ضع اعلانك هنا

عبد الصمد القليسي حضور رائع..

•• كتب الاستاذ / عبد الباري طاهر..

الأستاذ المثقف والأديب الشاعر والإداري الكفء عبد الصمد كامل القليسي، بدأ الرحلة طالبًا في القاهرة منذ المراحل الأساس؛ شأن العشرات والمئات من أبناء اليمن في خمسينات وستينات القرن الماضي..

عمل في الإذاعة في البدايات، وتزامل مع الأستاذ محمد بن عبد الله البابلي، واشتركا معًا في إضراب المذيعين والتحريض عليه..

عملنا مقابلة هو وأنا مع الأستاذ البابلي عن سيرة البابلي العطرة، ونشرت على حلقتين في صحيفة «الأمل». وذكر البابلي بالتفصيل قصة الإضراب في الإذاعة وبرقية الإمام: “منْ أضربْ يُضرَبْ”..

وذكر على سبيل النكتة التي كان بارعًا فيها وأحد صناعها أنَّ مدير الإذاعة ربط حماره قرب الاستديو، وعندما بدأ المذيع في البثّ نهق الحمار؛ فغطى صوته على المذيع؛ فأرسل الإمام من تعز برقية: “مبروك زميلكم الجديد”..

كان عبد الصمد في طليعة التأسيس للبنك المركزي، وقد تعارفنا أواخر الستينات عندما كان مسئولاً في شركة الملح في الصليف..

حضوره السياسي والأدبي والثقافي قوي منذ الدعوات للثورة والجمهورية. وغنى للثورة، وغرامه بالفن والفنانين والعود كبير. اتقن العزف، وكتب الكلمات الغنائية، وغنى للثورة والبن..

عبد الصمد حُسِبَ على بعض تيارات الفكر القومي، كما حسب على اليسار، ولكنه كان مستقلاً، وكان حزبًا حقيقيًّا. دافع عن الثورة والجمهورية في الستينات والسبعينات، وكان الصوت الداوي في مواجهة القُوَى التقليدية والإسلام السياسي في حصار السبعين يومًا..

كان في مقدمة الصفوف دِفاعًا عن مدينة صنعاء وعن اليمن والثورة، وعندما دعا أحد الشيوخ إلى خروج الوافدين إلى صنعاء من غير أبنائها، رد عليه عبد الصمد: صنعاء لنا كلنا مِشْ هِيْ لابوك وحدك..

كتاباته في الثورة وتعليقاته الساخرة تتداول كالحكم والأمثال. المثقف الواسع الاطلاع والعارف بالقيم والتقاليد والعادات انغمس بالمجتمع والحياة السياسية والأدبية والثقافية..

عُيِّنَ بعد الثالث عشر من يونيو 1974 مديرًا عامًا للثقافة، ثم مديرًا عامًا للتلفزيون، ولكن انتقاداته اللاذعة لبعض الأصوات أدت إلى إبعاده..

كان في طليعة التأسيس لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وعضوية لجنته التنفيذية. نشاطه الواسع، ومعاناته أوسع. كتب القصيدة الحديثة (محاولة لتجميع الوجه الغائب)، أما مقالاته السياسية فلها مذاق خاص. فهو حاد الذكاء في السخرية والنقد، ويساري بالفطرة..

كان الأكثر ابتعادًا عن الأحزاب، وهو حزب وحده. أتذكر عندما كان مديرًا عامًا لمزكز الدراسات والبحوث، وكتب مقدمة لكتاب «طبق الحلوي وصِحاف المنِّ والسلوى»، للمؤرخ عبد الله بن علي الوزير، بتحقيق الزميل محمد عبد الرحيم جازم، وتضمنت المقدمة رأيًا في ربط الطائفية في اليمن بالبُعْد الجغرافي أكثر منه بالاعتقاد المذهبي؛ فقامت الدنيا ولم تقعد..

ويقينًا، فإنَّ الخلافات اليمنية وحتى الصراعات بعدها الجهوي والمناطقي أكثر من الطائفي..

حزنت كثيرًا عندما قرأت تعليقه في التواصل الاجتماعي: أنه لم يصل بعد إلى التسعين، ومع ذلك، فهو حيٌ كميِّتٍ والسلام..

تمتد صداقتنا لما يقرب من نصف قرن، وعملنا معًا في الثقافة، وفي مركز الدارسات، هو المدير في الحالتين، وتقاعدنا معًا، وظللنا لعدة أشهر في شريعة على سنوات الخدمة واستحقاق المعاش…

ضع اعلانك هنا