ضع اعلانك هنا

تتحدى الإعاقة وبدعم من الدها.. «أسماء محمد».. أقصر طبيبة في اليمن!

ضيف الله الصوفي

“سأكون أقصر طبيبة في اليمن”.. بهذه العبارة، تلخص العشرينية أسماء محمد الحسامي، قصة فتاة تنتمي لفئة هي الأقل حظًا في اليمن، «ذوي الاحتياجات»؛ لكن وبفعل التنشئة الأسرية، تمكنت الشابة من تجاوز صعوبات الإعاقة، التي لم تستطع الوقوف حائلًا أمام تحقيقها حلم إكمال دراستها الجامعية، ففي العام 2015، حجزت لنفسها مقعدًا في كلية الطب البشري، لتصبح اليوم أقصر طبيبة في اليمن، وربما في العالم أجمع، كما تقول.

ولدت أسماء، في مديرية شرعب الرونة، غرب محافظة تعز، وهناك تلقت الفتاة، تعليمها الأساسي والثانوي.. تتحدث لمنصتي 30، “في قريتي الأم، «بني حسام» درست مرحلتي التعليم الابتدائي والثانوي، في مدارس عادية، نظرًا لعدم وجود مراكز تعليمية خاصة بذوي الإعاقة”. وتضيف: “منذ الصف الأول وحتى ثالث ثانوي، يأتي ترتيبي الأولى على مستوى الدفعة”.

خلال سنوات التنشئة، كانت والدة «أسماء» تعينها على الذهاب إلى المدرسة، وقطع الطرق الشاقة والوعرة، وعادة ما كانت تحمل طفلتها على ظهرها، ذهابًا وإيابًا.. تؤكد الحسامي: “أمي لها دور كبير في مساعدتي، والأخذ بيدي خصوصًا في مرحلة الطفولة.. أحياناً كنت أواجه صعوبة في السير بمفردي، لذا كانت تلجأ إلى حملي في كثير من المرات”. تهز رأسها قائلة بحزن، “بعد وفاتها، شعرت بالوحدة” مشيرة إلى أنها صارت تعتمد كثيرًا على والدها «محمد الحسامي».

حظيت هذه الشابة، بقدر كبير من الدعم النفسي والمعنوي، من قبل والدها -ينتمي إلى ذات الفئة- والذي غادر القرية، عقب انتهاء ابنته من الثانوية، نزولًا عند رغبتها في الالتحاق بالتعليم الجامعي، وإيمانًا منه بأحقية حصول المرأة على حقها في التعلم، وثقته بقدرات أسماء، التي تؤهلها أن تكون طبيبة ناجحة.

التحدي والإرادة
اختارت الطب، تبعًا لأنه مهنة إنسانية من الدرجة الأولى، حد تعبيرها، ففي منتصف العقد الماضي بدأت الشابة دراسة التخصص في جامعة صنعاء الحكومية، لتتخرج بعد سنوات سبع، بدرجة طبيب عام، إضافة إلى أنها تحلم بالاستقلالية، وافتتاح عيادتها الخاصة، بجانب مواصلة دراستها العليا، كي تصبح يومًا ما استشارية جلدية، وذلك الهدف الذي تسعى إليه.

توضح لمنصتي 30، “ما زلت في بداية المرحلة، وقد تكيفت مع مهنة الطب أثناء الدراسة التطبيقية في المستشفيات.. أحلم أن أمتلك عيادة خاصة إذا توفرت الإمكانيات، كما أحلم بالحصول على منحة خارجية تساعدني على تخصص الجلدية، حتى أصبح استشارية أمراض جلدية”.

والد داعم
وتتابع قائلة باعتزاز: “في حياتي الجامعية، وقفت أمامي مشكلة بعض المصطلحات الطبية المعقدة، كنت أجد صعوبة في ترجمتها، لكن والدي أسندني كثيرًا، وتكفل بترجمة العديد من الأشياء، يبحث في القاموس، يفتش بين المراجع، يبذل جهد من أجل مساعدتي.. لقد كان الرجل الأول في حياتي، يبادر لمساندتي، وما زال إلى اليوم يقدم لي الكثير من الدعم والمساندة”.






