منذ كانت ميسون عبدالخالق النجاشي طفلة وهي شغوفة بالأماكن السياحية الجذابة والمتنوعة التي تمتاز بها بلدها اليمن، كان هذا مصدر إلهام وإصرار للسعي وراء تطلعاتها لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم. حيث تعد حاليًا أول امرأة تشغل مديرة عام مكتب السياحة في محافظة تعز (جنوب غرب البلاد).
تقول إن ”المرأة قادرة على تولي مناصب حكومية وإدارتها بكل جدارة واقتدار وهناك نماذج ناجحة لنساء أثبتن أنفسهن في مجالات عدة واقتحمن مجالات كانت تقتصر على الرجال فقط“.
وتشكل النساء في اليمن نسبة ضئيلة من القوة العاملة التي يهيمن الذكور على معظمها، ولا توجد إحصاءات حديثة بشأن ذلك لكن تقديرات ما قبل الصراع تشير إلى أن 6% من النساء شاركن في القوى العاملة بينما كانت 7% فقط من الوظائف تشغلها النساء.
عندما التحقت ميسون بقسم السياحة وإدارة الفنادق بجامعة تعز عام 1999م، أرادت أن تكون فريدة في هذا المجال الذي يكاد حضور النساء فيه قليلاً.
”حين تقدمتُ لدراسة هذا التخصص كان عدد الفتيات اللاتي التحقن به كبير لكن بعد عملية المفاضلة، تم قبول ثمان منهن فقط وعندما تخرجنا كان عددنا أربع“، تضيف ميسون لمنصتي 30.
أما أسرتها فكانت لها وجهة نظر أخرى، إذ كانت تريدها أن تنضم لكلية العلوم التطبيقية لدراسة الكيمياء وترى أن التخصص بقسم السياحة ليس له مستقبل وظيفي، لكن ميسون اختارت ما كانت تراه حلماً يتوجب تحقيقه.
وتتذكر قائلة: ”كنت أخبرهم أن وضع البلد سيتطور. وكنت متفائلة بوجود فرص عمل“. وهذا ما حدث بالفعل عندما أنهت دراستها الجامعية في 2003؛ إذ وجهت الحكومة حينها بتوظيف خريجي الدفعة كونها تعد الأولى في قسم السياحة وإدارة الفنادق على مستوى البلاد.
لاحقًا توظفت في مكتب السياحة بمحافظة تعز، وتدرجت في السلم الوظيفي بِدءاً من سكرتارية ورئاسة قسم التخطيط والإحصاء ومديرة إدارة التخطيط والبحوث والإحصاء ونائبة للمدير العام.
وُلِدت ميسون عام 1981م في مدينة تعز، وترعرعت ودرست المرحلة الأساسية في المملكة العربية السعودية قبل أن تعود أسرتها إلى اليمن إبان ما عُرف حينها بـ”حرب الخليج الثانية (1990-1991م)“
تصف ميسون العمل في فترة الحرب بـ”الصعب خصوصاً مع شحة الإمكانيات“، لكنها تمكنت بعزيمتها ودعم وتشجيع أسرتها وأولادها والموظفين من تجاوز الصعوبات بما فيها ”مسألة التوفيق بين العمل وإدارة الأسرة“، وهذه الأخيرة تعتبر تحدياً يلازم كثير من النساء مع توليهن أيّ منصب أو عمل إداري.
وتسعى حالياً لإعادة النشاط السياحي من خلال التوعية بأهمية هذا القطاع الذي تضررت 70 بالمئة من منشآته في تعز، وتشجيع الاستثمار السياحي للعمل رغم كل الظروف الصعبة الناتجة عن الحرب المستمرة في البلد منذ ما يزيد عن ثمانية أعوام.
ويعد قطاع السياحة والسفر أحد أبرز القطاعات الاقتصادية المتأثرة بالحرب التي تسببت بانهيار الحركة السياحية بين اليمن والخارج.
تتحدث ميسون عن ”زيادة عدد المستثمرين سواء في الحدائق والمنتزهات أو الفنادق والمطاعم“. وتتابع: ”قدمنا لهم تسهيلات للاستثمار في هذا القطاع الهام إلى جانب إعادة فتح المنشآت السياحية التي أُغلِقت وسرح موظفوها بسبب الحرب“.
تشير إحصاءات مكتب السياحة في تعز، أنه خلال الأعوام الثلاثة الماضية (2020م-2022م) بلغ عدد الوافدين الأجانب للسياحة 261 سائحاً، وتجاوز عدد الوافدين المحليين بغرض السياحة الداخلية 168 ألف سائحاً.
”خلال الفترة الماضية استجابت منظمات عدة كالصندوق الاجتماعي للتنمية ومنظمة اليونسكو لمناشدتنا بشأن دعم تأهيل المنشآت السياحية المتضررة“، أضافت ميسون.
وألحقت الحرب أضراراً بالغة بالبُنى التحتية الأساسية في أجزاء واسعة من البلاد، بما في ذلك المنشآت السياحية والأثرية.
واضطرت عدد من وكالات السياحة إلى إغلاق مكاتبها في محافظات عدة، كما توقفت عدد من المهن التقليدية التي كانت تلقى مصنوعاتها رواجاً عند السياح.
تشير ميسون إلى أن ”تعز كانت وجهة سياحية نشيطة ويتوافد إليها آلاف السياح الأجانب لكن مع الحرب تراجع ذلك بشكل كبير خصوصاً مع صعوبة التنقل وإغلاق المنافذ الرئيسية المؤدية للمدينة، وأصبح الأمر يقتصر على السياحة الداخلية“.
وتُظهر إحصاءات حكومية أن تعز كانت تستقبل قبل اندلاع الحرب ما بين 7 آلاف إلى 15 ألف سائحاً أجنبياً سنوياً.
تؤكد ميسون على المضي قُدماً في تحسين قطاع السياحة والنهوض به، وتطمح بالاستمرار في صعود السلم الوظيفي للوصول إلى مناصب عُليا.
وتفخر بمساعيها المبذولة من أجل إبراز الجانب السياحي وإعادته للواجهة. ”على الرغم من التحديات والصعوبات المختلفة“.
وتنصح النساء بـ ”المثابرة والاجتهاد وعدم الاستسلام للصعوبات مهما كانت نوعها لنيل استحقاقاتهن في التعليم والوظيفة وإدارة المؤسسات“.