نجيب الكمالي / خيوط
من قلب المعاناة ومن أعماق مجتمع الهامش، شقت طريقها ورسمت ملامح قصة استثنائية وغير مألوفة، عنوانها مسك المقرمي.
لم تكن قصة اعتيادية تلك التي بدأت بنسج خيوطها باكرًا وهي لا تزال في مقتبل العمر، تسكن قرية ريفية نائية في أطراف منطقة الحجرية (غرب مدينة تعز).
هناك في عزلة “المقارمة” التابعة إداريًّا لمديرية “الشمايتين”، لمع نجمها باكرًا، وكانت مبتدأ قصتها المرصعة بالتحدي والإرادة الكبيرة لتبديد عتمة واقع مظلم وغير عادل.
“المسك المناسب في المكان المناسب”، هكذا غردت الناشطة الحقوقية منى لقمان وهي تبارك خبر تكليف زميلتها الناشطة الحقوقية مديرًا عامًّا لمنتزه التعاون بتعز، كأول امرأة تنتمي إلى أوساط الفئة السمراء، وتتقلد منصب مدير عام بقرار حكومي.
منتزه التعاون – تعزحدث استثنائي
وصفت مسك المقرمي، في حديث خاص مع “خيوط”، القرارَ الصادر نهاية يوليو/ تموز الماضي، من محافظ محافظة تعز التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، بتكليفها مديرًا عامًّا لمنتزه التعاون بتعز بأنه: “حدث استثنائي أن تتولى امرأة سمراء موقعًا متقدمًا بهدف التأسيس لدمج شريحة المهمشين في المجتمع اليمني”.
وأفصحت “المقرمي” وهي في العقد الرابع من العمر، عن خوفها الشديد فور استقبالها خبر التعيين.
وبحسب حديث المقرمي لـ”خيوط”، فإن مرد مخاوفها ما كانت تسمعه عن وضع سيئ يعيشه منتزه التعاون، ووجود فوضى عارمة في كافة مرافق المنتزه الوحيد في قلب مدينة تعز المحاصرة منذ سنوات، بَيْدَ أنها استقبلت قرار المحافظ شمسان بترحيب وإصرار كبير، واصفة القرار بأنه أنصف المرأة السمراء لأول مرة، وترجمةً لهذا التوجه الجديد فقد بادر المحافظ إلى منحها الصلاحيات الكاملة في إدارة وإصلاح هذا المرفق السياحي الهام في مدينة تعز، حسب وصفها.
تقول المقرمي أنها باشرت مهامها رسميًّا عقب صدور القرار، لتجد المكان شبه مهجور وتسكنه الغربان وتتكدس القمامة في كل زاوية منه.
تدرك المقرمي جليًّا ما يمثله منتزه التعاون بتعز، بكونه قلب السياحة والركيزة الأولى لها في المدينة المحاصرة، ومن هذا المنطلق تعمل على إعداد خطة حديثة كانت مفقودة من قبل، بحسب وصفها، وصولًا إلى إعادة الروح إلى كافة مرافق المنتزه وإصلاح المنظومة المعطلة.
بوابة التعليم
مثلت (مسك المقرمي) حالة متميزة لمجتمع الهامش، وخصوصًا النساء، وكان التعليم الركيزة الأولى في حياتها، وبحسب حديث المقرمي لـ”خيوط”، فإنّ القراءة والتعليم هي من تخلق التعايش والدمج المجتمعي والتنمية الاجتماعية الشاملة، وفي المقابل يهدم الجهل الحضارات، ويؤخر في تنمية الأمم ويعمل على خلق العنصرية وغياب التعايش والتنمية، وحرمان كثير من الفئات من العدالة الاجتماعية.
حظيت المقرمي بدعم كامل من أسرتها في بداية مشوارها التعليمي الذي بدأته باكرًا، حيث يعمل والدها مهندسًا معماريًّا في السعودية، وتجيد والدتها القراءة والكتابة، فيما تلقّى شقيقيها تعليمًا جامعيًّا جيدًا.
