•• بروفيسور / قاسم المحبشي ..
( أوروبا ؛ من جاءها وهو يعرفها
ليس كمن جاءها وهو يجهلها ) ق.م.
قبل أن ازور منزل كارل ماركس كنت اعتقده مناضلا بروليتاريا من الطبقات المعدمة ( العمال والفلاحين) كما كان التصنيف عندنا في زمن مضى. إذ تم إيقاف طلب ترشيحي لعضوية (الحزب الأشتراكي اليمني ) بسبب تقرير من لجان الدفاع الشعبية إلى الدوائر الاستخبارية اليمنية الديمقراطية؛ صنف أبي برجوازيا صغيرا بسبب امتلاكه سيارة لاندروفر في منتصف سبعينيات القرن الماضي مما اضطرني لتعليق صورة كارل ماركس في جدار منزلي لإثبات ولائي الايديولوجي اشتريت الصورة وعلقتها بحس محاكاة الجموع وليس بوعي عارف وقناعة ذاته…
المهم ظل عندي الاعتقاد المتعاطف مع هذا المفكر الالماني الثوري الذي قلب العالم رأسا على عقب! حينما أخبرني صديقي العزيز الدكتور حسين جعفر السقاف بأنه سوف يصطحبني إلى مدينة سبق وأن عرفتها في زمن مضى إذ قال ليلتها: “لن أخبرك ما اسمها .. دعها مفاجأة” ..
تلك كانت خلاصة المكالمة مع الدكتور حسين قبل شهرين ومأجملها من مفاجأة. كانت حقا وفعلا سارة حد الدهشة.عشر ساعات قطعناها بسيارة باش مهندس البروج العالي حتى وصلنا مقصدنا وهناك كانت المفاجأة التي انتظرتها منذ أربعين سنة. هنا عرفت إن الجغرافيا تزودك بخريطة طبيعية للأرض ومعالمها بينما التاريخ يزودك بخريطة ذهنية فكرية للمعالم الأرضية والأفعال البشرية.وهذا ما سوف نتوقف عنده في قادم الأيام…
ليلتها سعدت بذلك النبأ العظيم ولكنني لم أتخيل أبدا أنها مدينة كارل ماركس الذي كنت اعتقده منتميا إلى العمال والفلاحين فإذا بي اتفاجأ بانه كان ارستقراطيا ومنزله يتوسط مدينة تيرير الشهيرة بزراعة الكروم؛ منزل تبلغ مساحته أكثر من 1000 متر مربع من أربعة أدوار وحوش واسعة تم تحويله إلى أهم متحف سياحي في المدينة. كانت زيارة مذهلة بقدر ما فيها من معرفة وتغذية راجعة ومشاهد سياحية يستحيل رؤيتها في أي مكان أخر في العالم..
على مدى ساعتين تجولنا في متحف ماركس
الكائن في قلب المدينة. هو بيت والده الذي كان محاميا ومالكا لمزارع الكروم. متحف يحتوى على كل ما تركه ماركس من أثاث وكتب ومخطوطات . تجولنا لمدة ساعة ونصف في ارجاء المتحف المكتظ بالزوار من جميع انحاء العالم. استوقفتني الخريطة التي اشتملت على امتدد وتوسع أثر فكر ماركس والماركسية في كل مكان من جهات الكوكب الأرضي باللوان الأحمر كمان وقد وجدت عدن حاضرة في تلك الخريطة الرمزية التي جذبتني والتقطت صورة بجانبها..
طبعا بعد زيارة بيت ماركس تغيرت كثيرا من أوهامي عن ماركس وحياته فأخذت اراه بعين العقل لا عين الانفعال دون أي ينقص ذلك من التقدير والاحترام لشخص ضحي بالكثير من متع الحياة الحسية العابرة في سبيل الفكرة التي أمن بها وناضل من أجلها…