صمود لافت لمعاصر السمسم في مأرب مهنة تراثية تحافظ على عتاقتها

مروان المنيفي

تعدُ محافظة مأرب من المحافظات اليمنية التي تنتشر فيها معاصر السمسم (الجلجلان- السليط) كما يطلق عليه في أغلب مناطق البلاد باللهجة العامية؛ فيما تشتهر مديرية “الوادي” بالمحافظة بزراعة المحاصيل الزراعية الموسمية، من بينها محصول “السمسم”.

وتأتي مأربشرقي اليمن، وفق بيانات زراعية رسمية صادرة في العام 2019، اطلعت عليها “خيوط”، في المرتبة السادسة من بين المحافظات اليمنية في المساحة الصالحة للزراعة بنحو 32.769 هكتارًا، تستحوذ الفواكه النسبة الأكبر التي تنتجها المحافظة بالنسبة للمحاصيل الزراعية بحوالي 83%، والخضروات 61%، والحبوب 11%.

وارتفع إنتاج المحافظة من “السمسم” في العام 2019، إلى ما يقارب 5 آلاف طن من مساحة زراعية تقدر بنحو 3440 هكتارًا، كثاني محافظة يمنية إنتاجًا للسمسم بعد الحديدة 5863 طنًّا من 3363 الكمية المنتجة في العام 2018، فيما كان إنتاج المحافظة من هذا المحصول في العام 2015 يصل إلى نحو 3400 طن.

معاصر “الزيت -السليط” بالطريقة التقليدية تسير بوتيرة عالية في معصرة “دعدع” و”الكدادي” داخل مدينة مأرب منذ ما يقارب عشرين سنة، إضافة إلى معاصر أخرى تتواجد خارج مركز المدينة في مديرية الوادي بسوق الحصون الشعبي، حيث لا تزال تحافظ على بقائها رغم الآلات الكهربائية الحديثة التي اكتسحت سوق المهنة الحرفية، وأفقدت أصحابها المجهود الذي يكون حصيلته مثمرة ومرضية للمستهلك.

هذا الموروث التقليدي الذي يصل عمره إلى مئات السنين، ما زال اليوم مصدر رزق للكثير من العاملين في هذه المهنة، رغم تطور الأعمال والمهن الحرفية، والتي أصبح كثير منها يعتمد على الآلات الكهربائية الحديثة
وعلى الرغم من تبعات الحرب الكارثية في اليمن والتي نالت مأرب نصيبًا وافرًا منها باعتبارها ساحة عسكرية مفتوحة لطرفي الحرب في البلاد؛ الحكومة المعترف بها دوليًّا وأنصار الله (الحوثيين)، وما تسببت به هذه الحرب من انهيار اقتصادي وتردٍّ معيشي وتهاوي كثير من المهن والأعمال الحرفية، إلا أن معاصر السمسم في مأرب تشكل استثناء بصمودها وبقائها ومقاومتها للانجراف والاندثار، إذ تعد مصدر رزق للكثير من المهنيين والعاملين في هذه المعاصر الإنتاجية.

مهنة تاريخية

يشكو أصحاب هذه الصناعة المتوارثة، الذين يحاولون الحفاظ على تراث ومهنة أجدادهم منذ القدم من الغلاء الذي أثّر سلبًا على آلية الإنتاج، منها ارتفاع باهظ لسعر كيس السمسم الواحد 50 كيلوغرام، والذي يتراوح سعره ما بين 85 و80 ألف ريال، في حين كان يبلغ سعره قبل الحرب مطلع 2015، نحو 30–25 ألف ريال يمني.

ويقول مسعد عبدالله، أحد العاملين في هذه المهنة لـ”خيوط”، إن “معاصر السمسم” تواجه العديد من الصعوبات التي تؤثر على إنتاجيتها نتيجة تردي الوضع الاقتصادي في اليمن، وما رافقه من تبعات أثرت على مختلف الأعمال والمهن ومنها معاصر السمسم التي ارتفعت تكاليف إنتاجها ما انعكس على مضاعفة جهود العاملين في هذه المعاصر، للمواءمة بين تكاليف الإنتاج والنفقات والعائدات، بما يضمن استمرارها بأقل الإمكانيات المتاحة.

ويخشى العاملون في هذه المهنة من استمرار تصاعد الأسعار في الأيام القادمة، مع الانهيار المستمر الذي تشهده العملة المحلية، والتي تُلحق آثارًا بالغة في مختلف مناحي الحياة. واطلعت “خيوط” على طريقة إنتاج الزيوت في بعض معاصر مأرب التي زارتها، إذ يتم إنتاج ما يطلق عليه “بالسليط” بعد أن يبيعه المزارعون عند الانتهاء من موسم الحصاد وتنقيته من التراب. بعد ذلك، وفي المعصرة التقليدية يتم وضع البذور “السمسم” في المعصرة ذات الشكل الدائري المجوف من جذع شجرة، ومن ثم غمرها بكمية من الماء الساخن، لتبدأ مرحلة الإنتاج بحركة دائرية لعدة ساعات يقوم بها “الإبل” (الجمل) يحمل على جانبيه أخشابًا ثقيلة مصفدة بأغلال حديدية وهو مغمض العينين. بعد استخراج “السليط” تتم التعبئة في عبوات بلاستيكية (قناني) المياه متعددة أحجام سعة اللتر.

مصدر رزق

هذا الموروث التقليدي الذي يصل عمره إلى مئات السنين، ما زال اليوم مصدر رزق للكثير من العاملين في هذه المهنة، رغم تطور الأعمال والمهن الحرفية والتي أصبح كثير منها يعتمد على الآلات الكهربائية الحديثة.

ما يميز زيت الجلجال (السليط) ذا اللون البُنّي، رائحتُه ونكهته التي تضفي على الطعام نكهة شهية، خلافًا للزيت الذي يتم إنتاجه بالآلات الكهربائية ويتعرض للحرارة، فيفقد خصائصه.

وردية العمل لدى المعاصر التقليدية تبدأ من صباح الساعة الثامنة صباحًا حتى الثانية عشرة ظهرًا، ويأخذ العمال قصدًا من الراحة إلى وقت العصر، ثم تبدأ الوردية الثانية من الساعة الرابعة حتى الساعة السابعة ليلًا، وتكون حصيلة الإنتاج اليومي غالبًا 13 لترًا. ذلك أن إنتاج 5 لترات من زيت “السمسم” بالطريقة التقليدية على الجمل يستغرق 6 ساعات، ويبلغ سعر “الدبة” سعة 5 لترات –حاليًّا- قيمة عشرين ألف ريال يمني.

‍
قبل شهر كان عبدالرحمن كامل متجهًا مع أسرته إلى العاصمة المصرية القاهرة، قادمًا من العاصمة صنعاء في رحلة علاج تستمر أشهرًا، وتوقف في مدينة مأرب ليأخذ معه كمية من زيت السمسم، تصل إلى 5 لترات سيهديها لأصدقائه هناك، وفق حديثه لـ”خيوط”.

وتتعدد استخدامات زيت “السليط” من الناحية الصحية كدهان لتقوية الشعر، وللأمراض، خاصة حين تكون الآلام في الرقبة والظهر، ونزلات البرد، وتدليك الجسد بالسليط. ويستعمله الكثير من اليمنيين في الخارج من طلبيات إرسالية تصلهم مغلفة في كراتين كبيرة الحجم بعناية فائقة، وإقبال آخر لمن في الداخل بالقدر الذي يتيح لهم مع ارتفاع الأسعار. فربما لا يكاد يخلو أي منزل يمني من وجود “السليط”.

•••
مروان المنيفي