كتب / صايل حسن بن رباع..
اذا ما أهملنا الحديث عن الاسعار المرتفعه للعقارات مقارنة بالعائدات الإيجارية المتدنية جداً، وركزنا في اعلانات “بقعه” للبيع وعشوائية العقارات والمساحات المقسمه في المخططات في عدن والمدن الكبرى بالجنوب التي تستدعي السخرية والألم في نفس الوقت، بقع بمساحات 10X12 متر و15X15 متر، وعلى شوارع هي عبارة عن اوهام على المخططات وبدون خدمات وبدون اي ضمانات لجودة التنفيذ للبيوت في الحي وبما يحول كل المخططات في المستقبل لعشوائيات جديدة؟!.
تأخر القطاع العقاري في مدننا يعكس واقعًا مؤلمًا، لا يقتصر على الحاضر فحسب، بل ينذر بمستقبل أكثر قتامة، المخططات الحالية تعاني من غياب الخدمات المركزية والرؤية الاستراتيجية، مع اعتمادها على مساحات صغيرة من الأراضي التي لا تتيح تطوير تصاميم حضرية تعبر عن التمدن والحضارة.
“المطورون” من مشرعين مخططين وعقاريون بحاجة إلى إدراك أنهم لا ينشئون أحياءً سكنية فقط، بل ينسجون روايات تُحكى من خلال كل زاوية ونافذة، المدن التي تجمع بين أصالة الماضي وحداثة الحاضر تمثل تجارب معيشية استثنائية، تُظهر التوازن بين الإنسان ومحيطه، وبين التراث والابتكار، المدن ليست مجرد أماكن للعيش، بل هي مرآة تعكس تاريخنا وتُلهم تطلعاتنا للمستقبل.
تخطيط المدن العصرية يشبه لوحة فنية متقنة التفاصيل، تُراعى فيها احتياجات الإنسان المعاصر، شوارعها الواسعة تتسع للسيارات، الدراجات، والمشاة، مع وسائل نقل عامة مثل المترو والقطارات التي تربط أجزاء المدينة بسلاسة. تحت السطح، تعمل بنية تحتية ذكية توزع المياه، الكهرباء، الإنترنت، والخدمات بكفاءة، معتمدة على أحدث التقنيات لضمان استدامة وجودة الحياة.
في قلب هذه المدن، تمتد المساحات الخضراء كأوردة تمد الحياة بالهواء النقي وتضفي لمسة من الجمال والبهجة، النوافير، البحيرات، القنوات المائية، والمراسي ليست مجرد زينة، بل جزء لا يتجزأ من النسيج الحضري، الفضاء المفتوح يمنح شعورًا بالحرية، وهو شعور لا يُقدر بثمن.
تتميز المدن العصرية بقدرتها على تقديم تجربة شاملة تجمع بين العمل، التعليم، والترفيه، مناطق العمل تتنوع بين أبراج حديثة ومكاتب منزلية مصممة بذكاء، التعليم يتجاوز المدارس والجامعات ليشمل مراكز أبحاث، مكتبات، وحواضن تقنية تعزز المعرفة، أما الترفيه، فيمتد من المسارح والمتاحف إلى الملاعب الرياضية.
ولعل العنصر الأكثر إلهامًا في تصميم مدننا العربية العصرية هو استلهام التراث الثقافي، ليجعلها ألبومًا من الصور الحية التي تعكس تاريخنا، يمكن أن تتجلى هذه اللمسات في بيوت الشعر والخيام العربية، أو في بيوت الطين المستوحاة من شبام حضرموت التي تبرز البساطة والكفاءة، أو في واجهات الحجر البازلتي ذات الخطوط البيضاء التي تستحضر جوامع دمشق العريقة.
كما يمكن دمج النقوش الشامية، النوافير، وأثاث دمشق المزين بالعاج، مع عناصر العمارة الأندلسية والمغربية من أقواس، قباب، وفسيفساء، ولا ننسى قمريات التراث وألوانها في يافع، حضرموت، صنعاء، أو أنماط التراث الخليجي كأبراج البراجيل والقلاع التاريخية.
المدن ليست مجرد أبنية وشوارع، بل هي قصص تروي حكايات عن الماضي وتُلهم المستقبل.. نحن بحاجة لفكر جديد في تخطيط وتطوير المدن تسهم به كل القطاعات الحكومية والخاصة، دمتم بخير.