رؤية من زاوية اخرى “القبيلة في اليمن” *بين ثنائية الجلاد والضحية*
*د. عمـر العـودي*
تعامل الكثير من الكتاب والمثقفين و الباحثين مع توصيف للقبيلة في اليمن و لدور القبيلة السياسي والاجتماعي وذهب البعض، الى توصيفها باعتبارها هي العدو الاول للمدنية وان المدنية لايمكن ان تقوم الا من خلال التخلص من نفوذ القبيلة في السلطة السياسية وفي سائر المنظومات الاجتماعية اضافة الى ان هذا التوصيف اخذ الى جانب ذلك بعدا مناطقيا ودينيا مذهبيا مما زاد من ابتعاد هذا الرؤية عن الموضوعية، وفي الحقيقة ان توصيف القبيلة ودورها الاجتماعي والسياسي على هذا النحو قد ابتعد كثيرا عن الموضوعية و لعله ينطلق من الدور السياسي المصطنع الذي اسند الى القبيلة من قبل انظمة الحكم منذ عهد الائمة الى عهد الجمهورية ولا يخرج عن الالية التي اعتمد عليها نظام الحكم الكهنوتي في تقسيم المجتمع وتاصيل الفوارق الاجتماعية بين افراده فقد تناست بعض هذه الابحاث ان القبيلة هي احدى البنى الاصيلة الني يتكون منها المجتمع اليمني وهي احدى الاشكال الوجودية لمجتمع ماقبل الدولة بمفهومها الحديث وايضا لمجتمع مابعد الدولة في حالة ضعفها او انهيارها، ولعبت دورا في مجتمع ماقبل الدولة في توفير الحماية لافراد القبيلة وحماية جغرافيتها من اي غزاة اضافة الى اضطلاعها بدور حضاري في بناء شواهد حضارية في الزراعة والسدود والعمران والقلاع والقصور وقد. كانت القبيلة تقوم بعمل الدولة وكانت قد بنت حضارات في عهد الحميريين والسبأيين والمعينيين وهذا ما يجعلها تتجاوز المفهوم التقليدي للقبيلة الذي يعطي انطباعا مباشرا للمتلقي بمجرد قراءته لمصطلح القبيلة عن طريقة العيش البدوية غير المستقرة. التي يعتبر الترحال بحثا عن المياة والمراعي واحيانا عن الامن الاجتماعي بسبب كثرة الحروب والصراعات بين القبائل واستقواء بعضها على البعض الاخر .
ان وضع القبيلة اليمنية قد كان مفصليا في دعم انظمة الحكم التي كانت لا ترى في القبيلة اكثر من مجرد مخزن بشري للتزود بالمقاتلين عند خوضها الحروب الداخلية ضد المعارضين لنظام الحكم بينما تم حرمان افراد القبيلة من حقها في التعليم والحقوق المدنية الاخرى، وهناك احداث تاريخية تؤيد هذه الفرضية مثل الحروب التي خاضها الامام يحيى مع الاتراك حيث اعتمد الامام في القتال على القبائل وبعد ان تم توقيع صلح دعان في عام 1911 مع الاتراك وعدم احتياجه لهم انقلب عليهم وتخلى عنهم تماما ودخل مع القبائل في حروب من اجل الزكاة كما حدث مع قبائل نجران وجيزان وعسير التي لجأت لطلب الحماية من بطش الامام بها من عبدالعزيز ال سعود ومما لاشك فية ان طبيعة الحكم السياسي التي تخلت عن دورها في توفير الخدمات الاساسية للمجتمع مثل التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية مقابل تحولها الى اداة حصرية لجباية ايرادات الدولة دون الوفاء بالتزاماتها وتعمدت عزل افراد القبائل بالذات عن الحياة المدنية وحرمانهم من التعليم وتعزيز بعض المفاهيم التي تزرع مواقفا سلبية من التعليم و الحياة المدنية وثقافة الكسب من العمل في العقلية القبلية بما في ذلك زراعة التعصب للعادات القبلية السيئة وتعزيز الانغلاق على الذات ثقافيا و جعل القبيلة معتمدة على العطايا التي تقدمها السلطة مقابل الولاء المطلق، اضافة الى فرض كل جوانب التخلف فقد اضيف الى ذلك دور تعزيز التعصب المذهبي المهم في بقاء القبيلة حملا وديعا مطيعا لسلطة الحاكم ورهن اشارته لخوض معارك لا تمثل مصالح القبيلة بقدر ما تدافع عن نظام الحكم ضد معارضيه. ويمكننا تاكيد فرضية ان القبيلة كانت وبدون ادنى شك احدى ضحايا انظمة الحكم الامامية وبما يدحض فرضية ان القبيلة هي العدو الرئيسي لتطور المجتمع اليمني هو عندما اتجهت بعض القبائل الى الدفع بافرادها الى التعليم فقد حدث تغيرا جذريا في تفكير افراد القبيلة بتاثرهم بشخص اوشخصين من ابناء القبيلة ممن حصلوا على مستوى مرموق من التعليم و تشكلت نخب ثقافية وعلمية من ابناء القبائل اصبحت اليوم تلعب دورا مفصليا في الحياة المدنية متخلية بذلك عن الفكر القبلي برمته و تعمل من اجل رفع الوعي المجتمعي المدني وفقا لابجديات الدولة المدنية بإستثناء نذرا يسيرا من افراد القبائل الذين يعملون كموظفين في منظومة الحكم وهم الاستثناء وليس القاعدة.
ان هذا المقال هو شذرة سريعة امتدادا لبعض النقاشات التي تتطرق الى تجريف القبيلة بصورة مبالغا فيها وتحميلها الوزر كاملا في فساد السلطات السياسية خلال اكثر مما يزيد عن سبعة عقود من الزمان ، الدولة فيها اخلت بواجب الدولة في تقديم خدمات للمجتمع كغيرها من دول العالم ومارست التجهيل و التقصير في تقديم خدمات التعليم والصحة وغيرها من التزامات الدولة على حساب استشراء الفساد المالي والاداري ورفض اي محاولات للتصحيح في منظومة الحكم السياسية والاقتصادية.، وهناك الكثير من الدراسات التاريخية والاجتماعية للمجتمع اليمني التي تؤكد ان التعامل مع القبيلة من قبل السلطات السياسية لا يزال مستمرا بنفس الاسلوب ونفس الموقف منذ ما يزيد عن 1250 سنة مضت ، وهذا يدعي الى وقفة موضوعية لتشخيص المشكلة وتقديم الحلول الناجعة بدلا عن ممارسة العزل الثقافي والمعرفي غير المنطقي للقبيلة وتجاهل حقيقة كونها مكونا اصيلا في بنية المجتمع اليمني المدني الا ان لها خصائص حضارية تميزها عن المجتمع القبلي البدوي مثل كونها اكثر استقرار وكونها قوى اقتصادية منتجة للخيرات المادية اضافة الى دورها في بناء الحضارات القديمة وحاجتها تتجسد بالحاجة الى التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية التي هي في الاصل من التزامات الدولة.