!
أفهم وأدرك أنني حين أصف أو أقارن “المجلس الرئاسي” المعين من الخارج بــ: ظاهرة “المثامنة” في تاريخ اليمن القديم (فترة بداية ضعف الدولة المركزية لصالح الأطراف)، فيه ظلم سياسي فادح لــ”المثامنة” –فعلى الأقل- “المثامنة” في العهد الحميري كان لهم دور في الوصول إلى شمال الجزيرة العربية وبسط نفوذهم، بدليل النقوش، مثل نقشي: RT508، 509، أما اليوم ومع “المجلس الرئاسي”، فإن الخارج القديم (الحجاز/ مكة)، هو من يتحكم اليوم بداخلنا، ولذلك أرى وأقول إن المقارنة بين “مثامنة” الأمس، و”مثامنة” اليوم، هي مقاربة لا تاريخية، ذلك أن “المثامنة” القدامى كانوا كبارًا، كانوا سادة أنفسهم، كانوا قوة سياسية يمنية داخلية، قوة سياسية حرة ومستقلة فرضت نفسها كقوة سلطة وحكم على الداخل (الملوك)، وفي مواجهة العدوان الخارجي، بهذه الصورة أو تلك، وكأن “المثامنة” تعبير عن حالة من الموازنة بين الملوك، والأذواء والأقيال، في واقع ضعف الدولة المركزية، أما مثامنة اليوم “المجلس الرئاسي” فهم المفرط الأول والأكبر والأعظم بالسيادة الوطنية، وبتغييب الدولة، لصالح الميليشيات، بأمر من “العدو الخارجي”؛ لأن ما يحصل اليوم في بلادنا هو حلول القوة، والقوى الاحتلالية “العدوان الخارجي” في تسمياته المختلفة، وبدرجات متفاوتةـ بديلًا عن الدولة وعن الحاكم اليمني، كلية، وبالمطلق، وتسمية المثامنة هنا آتية من العدد (الرقم) ثمانية لأعضاء المجلس الرئاسي، وليس نسبة أو مقارنة بـــ: ظاهرة “المثامنة” التاريخية، وبهذا المعنى فإن “مثامنة/ المجلس الرئاسي الانتقالي”، ليسوا أكثر من أدوات عدوان على الداخل يستكمل بهم “العدوان الخارجي” سيطرته وتحكمه وهيمنته على داخلنا السياسي والوطني في الشمال والجنوب، “مثامنة” هم أقرب إلى الأدلاء للخارج لاستعمارنا، صورة معاصرة “للسميفع أشوع”، و”لأبي رغال”، ولمن نسميهم اليوم بالمخبرين والجواسيس، بعد أن انتقل العميل من السياسة في مراتبها الدنيا والوسطى، إلى درجة الرئاسة العليا “رئيس الدولة”!
إنّ ظاهرة “المثامنة الجدد” في صورة “المجلس الرئاسي” من ثمانية أفراد ولا يجمع بينهم جامع (شتات متناقض)، والمعين بالكامل من الخارج، هو حقًّا “مجلس أزمة”، يعيش حالة ذاتية تناقضية بعضه مع بعض، ومع الواقع، “مجلس أزمة” وجد ليدير أزمة أكبر منه، فوق طاقته، وغير مؤهل لحلها، والنتيجة استدامة الصراع والحرب، لصالح أمراء وتجار الحروب في الداخل والخارج.
وضع سياسي اجتماعي اقتصادي متشرذم ومنقسم على نفسه، حتى حول أبسط الأمور الخدمية: الكهرباء والماء، والصحة، فضلًا عن المرتبات للجيش وللشرطة وللجهاز المدني، وفي وضع مأساوي كهذا لا يمكننا الحديث عن “مقاومة العدوان”، ولا عن “استعادة الدولة”، ولا عن أي شكل من أشكال “تقرير المصير”، هي فقط شعارات للاستهلال السياسي المحلي، لإلهاء الناس عن حقيقة ما يجري من تفكيك وتدمير ونهب للبلاد، شعبًا وأرضًا وثروة!
إنّ مفهوم “العدوان الخارجي” الذي ترفعه الجماعة الحوثية “أنصار الله”، شعار يذكرنا اليوم بمفهوم “العدوان الخارجي” الذي كان يطرح من قبل الأمراء والسلاطين في فترة أفول الدولة العربية الإسلامية (فترة ابن خلدون، وما بعدها)، الذي كان يشير أو يؤرخ لسقوط تلك الدولة، حيث مفهوم “العدوان الخارجي” عندهم غدا مفهومًا مراوحًا ومواربًا ومراوغًا ينحصر فيه “العدوان” في صورة عدوان على “ملكهم الخاص” أو “حقهم الإلهي”، كحالنا مع البعض اليوم، حيث لا يشير مفهوم العدوان إلى المعنى الواسع والعميق لمفهوم العدوان الذي يطال كل الكيان السياسي والثقافي والحضاري لكل اليمنيين، ولكل البلاد، حيث نرى العدوان في صورة ما يجري اليوم وكما نفهمه، إنما هو ذلك العدوان الجاري على كل الأرض اليمنية، من الشمال إلى الجنوب، عدوان شامل يستهدف تفكيك وتقسيم وتدمير ونهب كل اليمن: الشعب، والتراث والأرض، والاقتصاد والدولة بل وحتى التاريخ، هو عدوان “خارجي” و”داخلي” على كل الأرض اليمنية، وعلى المدن اليمنية: صنعاء وعدن وحضرموت وسقطرى، وتعز وأبين وشبوة وإب والحديدة والمهرة… إلخ.