يحضر «محمد الحسامي» والد أسماء في كثير من المواقف التي تثبت إيجابية الذكور، وتوضح مدى عزيمة هذا الرجل، الذي لا يتوقف عن التشجيع وتقديم الدعم وتحفيز ابنته معنويًا.. “في أيام الامتحانات، يتصل لي قبل دقائق من بدء الامتحان، من أجل رفع معنوياتي.. وبمجرد مغادرتي قاعة الامتحان، يهاتفني سائلًا عن حالي، وغيرها كثير من المواقف البسيطة التي تركت في نفسي أثرًا كبيرًا”.

تجاوز
كثيرة هي الصعوبات التي لاقتها الطبيبة، خلال فترة دراستها الجامعية، وما زالت تشكو من صعوبة التنقل والمواصلات، نظرًا لبعد المسافات بين المنزل والجامعة، وكذلك المستشفيات.

تؤكد: “واجهتني صعوبات متعددة، أولها كانت المواصلات، خاصة أن الجامعة في مكان والمستشفيات في أماكن ثانية.. الصعوبات الأخرى كانت في السير، إذ أعاني من خلع بمفصل الورك وأحتاج إلى عملية تبديل بمفاصل صناعية”.

وتشير في حديثها: “أخي عمر، ساعدني بداية التحاقي بجامعة صنعاء، وكان لي السند والقوة، لكنه توفي.. بعدها اعتمدت في مسألة التنقل على ابن عمي، الذي له دور في تعريفي بشوارع صنعاء.. حاليًا أعتمد على نفسي، وأتنقل بمفردي”.

إلى جانب ذلك، تعرضت أسماء لكثير من الانتقادات، بسبب التحاقها بكلية الطب، حيث اعتبرها البعض أنها غير قادرة على الدراسة أو العمل في هذا المجال، لكن يبدو أنها اعتادت اثبات نجاحها بهدوء، وتتابع: “هناك مواقف، جمعتني بالدكاترة والزملاء، كانوا كثيرًا ما يتساءلون عن كيفية تحملي دراسة الطب بالرغم من صعوبة التخصص، ومتاعب المهنة والمناوبة؛ لكن بالتحدي والإرادة تجاوزت كل الصعوبات والمعوقات”.

تفيد في حديثها، بأنها تجاوزت في غالبية الأوقات، التنمر الذي تعرضت له أثناء مسيرتها التعليمية، وذلك بفعل العزيمة التي استلهمتها من شخصية والدها «محمد الحسامي».

تستطرد الطبيبة قائلة: “والدي ساهم في تجاوزي لمرحلة التنمر التي تعرضت لها أثناء دراستي سواء الثانوية أو الجامعية، وعمل على دعمي معنويًا، وتأهيل نفسيتي من جديد.. الأب عند احتضان واحتواء ابنته، فإنه يساعدها على تجاوز الكثير من المشكلات.. نصيحتي للمتنمرين في المجتمع أن يتركوا هذا السلوك السيء، لأنه ينعكس سلبًا على الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة”.

لم تؤثر هذه الضغوطات على الطبيبة أسماء، بل كانت دافعًا لها لأن تتسلح بالإرادة، التي مكنتها من تخطي حاجز الخوف والقلق، والتغلب على نظرة المجتمع، التي تصفها بالنمطية والابتذال.

القبول والاندماج
اليوم يبدو أن الحسامي، باتت تحظى بقبول لدى الآخرين، خصوصًا بعدما رأى المجتمع، ولامس الجميع نجاحات هذه الشابة، رغم ظروفها المادية الصعبة، والمعوقات التي واجهتها بكل ثقة وتحدي، فضلًا عن أنها صارت ملهمة لغيرها من الطلاب، في مختلف الفئات والمراحل.

تشير الطبيبة إلى أنها ساعدت عشرات الطلاب، من الجنسين، على مواصلة تعليمهم، خاصة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، كما تحاول إرشاد الجامعيين، وتحفيزهم على بذل الجهود والطاقات، في سبيل التميز والوصول إلى الهدف، مؤكدة أهمية الاندماج بالمجتمع، وبناء وتشكيل علاقات مجتمعية، قد تساعد أبناء هذه الشريحة في قادم الأيام.

وبقدر ما تؤمن أسماء بقدرات الأشخاص ذوي الاحتياجات، بالقدر نفسه تطالب المجتمع بالابتعاد عن النظرة الدونية، التي تتصف بالشفقة، والاستنقاص، داعية الدولة والناس إلى توفير مساحة آمنة تناسب الفرد، وتتيح له التحرك دون خوف.

ضع اعلانك هنا