كتب ✍️🏻 : علي بن غالب ..
رغم أن تهامة تُعد واحدة من أغنى المناطق اليمنية بالثروات الطبيعية والموقع الاستراتيجي، إلا أن سكانها يعيشون في فقر مدقع وتهميش ممنهج جعلهم في أسوأ الظروف الإنسانية والاقتصادية. منذ عقود طويلة، تعاملت السلطات المتعاقبة مع تهامة كمنطقة تُستغل مواردها دون أن يحصل أهلها على أي حق في هذه الثروات، فحُرموا من التعليم، والصحة، والتنمية، وحتى من حق المواطنة المتساوية، وظلوا يعانون تحت وطأة سياسات تكرس الإقصاء والاستعباد. وما زاد الوضع سوءًا أن كل من يطالب بحقوقه أو يدعو إلى رفع الظلم عن تهامة يجد نفسه في المعتقل، حيث يواجه أبشع أشكال التعذيب والقمع، في صورة تجسد مدى الظلم الذي لحق بأهل هذه المنطقة على مر السنين.
يعد التعليم أحد أبرز مظاهر الحرمان الذي يعاني منه أبناء تهامة، حيث يضطر الأطفال للدراسة تحت الأشجار أو في مبانٍ متهالكة لا تصلح لأن تكون مدارس. في كثير من القرى والمناطق، لا توجد مدارس على الإطلاق، ما يجعل التعليم حلمًا بعيد المنال لكثير من الأطفال. حتى المدارس القليلة المتوفرة تعاني من نقص المعلمين والمناهج والإمكانيات الأساسية، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التسرب من التعليم وانتشار الأمية بين الأجيال الشابة. ورغم المطالبات المستمرة بتحسين أوضاع التعليم، إلا أن الحكومات السابقة لم تكترث لهذه المعاناة، بل استمرت في تجاهلها المتعمد لاحتياجات سكان تهامة.
الحرمان لم يقتصر على التعليم، بل امتد إلى جميع جوانب الحياة، حيث يعاني أبناء تهامة من البطالة والفقر بسبب غياب فرص العمل والتنمية. يتم استبعادهم بشكل متعمد من الوظائف الحكومية والمناصب القيادية، مما أجبر الكثير منهم على النزوح إلى مناطق أخرى بحثًا عن لقمة العيش. حتى المزارعين والصيادين الذين يعتمدون على موارد تهامة الطبيعية يجدون أنفسهم في مواجهة قيود مجحفة، إذ يتم الاستيلاء على أراضيهم، أو فرض إتاوات باهظة عليهم من قبل جهات متنفذة، مما يجعلهم غير قادرين على الاستفادة من ثروات أرضهم وبحرهم.
وبالإضافة إلى هذا التهميش الاقتصادي، تعرضت تهامة لحملات واسعة من نهب الأراضي، حيث تم الاستيلاء على مساحات شاسعة من أراضي السكان الأصليين بالقوة، دون أن يتم تعويضهم أو منحهم أي حقوق. هذه السياسة الممنهجة أدت إلى تهجير العديد من الأسر، وجعلتهم يعيشون بلا مأوى في مساكن بدائية لا تليق بالبشر، بينما استحوذ المتنفذون على أراضيهم وأعادوا توزيعها بينهم. هذا النهب المنظم لم يقتصر على الأراضي الزراعية فقط، بل امتد ليشمل الموارد الاقتصادية الأخرى، مثل الثروة السمكية، التي أصبحت تحت سيطرة قوى لا تسمح لسكان تهامة بالاستفادة منها، مما دفع بالكثير منهم إلى الهجرة أو العمل في مهن شاقة لا تتناسب مع إمكانياتهم.
الأخطر من كل ذلك هو القمع الوحشي الذي يواجهه أبناء تهامة عند مطالبتهم بحقوقهم المشروعة. فمنذ زمن الحكومات السابقة، كان يتم اعتقال كل من يرفع صوته مطالبًا بتحسين أوضاع المنطقة، حيث تعرض النشطاء والمدافعون عن حقوق تهامة للاعتقال التعسفي والتعذيب داخل السجون، وتم التضييق عليهم بشتى الطرق لمنعهم من الاستمرار في المطالبة بحقوقهم. ولم يكن الوضع في ظل حكم جماعة الحوثي أفضل، بل ازداد القمع بشكل أكبر، حيث أصبح الاعتقال مصير أي شخص يجرؤ على الحديث عن تهميش تهامة أو يطالب بتحسين أوضاعها.
في سجون الحوثيين، يواجه المعتقلون التهاميون أسوأ أشكال التعذيب، حيث يتم تعريضهم للضرب المبرح، والصعق بالكهرباء، والحرمان من الطعام والماء، وغيرها من الوسائل الوحشية التي تهدف إلى كسر إرادتهم. كثير من المعتقلين لا يخرجون من السجن إلا وهم في حالة صحية متدهورة، والبعض لا يخرج إلا جثة هامدة. التقارير الحقوقية وثقت شهادات مروعة عن معتقلين تعرضوا لانتهاكات جسيمة لمجرد أنهم طالبوا بحقهم في التعليم أو الوظيفة أو حتى اعترضوا على نهب أراضيهم.
أما التجار التهاميون، فقد كانوا هدفًا لحملات تدمير منظمة، حيث تم فرض ضرائب وإتاوات باهظة عليهم، وأجبروا على دفع مبالغ مالية طائلة تحت التهديد، مما أدى إلى إفلاس العديد منهم، وإغلاق محلاتهم، وهروب البعض إلى خارج اليمن. هذه الحرب الاقتصادية الممنهجة هدفت إلى تفريغ تهامة من رجال الأعمال والتجار، حتى لا يكون لها أي نفوذ اقتصادي، وليظل سكانها في حالة عوز دائم يجعلهم غير قادرين على المقاومة أو المطالبة بحقوقهم.
في ظل كل هذه المآسي، يشعر أبناء تهامة بأنهم غرباء في وطنهم، وكأنهم ليسوا جزءًا من هذا البلد الذي يستغل مواردهم لكنه يرفض منحهم أدنى حقوقهم الإنسانية. رغم كل المعاناة، فإن الأمل لا يزال قائمًا بأن تستعيد تهامة مكانتها الطبيعية في الخارطة اليمنية، وأن يحصل أبناؤها على حقوقهم المسلوبة. لكن ذلك لن يتحقق إلا بجهود حقيقية لرفع الظلم، وإنهاء التهميش، وتحقيق العدالة لسكان هذه المنطقة التي قدمت الكثير لليمن لكنها لم تحصل على شيء في المقابل…