ضع اعلانك هنا

من كتاب (حرب العصيد.. جنايات يحيى حميد الدين على اليمنيين)

من كتاب (حرب العصيد.. جنايات يحيى حميد الدين على اليمنيين)

بلال الطيب

النهب لم يطال قرية المساحين وحدها؛ بل طال جميع القُرى المُجاورة، وقرى جبل صبر قاطبة، وقد حدثتني جدتي المرحومة مسك أحمد عبد الرحمن نقلًا عن والدتها نور بنت أمير التي عاصرت تلك الأحداث، أنَّ الأخيرة رأت عساكر الإمام ينهبون قُرى عزلة سيعة، وذلك من على أحوال التُتن (الرَجِمة)، والأخيرة مرتفع شاهق نزح إليه جانبًا من أبناء تلك العُزلة، فيما نزح آخرون – كما سبق أنْ ذكرنا – إلى عزلة وتير.

 

المشهد الذي تذكرت جدتي مسك تفاصيله جيدًا، تمثل بقيادة العساكر المُتفيدين لأبقار وأغنام المواطنين فوق طريق طويل ومُشرف، يصل العزلة بمنطقة ذمرين المُطلة على مدينة تعز، فيما الرعية المكلومون، أصحاب ذلك القطيع الكبير، تكاد قلوبهم تنفطر، وهم يُلقون على مواشيهم نظرة الوداع الأخيرة.

 

وأضافت جدتي – رحمها الله – أنَّ بقرة والدتها – السابق ذكرها – شَرَدت عن ذلك القطيع المنهوب، وسقطت في إحدى الجروف السحيقة، وأنَّ المُتفيدين تركوها بعد أنْ عَجزوا عن أخذها لحال سبيلها، وأنَّ مواطني المنطقة استعادوا تلك البقرة فيما بعد، واستفادوا منها أيامًا عديدة، وكانت من أهم مصادر تغذيتهم، حتى تحسن حالهم، واشتروا أبقارًا وأغنامًا جديدة.

 

وحسب حديث جدتي أنَّ الأمير علي الوزير (الذئب الأسود) أمر عَساكره المُتعطشة للفيد باستباحة جبل صبر لثلاثة أيام، وأن النهب طال غير مواشي المواطنين، أموالهم المدخرة، وأثاثهم المُهترئة، وحبوبهم المُخزنة، وعن ذلك قال المُؤرخ الإمامي عبدالكريم مُطهر مُتباهيًا: «واحتوى الجند على غنائم عظيمة، وأموال جسيمة».

 

وتَأكيدًا لحديث جدتي مسك حول جزئية استباحة جبل صبر لثلاثة أيام، وجدت ضمن وثائق جدي الشيخ أحمد إبراهيم الطيب (توفي يوم الأربعاء 14 يناير 1925م) رسالة بلا توقيع (مُرفق صورة منها)، مُؤرخة بـ 21 ذو الحجة 1337هـ (15 سبتمبر 1919م)، وهو التاريخ الذي وافق ثالث أيام الحملة الإمامية، مَضمونها: «الشيخ أحمد إبراهيم الطيب سلمه الله، صدر لك الأمان والرفع للعسكر، وأنت بَادر بوصولك، والله ينصر مَولانا الإمام، والسلام».

 

كما أمر الذئب الأسود بمُصادرة ما بحوزة المواطنين من سلاح وذخائر؛ كي لا تدور عليه من قبلهم الدوائر، التي كان مُعظمها من الأسلحة العثمانية التي أعطاها لهم الضابط التركي إسماعيل الأسود، ومن قبله اللواء علي سعيد باشا (قائد حملة لحج)، وعن ذلك قال المُؤرخ عبدالكريم مُطهر: «شرع – يقصد الأمير – في جمع ما كان بأيدي أهل صبر من سلاح الحكومة العثمانية».

 

من كتاب (حرب العصيد.. جنايات يحيى حميد الدين على اليمنيين)

ضع اعلانك هنا