ضع اعلانك هنا

دعرة.. امرأة من ردفان حملت الوطن على كتفيها…

المناضلة الأسطورية/ دعرة بنت سعيد الأعضب..
“صحيفة الثوري” – المحرر الثقافي:

دعرة.. امرأة من ردفان حملت الوطن على كتفيها

في تاريخ اليمن، أسماء لا تبهت مهما مرّ عليها الزمن، لأنها كتبت حضورها بدمها وإيمانها. ومن بين تلك الأسماء، تبرز المناضلة دعرة — مريم سعيد عباد لعضب — المرأة التي خرجت من رحم الفقر لتصبح رمزًا من رموز التحرر الوطني، وواحدة من أساطير الكفاح ضد الاستعمار والظلم.

ولدت دعرة عام 1928 في شعب الديوان بمديرية ردفان، في أسرة فقيرة تعرف من الحياة صلابتها أكثر من نعومتها. كانت الابنة البكر، وحين رحل والدها عام 1957، وجدت نفسها المعيلة والمسؤولة عن الأسرة. عملت في الفلاحة وجمع الفحم وبيعه، لتصنع من العرق خبز الحياة، ومن القسوة درعًا للكرامة.

لكن تحت ملامح الفتاة الريفية الصامتة كانت تختبئ روح لا تهدأ، وروح تمرّدت على القهر. وحين اندلعت انتفاضة الحمراء عام 1940، وجدت دعرة طريقها إلى المقاومة، خفية عن أبيها الذي ما لبث أن أيقن أن في ابنته شجاعة الرجال، فاشترى لها بندقية “فرنساوي” لتقاتل بها. منذ ذلك اليوم، بدأت حكاية المرأة التي لم تفارقها البندقية.

في انتفاضة ردفان عام 1956، شاركت دعرة في القتال ضد البريطانيين، وأسقطت طائرة مروحية في الحبيلين، قبل أن تُعتقل وتهرب من السجن لتعود إلى الجبال. وهناك، بين الوديان والشعاب، صار اسمها يتردّد همسًا بين المقاتلين، رمزًا للثبات والجرأة.

ولم تقتصر معارك دعرة على الجنوب وحده. فعندما اشتعلت ثورة 26 سبتمبر 1962 في الشمال، كانت من أوائل من لبّوا نداء الجمهورية. قطعت المسافات الطويلة سيرًا على الأقدام من ردفان إلى تعز، ثم إلى جبال المحابشة. قاتلت في بلاد بني هجر، وشاركت في حصار السبعين دفاعًا عن صنعاء. وهناك، أدركت أن معركة التحرر واحدة، وأن مصير الشمال والجنوب لا ينفصل.

عاد الثوار إلى ردفان وهم أكثر إيمانًا بأن وقت الجنوب قد حان. وفي صباح الرابع عشر من أكتوبر عام 1963، كانت دعرة في الصفوف الأولى بجانب راجح بن غالب لبوزة، حين اندلعت شرارة الثورة ضد الاستعمار البريطاني. استشهد لبوزة في المعركة الأولى، لكن دعرة ورفاقها واصلوا الطريق، يخوضون المعارك في وادي بناء، وحردبة، والربوة، والحبيلين، وبله. أُصيبت دعرة في إحدى المعارك إصابة بالغة، لكنها رفضت التراجع وقالت لرفيقاتها: “ما دام فينا نفس، ما انتهت المعركة.”

قاتلت حتى النهاية، حتى يوم 30 نوفمبر 1967 حين غادر آخر جندي بريطاني أرض الجنوب. عندها فقط وضعت سلاحها، لا لأنها أنهكت، بل لأن الوطن تحرّر.

ذاع صيتها في الصحف العربية والعالمية التي أطلقت عليها لقب “الأسطورة”. وعندما وصلت إلى القاهرة، كانت أخبارها قد سبقتها. استقبلها الشعب المصري بحفاوة بالغة، واستقبلها جمال عبدالناصر شخصيًا، ومنحها رتبة ملازم أول تكريمًا لدورها البطولي في ثورتي سبتمبر وأكتوبر.

وفي الخامس عشر من أغسطس 2002، أغمضت دعرة عينيها في مدينة الشعب بعدن، بعد حياةٍ كانت كلّها معارك من أجل الكرامة. دُفنت في الجدعاء بردفان، لتبقى في ذاك الجبل الذي أحبّته ووهبته حياتها.

لم تكن دعرة امرأة عادية؛ كانت فصلًا من تاريخ الوطن، كانت الثورة تمشي على قدمين، والكرامة تتحدث بلهجة ردفانية صلبة. وبرحيلها، لم يرحل المجد، بل تجسّد في ذاكرة وطنٍ يعرف أن الحرية، مثل دعرة، لا تُولد إلا من رحم المعاناة

رابط قناة الحزب الاشتراكي في الواتساب
https://whatsapp.com/channel/0029VaGiDrN3GJP6tpE7th3h

ضع اعلانك هنا