تعكس خطابات تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية تماهيا مع أجندة الحوثيين وجماعة الإخوان المسلمين المعادية لمجلس القيادة الرئاسي ولاسيما للمجلس الانتقالي الجنوبي. ويرى مراقبون أن القاعدة التي تلقت ضربات مؤلمة في الجنوب تبحث عن أرضية مشتركة مع الثنائي في محاولة منها للحفاظ على وجودها.
العرب اللندنية – عدن:
دخل تنظيم القاعدة على خط الصراع السياسي في اليمن من خلال بيانات تحمل خطابا مختلفا عن ذلك الذي عرف عن التنظيم في السنوات السابقة، في مؤشر على تحول في أيديولوجيا التنظيم السياسية التي باتت أقرب إلى جماعتي الإخوان والحوثي في الآونة الأخيرة، فيما يتعلق بالتحالف العربي والمجلس الانتقالي الجنوبي.
وأصدر تنظيم القاعدة منذ العام 2019 العديد من البيانات التي توعد بها القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي وقوات التحالف العربي، وخصوصا دولة الإمارات بالتوازي مع احتدام الصراع السياسي والعسكري بين المجلس الانتقالي والقوات التابعة لجماعة الإخوان في محافظة أبين.
وشهدت عمليات القاعدة ضد قوات الحزام الأمني ودفاع شبوة تصاعدا ملحوظا منذ سيطرة تلك القوات على المحافظة وانتشارها في مختلف مناطق أبين التي كان يسيطر عليها التنظيم الإرهابي وصولا إلى وادي عومران المعسكر الرئيسي للتنظيم في جبال أبين (جنوبي اليمن).
وكشف رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في ندوة إلكترونية نظمها (معهد واشنطن) عن وجود تنسيق مشترك بين الحوثيين والتنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة، مشيرا إلى أن الجماعة الحوثية أطلقت في الآونة الأخيرة عددا من أبرز عناصر وقيادات القاعدة المدانة بجرائم إرهابية مثل الهجوم على المدمرة الأميركية يو إس إس كول في العام 2000 وتوجيهها نحو المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية.
وشهد الخطاب الإعلامي لتنظيم القاعدة تطابقا في الآونة الأخيرة مع الخطاب الذي يبثه كل من الإخوان والحوثيين ضد التحالف العربي والمجلس الرئاسي والمجلس الانتقالي والأذرع الأمنية والعسكرية التابعة له.
وحمل آخر إصدار مرئي للتنظيم صدر قبل أيام عنوان ” اليمن المحتل” وزعم الإصدار انتشارا للقوات الأميركية والبريطانية في اليمن، كما هاجم الدور الفرنسي في اليمن زاعما وجود مطامع فرنسية عبر شركة توتال لنهب الغاز اليمني ولوح التنظيم باستهداف المصالح الاقتصادية الغربية في اليمن.
وجاء تهديد القاعدة على وقع تهديد مماثل أطلقه الحوثيون باستهداف منشأة بلحاف الغازية لتصدير الغاز المسال في محافظة شبوة، والتي تديرها شركة توتال الفرنسية.
وكان رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي قد كشف في الندوة التي أقامها (معهد واشنطن) عن اشتراط شركة توتال الفرنسية وجود ترتيبات واتفاق أمني خاص قبل استئناف العمل في منشأة بلحاف، وهو ما اعتبره مراقبون مؤشرا على رغبة باريس في تقاسم عائدات الغاز بين الحكومة الشرعية والحوثيين لمنع استهداف المنشأة من قبل الحوثيين.
ويؤكد خبراء أن تهديد القاعدة في هذا التوقيت قد يكون غطاء لأي عمل حوثي ضد منشأة تصدير الغاز المسال في شبوة والتي تعرضت في أوقات سابقة لهجمات بقذائف الهاون يعتقد أنها رسائل إخوانية تحت مزاعم وجود قاعدة للقوات الإماراتية في المنشأة التي توقف العمل فيها منذ العام 2015.
ولا يستبعد مراقبون أن تتحول القاعدة بشكل متزايد إلى مخلب قط حوثي إخواني مشترك، بهدف تحقيق مكاسب سياسية وابتزاز الخصوم المحليين والإقليميين والدوليين في مؤشر على اتساع حجم الاختراق للتنظيم الإرهابي الذي يخوض معركة ضد القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي منذ العام 2017.
عن خلفيات الصراع بين قوات المجلس الانتقالي والقاعدة في جنوب اليمن، يشير الباحث في شؤون الجماعات المسلحة في اليمن، مشير المشرعي في تصريح لـ”العرب” إلى أن جذور هذا العداء بين الطرفين تعود إلى العام 2010 حينما لعب مسلحو القبائل في أبين دورا رئيسيا في كبح جماح القاعدة ومنعها من التوسع والسيطرة على محافظة أبين نتيجة المقاومة التي أبدتها ما كانت تعرف بـ”اللجان الأمنية” بقيادة عبداللطيف السيد الذي أصبح اليوم قياديا في المجلس الانتقالي.