لقد تحول شعار “مقاومة العدوان الخارجي” إلى شماعة لمصادرة الراتب، ولتجويع وإفقار الناس، ولتوسيع نطاق الجبايات التي طالت كل شيء في تفاصيل حياة الناس اليومية، بمن فيهم أصحاب “البسطات الصغيرة” في حواري الشوارع الفرعية “البطالة المقنعة، فباسم “مقاومة العدوان” يتم مصادرة الحريات العامة والخاصة، وقمع حرية الرأي والتعبير، والمزيد من اضطهاد المرأة وتهميشها “تديين السياسة، وتسيس الدين”،… وضع يتساوى معه وفيه “العدوان الداخلي” و”الخارجي” فقد معه شعار “مقاومة العدوان الخارجي” معناه، وتحول إلى غطاء لتبرير وشرعنة “العدوان الداخلي” وهو أبشع وأقسى أنواع الظلم، والمفارقة “التراجوكوميدية”، أننا نقرأ ونسمع، بل ونعيش وقائع “عدوان خارجي” لا يوحد الجبهة السياسية والوطنية الداخلية، بل يمعن في تفتيتها وتمزيقها أكثر فأكثر مع أنّ ظاهرة وحالة “العدوان الخارجي” غالبًا، بل ودائمًا ما كان هو القابلة والقاطرة والحاضنة التي تجمع وتوحد الداخل ضد العدوان الخارجي، إلّا مع شعار “العدوان الخارجي”، الذي ترفعه الجماعة الحوثية “أنصار الله” الذي تحول إلى عامل تعويق لبناء الدولة، ولتمزيق النسيج الاجتماعي والثقافي والوطني أكثر فأكثر حتى أنّ قطاعًا واسعًا من المجتمع المغيب والمغترب عن الذات وعن الواقع وعن الفكر، لا يراه كعدوان، بل ويرحب به –مع الأسف– قائلًا: “شكرًا سلمان” و”أهلًا أولاد زايد” بل وترفع صورهما وأعلامهما الوطنية على المباني الرسمية السيادية اليمنية! بمثل ما ترفع أعلام إيران وصور الخميني وخامنئي، وقاسم سليماني!
ماذا سنقول لأولادنا وأحفادنا من بعدنا، وبأي وجه سنقابل التاريخ الآتي الذي نخجل، مقدمًا، مما سيقوله ويكتبه عنا غدًا. سندخل ذاكرة التاريخ، كعنوان للتفاهة وللفساد السياسي والانحطاط الأخلاقي والوطني.
ورحم الله، الأستاذ والمناضل، الفقيد والصديق، عمر الجاوي، أحد أهم أبطال فك الحصار عن صنعاء، فقد كتب قائلًا قبل خمسين سنة: حول ظاهرة “العدوان الخارجي”، التالي:
“وكان الحصار من ضمن المصائب التي جمعت الوطنيين اليمنيين لتفادي المهانة والمذلة التي أريد بها فرض “الملكية”، على شعبنا اليمني البطل”، (كتاب/ حصار صنعاء)، ص ٣و٤. فكانت مقاومتنا الموحدة للعدوان الخارجي، وانتصارنا في السبعين يومًا.
تمر عليّ أيام كثيرة أخجل فيها من نفسي، وأتمنى فيها لو أنني لم أوجد وأعش إلى مثل هذه الأيام الكابوسية.
الله ما أقسى ما يجري علينا اليوم، في صورة ما نسمع وما نرى، في الشمال والجنوب من غرائب وعجائب وفجائع، هي فوق قدرة العقل على تصورها، وفوق قدرة الروح على احتمالها.
ماذا سنقول لأولادنا وأحفادنا من بعدنا، وبأي وجه سنقابل التاريخ الآتي الذي نخجل مقدمًا، مما سيقوله ويكتبه عنا غدًا، سندخل ذاكرة التاريخ، كعنوان للتفاهة وللفساد السياسي والانحطاط الأخلاقي والوطني.
•••
قادري أحمد حيدر
باحث وكاتب. مدير تحرير مجلة دراسات يمنية. له 13 مؤلفاً في قضايا الفكر والثقافة والسياسة.
المادة خاص بمنصة خيوط