عاشت المقرمي طفولتها الأولى في بيئة قروية تفرض قيودًا مشددة على الإناث بشكل خاص، لكن مسك كانت في مواجهة أصعب قرار اتخذته في حياتها تاليًا، ما فرض عليها تجاوز العادات والتقاليد السائدة هناك حين قررت مغادرة الريف والتوجه صوب مدينة تعز للاستقرار فيها مطلع العام 2011، وكانت حينها تحمل مشروعًا مجتمعيًّا وإنسانيًّا يستهدف أبناء فئتها المهمشة.
خاضت المقرمي، مشوار حياتها الجديدة في قلب مدينة تعز، متكئة على رصيد وافر من الخبرات السابقة التي اكتسبتها أثناء حياتها في الريف، ما جعلها تسير بخطى واثقة في عملها المدني الجديد.
تتذكر وهي تسرد لـ”خيوط”، بعض تفاصيل حكايتها السابقة في القرية، حيث كان والدها يعمل على تعزيز ثقتها بنفسها وتمكينها من للقيام بأدوار مجتمعية فاعلة في إطار قريتها من خلال توزيع مساعدات عينية ونقدية للأسر المعدمة في عدد من القرى في إطار مديرية الشمايتين وهي لم تتجاوز بعد الحادية عشرة من عمرها، وفي اتجاه موازٍ أكسبها قربها من والدها مهارات عالية في حل النزاعات، وبحكم عمله آنذاك كعاقل للمكان، فقد كانت تجلس معه أثناء حل النزاعات وعند غيابه كانت تقوم بحل المشاكل الصغيرة.
أكملت تعليمها الجامعي في تخصص اللغة العربية، وهي اليوم تخوض مشوارًا جامعيًّا موازيًا في كلية الحقوق بجامعة تعز، وبحسب حديثها، فإنّ دراستها للحقوق ستعزز من موقفها في الدفاع المدني عن الفتيات القاصرات وفي مواجهة العنف المجتمعي المتفشي في أوساط الأسر المهمشة.
وسيطة سلام
استقرت المقرمي في منطقة “الضبوعة” حيث تقطن كثير من الأسر المهمشة، ومن أوساطهم بدأت مسك مشوار عملها المدني التطوعي مستندة على الدعم المقدم من فاعلي الخير، والإسناد الكبير الذي حظيت به من قبل الناشطة الحقوقية منى لقمان، بحسب حديثها، وأسست في العام 2014 جمعية كفاية، حيث تركزت برامجها على إزالة العنصرية وتقديم كافة أشكال الدعم الإنساني والإغاثي للأسر المهمشة والمعدمة.
وعقب اجتياح الحوثيين لمدينة تعز مطلع العام 2015، زادت وتيرة نشاطها ولم تفكر بالنزوح من المدينة، ووفقًا لحديثها، فقد أصيبت في رجلها اليسرى في منطقة الدحي، أثناء ما كانت تسيطر جماعة الحوثيين على هذه المنطقة وتتخذ منها معبرًا لخنق المدينة وساكنيها.
أكملت المقرمي تعليمها الجامعي في تخصص اللغة العربية، وهي اليوم تخوض مشوارًا جامعيًّا موازيًا في كلية الحقوق بجامعة تعز، وبحسب حديثها، فإنّ دراستها للحقوق ستعزز من موقفها في الدفاع المدني عن الفتيات القاصرات وفي مواجهة العنف المجتمعي المتفشي في أوساط الأسر المهمشة، ووفقًا لحديث المقرمي، فإنها تقوم بالترافع في قضايا أربع فتيات مهمشات تعرضن لعملية الاغتصاب.
نظير نشاطها المدني الفاعل وقدراتها على حل النزاعات، حازت المقرمي على ثقة مجتمعها المحلي في منطقة الضبوعة، لتكون أول عاقل حارة في مدينة تعز، إلى جانب مهامها في رئاسة فرع الاتحاد الوطني للفئات الأشد ضعفًا.
وفي المقابل، تنشط المقرمي كوسيطة سلام في المحافل الدولية، وهي عضو في فريق مؤسسة الغذاء من أجل الإنسانية.
في مسارات متعددة، إنسانية وخيرية وحقوقية، تبرز ملامح قصة استثنائية، عنوانها مسك المقرمي، وليس مسك ختامها وجودها اليوم على رأس إدارة منتزه التعاون بتعز.
•••نجيب الكمالي
كاتب مختص بالشأن الإنساني