ولفت المشرعي إلى أنه عند اجتياح الحوثي للجنوب كانت قوات السيد من أوائل القوات التي تصدت لهذا الاجتياح وهو ما حفز التحالف العربي والإمارات بشكل خاص على تسليح وتدريب هذه القوات ودفعها إلى الانخراط في عمليات تحرير محافظة أبين بالكامل، ومع انضمام مسلحي عبداللطيف السيد إلى قوات المجلس الانتقالي انتقل إرث العداوة مع القاعدة إلى المجلس الانتقالي.
ويؤكد المشرعي وجود عوامل أخرى لتنامي الصراع بين الانتقالي والتحالف من جهة، والقاعدة وداعش من جهة أخرى وفي مقدمة ذلك التحريض المستمر من قنوات وناشطي الإخوان والحوثي التي جعلت قوات المجلس الانتقالي ودولة الإمارات الهدف الرئيسي لتنظيم القاعدة.
واعتبر الباحث السياسي اليمني ومدير مكتب ساوث 24 للدراسات في عدن، يعقوب السفياني أن الإصدار المرئي الأخير لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي بثته منصة ملاحم، يأتي بعد تصريحات رئيس المجلس الرئاسي حول محاولات إعادة تصدير الغاز اليمني عبر منشأة بلحاف في شبوة والمفاوضات مع شركة توتال الفرنسية حول الظروف والاشتراطات الأمنية، في ظل المخاوف من استهداف الحوثيين لهذه المنشأة أو غيرها من المنشآت النفطية في شبوة وحضرموت ومأرب.
وأشار السفياني في تصريحات لـ”العرب” إلى أن التنظيم يقف رسمياً الآن في صف واحد مع الحوثيين في مساعي إفشال أي محاولات لإعادة تصدير الغاز والنفط ورفد خزينة الدولة الشرعية.
وأضاف “لقد كان الإصدار بمثابة إعلان من القاعدة بدخوله خط الصراع على النفط والثورة واستهداف المصالح الأجنبية، الأميركية والفرنسية بالذات، في محافظات الجنوب وهو ما يعزز موقف الحوثيين أو ربما حتى يؤدي الدور الذي هدد بلعبه حال إتمام أي صفقات من أي نوع بين المجلس الرئاسي والشركات النفطية الأجنبية”.
ولفت السفياني إلى أن أزمة الطاقة العالمية الناتجة عن الأزمة الروسية الأوكرانية دفعت دول أوروبا والولايات المتحدة إلى البحث عن مصادر بديلة للطاقة في أماكن أخرى من العالم ومنها اليمن التي تتركز مصادر الطاقة فيها في الجنوب الخاضع رسمياً لسلطة المجلس الرئاسي. وزيارات السفير الفرنسي ومن قبله الأميركي الأخيرة تندرج ضمن هذا السياق وهذا التحرك الدولي لكبح جماح أزمة الطاقة الخطيرة التي ستبلغ أوجها في الشتاء القادم.
وتابع “رئيس المجلس الرئاسي كان قد اتهم الحوثيين رسميًا بأنهم أطلقوا سراح عناصر من القاعدة من سجونهم في صنعاء وأمروهم بالتوجه جنوبا في وقت تخوض فيه القوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي حربا مفتوحة مع تنظيم القاعدة في محافظتي أبين وشبوة. في كل الأحوال، لا يمكن النظر إلى النشاط الأخير للقاعدة إلا على أنه يخدم طرفين محليين بشكل رئيسي وهما جماعة الحوثي التي تحاول تحييد الثروة النفطية في أسوأ الأحوال إذا لم تستطع الحصول على حصتها منها، والإصلاح الذي يمارس كل أنواع الضغوط لاستعادة سيطرته على شبوة وإيقاف مساعي إخراج قواته من وادي حضرموت”.
وحول قراءته لتهديدات القاعدة باستهداف المصالح الاقتصادية، قال الخبير العسكري والأمني اليمني العقيد وضاح العوبلي إن هذه التهديدات تبعث بدلالات هامة مفادها أن تنظيم القاعدة يشهد احتضارا حقيقياً وهو يرى أن القوات الجنوبية تتأهب بشكل جدي لاقتحام آخر معاقله في محافظة أبين “مديرية المحفد” وهي المعقل الذي ظل محصناً لصالح التنظيم ولسنوات طويلة.
وأشار العوبلي في تصريح لـ”العرب” إلى أن تنظيم القاعدة يحاول أن يرمي بتهديداته هنا وهناك كآخر الأوراق المتبقية في يده وهي تنفيذ عمليات إرهابية لاستهداف المصالح الاقتصادية.
وأضاف “تهديدات القاعدة مستنسخة من التهديدات الحوثية الموجهة نحو المنشآت الاقتصادية والنفطية، وهي تريد بث مخاوف لدى الأطراف الغربية للدفع باتجاه تأجيل نبش عش الدبابير في هذا التوقيت الهام الذي يسبق الشتاء القارس في أوروبا”، حيث تتضافر الضغوط الغربية للبحث عن بدائل عن الغاز الروسي.