الدكتور أمزربه يضع خطة المعالجات.. فمن يداوي ميناء عدن؟
اطّلعت بالصدفة على الدراسة المستفيضة التي أعدّها الدكتور محمد علوي أمزربه، رئيس مجلس إدارة مؤسسة موانئ خليج عدن، رئيس مجلس الإدارة لشركة عدن لتطوير الموانئ، تحت عنوان: “تحليل أسباب تراجع دور ميناء عدن محليًا وإقليميًا”، وقدمها كورقة عمل في الورشة التي نظمتها مؤسسة الرابطة الاقتصادية، مطلع الأسبوع الجاري، برعاية كريمة من معالي وزير النقل، الدكتور عبدالسلام حميد، وإشراف مؤسسة موانئ خليج عدن.
يشخّص الدكتور أمزربه، في دراسته – على نحو دقيق – المسببات التي أدت إلى تضاؤل دور ميناء عدن كأبرز وأهم المنشآت الاقتصادية في البلد وأقدمها، خلال الفترة الممتدة من العام 2011 حتى العام الماضي 2023، ويقدم تحليلًا لها، بهدف معالجة مكامن القصور المتسلسلة المرتبطة بحالة البلد عمومًا، وعدم استقراره السياسي طوال فترة الاضطراب العام وصولًا إلى حرب المليشيات الحوثية.
وتضع الدراسة المنهجية، ميناء عدن، في مقارنة مع الموانئ الدولية القريبة لدول الجوار، وتستند على تحليل القدرات التنافسية لميناء عدن، وأسباب تراجع نشاطه التجاري والملاحي، باحثة في تحليل عوامله الداخلية والخارجية.
تبدو هذه الدراسة الهامة، ممزوجة بخبرة الرجل على مدى 10 أعوام في إدارة مؤسسة موانئ خليج عدن في أسوأ الظروف، وعَرَق المعرفة العلمية بالعلوم الإدارية، خاصة فيما يتعلق بالنقل البحري، ومتأثرة كذلك بحالة التراجع التي يشهدها ميناء عدن نتيجة لجملة من الأسباب القهرية، التي تفرضها أوضاع البلد غير الاعتيادية والتي انعكست على مختلف قطاعات الحياة، بما فيها الحياة التجارية المتراجعة إلى أدنى مستوياتها، والبيئة المضطربة التي أفرزها عقد كامل من عدم الاستقرار.
ما يُحسب للرجل – أي أمزربه – هو قيادته لهذه المنشأة الاقتصادية الهامة، في ظل استمرار ظروف حالكة ومركبة التعقيد، والعمل جاهدًا على تفكيك العوائق والعراقيل، ومعالجة كل منها على حدة، وفق الإمكانيات المتاحة، وأحيانًا بشكل يتخطى ما هو متاح، أملًا في تعزيز دور ومكانة الميناء التاريخي المرتبط بهوية وثقافة المجتمع في عدن، ولنا خير مثال في رفضه مغادرة عدن أثناء المعارك التي شهدتها المدنية في العام 2015 وتعرض الميناء للقصف من قبل مليشيات الحوثيين، في وقت غادر فيه معظم المسؤولين الحكوميين، المدنية الملتهبة حينها.
على الرغم من موجة التجاذبات والاستقطابات السياسية التي تضرب مؤسسات الدولة والمرافق الحكومية، تمتاز شخصية الدكتور محمد علوي أمزربه بالبقاء محافظًا على مسافته الواحدة والمعهودة من جميع الأطياف السياسية، انطلاقًا من حرصه الرامي للمحافظة على إرث ومكانة ميناء عدن التي استنزفت المرحلة الحالية، جزء كبير منها.
واللافت في الأمر، أنه يحظى بدعم وإشادة وتوافق من مختلف الأطراف المتباينة، ولعلّ ذلك يعود إلى شخصيته الصادقة والدؤوبة التي لا تملّ من البحث عن كل ما هو إيجابي يرمي إلى تعزيز مكانة ميناء عدن وتفعيل دوره الاستراتيجي، رغما عن بؤس الواقع ومرارته.
وفي ظل استمرار الأوضاع المضطربة وحالة التردّي الاقتصادية التي يعيشها البلد، تحافظ مؤسسة موانئ خليج عدن، على حالة استقرار موظفيها، وبات من النادر جدًا ألا تشهد إحدى مؤسسات الدولة، أية إضرابات عمالية أو احتجاجات حقوقية أو مطالبات للموظفين، وهذا أمر يقتصر على ميناء عدن خلال هذه الفترة العصيبة، وأعتبره دليل دامغ على إدارة حكيمة وعلاقة مثالية بين الرئيس والمرؤوس في منشأة حكومية، تقدّر عطاءات كوادرها وتحفظ حقوقها وتصونها، بما لا يؤثر على سير العمل ومردوده.
ما دفعني للكتابة، هي الصدفة التي قادتني لقراءة ورقة عمل الدكتور أمزربه الثرية، التي تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك، أن الرجل غير مستسلم للظروف المحبطة بأشكالها المختلفة، غير عابئ بحجم التحديات المحيطة، رغم انفراط عقد الأدوار المترابطة بين الجهات الحكومية لدعم وإسناد ميناء عدن، وغياب استراتيجيات الدولة الحقيقية، لوضع الميناء في موقعه الصحيح واللائق.
وتتضمن الدراسة في ختامها، جملة من التوصيات الرامية إلى استعادة دور ميناء عدن، واستنهاض قدرته التنافسية مع نظرائه في الدول المجاورة، وترسم خطة تصحيح المسار وتصويبه، وتفتح آفاق الشراكة مع القطاع الخاص، في ظل تلاشي الدور الحكومي، واضعة الكرة في ملعب الجميع، في انتظار الغيورين على وضع ميناء عدن لتحريكها.
عماد الديني
رئيس مؤسسة مراقبون الإعلامية