اسعدني كثيرا حصولي على ديوان اصافح ظلي للشاعر/ حسين مقبل .. وهو اول عمل شعري يطبع له واستمتعت جدا بقرأته وكنت احلق بين صفحاته كطائر شغف ..
فمن علياء صبر نبت حرفه واخضرت الاغصان في الجراف حيث الحنين اخرس صوت القنابل والصواريخ .. بين ثدي سطر وآخر تفجرت ينابيع عطشى لعاشق ابعدته الاقدار عن محبوته .. وطن .. عن طفولة حالمة .. متألمة تبكي إبداعا ويسكب حبه ممسكا ظله متجاوزا ظلمة شوارع المدن التي فقدت أنوارها منذ سنوات ..
السماء صدر حمل على كتفيه سحبا يمسح بها حزن المساء وبين التناهيد والصلاة والخشوع والمصابيح التي افتقدها لازال وطنه عالقا في قصيدة شاعر .. شعراء .. لم تلق مخاضها بعد .
أهدانا ظله لنتعكز عليه من غربتنا وضياعنا بين ركام وطن نحاول لملمة بناياته وطبطبة انين أبنائه بإيمان العاشق المخلص لصنعاء .. لوطن تجده بين احرفه اسمه يمن .. من قصيدة أيام هاربة قائلا :
ما عساي أهدي صنعاء
قلبي؟
وهل يساوي قبلة.. قبلة؟
وجهت وجهي باتجاه دهشتها .
فكل الخرائط تعرفها
وكل بوصلة تشير إليها
وفي وجع الابتعاد والغربة ولهفة اللقاء وسماع صوت محبوبته فلسفة من وجع ..فرح .. حيرة .. مقايضة الذات للذات تختلط الأحاسيس فيما بينها ويتنقل جنون العاشق بينها من حالة لأخرى فيخلق من آلامه ابتسامة كما فعلها في الشطر الأول من قصيدة
إنه صوتها ..
يلتهمني طيفك
بإبتهاج
كضيف يضع اصبعيه في عيني
فأزيد من ابتسامتي .
وفي الشطر قبل الأخير يستحضر ظله ليقوم بدور معشوقته البعيدة فيبعث الليل من حنجرته قائلا
ابعث الليل من حنجرتي
كي اعانق صوتها
أهمس لها .. اغني ..
صوتي ليس لي
إنه صوتها
إنني صوتها
كانت السماء شاشته الكبيرة التي يرسم من خلالها مجريات قصيدته في دهشة عاشق .. معشوق .. وكخشوع الأم على رضيعها ويفتن القارئ المستمع في قصيدة كأن مراياها السماوات
معتقه كالحب يسكر همسها
ترق كعصفور يناغيك صوتها
تداعب جفن الليل حتى تفتحت
ضياء شموس ينسج الصبح حسنها
وفي ثغرها سحر إذا ماتحدثت
يسيل نبيذ يسلب الروح والنهى
تراقص نجم الليل والبدر بأذخ
كأن مراياها السماوات كلها
تلملم كفاها الضياء وتنحني
عليه كأم ارهقوها عيالها
سبحت حروفه في محراب العشق أبياتا وفي الألف شهر تسائله قصائدة بم افكر ؟ صلى بسجادة الأرض .. وطنه .. أم أمنية أخيرة لقصيدة في كأس نبيذه الشغف .. طفل.. رجل .. امرأة ..
ومن أرجوحة روحه المفعمه زهرا برائحة الفل في وديان قريته كان لنيسان حضوره العطر .
ليبدأ حكاية الضوء بين حروف قصائده مسافرا بها إلى الحالمة .. زائرا تلك المتاحف الإسمنتية التي لاتحمل سوى تاريخ الموت بين الجماجم كما صورها في قصيدة (في المتحف) عائدا بنا بين حرفين على زغزغة العصافير لغزل الأمنيات عن حكاية لقاء طال انتظاره .. نجوب مع حسين مدن بلدنا فمن الحالمة الى أعالي صبر لصنعاء للجراف تحديدا نتنفس ونتشرب كل ماحملته قصائده من حب لعشق، لوجع، لفقد لأمل، بل إننا نتغمس شخصيات استحضرتها أبياته لسد فراغ المسافات البعيدة مكانيا والقريبة وجدانيا ممسكين بظله المتدفق بروح الحياة .
حنان ناصر