جابر الغزير
تخطئ كثير من مراكز الدراسات الاجنبية والباحثون فيها– اما تعمدا او من غير قصد– في فهم طبيعة الصراع الدائر في اليمن بين جماعة مسلحة هي (الحوثيين) التيانقلبت على السلطة الشرعية بقوة السلاح وبدعم ايراني وبين الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا.
والمؤسف ما طالعناه مؤخرا من مقالة نشرها معهد بروكينجز بقلم رئيسه جون ألين وبمشاركة بروس ريدل والتي تضمنت كثير من المغالطات وتحريف الحقائق حول مايجري في اليمن من نزاع ومحاولة تصوير السعودية كأنها طرف رئيسي للازمة وحشرها – بسوء نية– والاساءة لولي عهدها ومحاولة الاصطياد لتعكير العلاقة الوطيدةوالثابتة بين السعودية والولايات المتحدة والتي لم تتغير بتغير الإدارات.
وما هو واضح وضوح الشمس والذي حاول كاتبي المقال تجاهله في البدء، هو ان تدخل السعودية والتحالف الذي تقوده في اليمن جاء بناءا على طلب من رئيسها الشرعيوبتفويض من الامم المتحدة والمجتمع الدولي وفقاً لقرار مجلس الأمن ٢٢١٦، الصادر تحت الفصل السابع، والأهم من كل ذلك هو ان التدخل جاء برغبة شعبية، فالشعباليمني وجد نفسه وجها لوجه امام مشروع فارسي دخيل على هويته وعروبته الاصيلة، ما دفعه للاستنجاد باشقائه حتى لا تتحول بلدهم لساحة صراع وورقة يستخدمهانظام الملالي في طهران ضمن مشروعه الإرهابي، وتهديد المجتمع الدولي بالسيطرة على احد اهم ممرات التجارة العالمية في مضيق باب المندب.
من هذا المنطلق يجب ان يكون ذلك المفتاح لفهم لما يدور في اليمن وليس القفز الى ما نتج بعد ذلك من كارثة إنسانية هي الأسوء في العالم، فكل ذلك مجرد اعراضللمشكلة الرئيسية المتمثلة في الانقلاب على السلطة الشرعية من قبل مليشيا الحوثي واشعالها للحرب منذ اواخر العام ٢٠١٤م، كاداة للمشروع الإيراني التخريبي لابتزازالمجتمع الدولي وتمرير اجنداتها في المنطقة، وإيجاد موطئ قدم لها في اليمن مثلما حدث في تكوين مليشيات موالية لها في العراق وسوريا ولبنان.
ولم يكتف التحالف الذي تقوده السعودية بالدعم العسكري للحكومة الشرعية نيابة عن المجتمع الدولي، بل قدمت الإسناد الاقتصادي والإنساني لتخفيف معاناة اليمنيينبمن فيهم في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي المدعومة إيرانياً، والشواهد على ذلك كثيرة سواء عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية او البرنامجالسعودي لتنمية وإعمار اليمن او الودائع في البنك المركزي اليمني لدعم الغملة المحلية والحفاظ على الاقتصاد من الانهيار، إضافة إلى دعم مشاريع وبرامج الأممالمتحدة.
وما انحدر اليه معهد بروكنجر في تصويره للأزمة اليمنية، ينطلق من رؤية عنصرية منحازة لتسويق المشروع الايراني التخريبي، – رغم انه تحدث باستحياء عن الدعم الذيتقدمه طهران للحوثيين ومطامعها ومشروعها–، وهذا لا يمكن فهمه إلا من باب الانحياز الفاضح وغير البريء في شرعنة المليشيات الانقلابية المسلحة وإيجاد مبرر غيرمنطقي لنظام ايران في التمرد على المجتمع الدولي وقراراته الملزمه والتصرف كنظام عصابات وليس دولة تتقيد بالقوانين المنظمة للعمل والعلاقات، واخرها ما حدث فيتهريب سفيرها الى اليمن سراً لمواصلة تحقيق ولاية الفقيه الخمينية بالقوة على الشعب اليمني.
والمؤسف ان يتغافل معهد بروكنجز ان تصدير الحروب لاتولد الا المأسي والأرقام كفيله باثبات ذلك .. ولعل حرب اليمن لم تختارها السعودية بل فرضت عليها للدفاع عننفسها من تلك المليشيات التي لم تراعي في إطلاق صواريخها العشوائية ضد المدنيين الا لاجل تأجيج الصراع واستمراره برغبة إيرانية كما فعلت بابناء الشعب السوريالذي تشرد عبر البحر المتوسط هرباً من الأسلحة الكيماوية وكما فعلت سابقا بابناء الشعب العراقي الذي تهجر قسراً عن وطنه هرباً من مليشيات الفيلق المسلح .
كما ان من المستغرب ان يدافع معهد بروكنجز بشكل غريب لرفض توجه الإدارة الأمريكية لتصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، – مع احترامنا ان هذا القرار شأنداخلي أمريكي–، لكن اذا لم تكن هذه المليشيات التي تهدد الملاحة الدولية وتهاجم السفن التجارية وتقتل المدنيين وتحاصرهم، إرهابية، فما هو الإرهاب من وجهة نظر معهدبروكنجز؟! بل ان كاتبي التقرير ذهبا بعيدا وقدما نصيحة للعالم بالتعامل معهم بشكل مباشر، ضاربا بالقرارات الدولية عرض الحائط ويؤسس سابقة للتمرد عليها، وبهذاالمنطق يمكن لاي جماعة تمتلك السلاح والدعم قيادة انقلاب وشرعنة وجودها!! وهو أمر يدعو للاستغراب.
وعن القول بأنه اذا “تم تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية ، فسيؤدي ذلك أيضًا إلى إعاقة جهود منظمات الإغاثة الإنسانية لإيصال الغذاء والدواء إلى المدنييناليمنيين الذين يعيشون في الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون“، فعلى بروكنجز ان يراجع التقارير الأممية عن المعوقات التي تواجه العمل الاغاثي والإنساني حاليافي مناطق المليشيات الحوثية التي وصفهم احدى التقارير الأممية بانهم” يسرقون الطعام من افواه الجوعى“، فنهب وسرقة المساعدات وعرقلتها مستمرة منذ الانقلاب.
ونخلص إلى القول اننا متفقون جميعا على إنهاء الازمة اليمنية، وذلك ضمن اولويات القيادة السعودية، لكن ليس بالشكل الذي يشرعن للانقلاب الحوثي والمشروعالإيراني،فلن نقبل بان يتحول اليمن عبر مليشيا الحوثي المسلحة بدعم إيراني كامل الى شوكة تغرسها في قلب أرض اليمن لتهدد جيرانها وتهدد أمن الملاحة الدوليةوالمنطقة ، وباختصار طريق الحل لإنهاء الازمة معروفة وواضحة وذلك بتنفيذ المرجعيات الثلاث المتوافق عليها محليا والمؤيدة دوليا.