تكتظ شوارع صنعاء بالكلاب الضالة في الآونة الأخيرة، حيث تتجول الآلاف منها ليلَ نهار، بمناطق وأحياء مأهولة بالسكان، في مشهد مخيف ويشكّل خطرًا كبيرًا على المدنيين، سيما الأطفال والنساء، وسط ارتفاع شكاوى المواطنين من إهمال السلطات المحلية للحدّ من تلك الظاهرة.
في الفترة الأخيرة، تناول ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي صورًا وفيديوهات تُبيّن حجم الانتشار الكثيف لهذه الكلاب، مطالبين السلطات المحلية سرعة وضع حدٍّ لهذا الخطر المحدق.
من جهته، يقول عبدالملك الحسني، مدير مكافحة الكلاب بأمانة العاصمة صنعاء، لـ”خيوط”: “إنه على عكس ما يشاع أنّ الكلاب تكاثرت بشكل كبير، فقد تقلصت أعدادها من 80 ألف كلب ضالّ في 2018، إلى 30 ألف حاليًّا، وذلك في نطاق أمانة العاصمة والمديريات المجاورة لها”، مؤكِّدًا أنّ مكافحة الكلاب الضالة تتم أولًا بأول، رغم شحّة الإمكانيات المتاحة.
أمراض معدية
تنقل الكلاب الضالة عدةَ أمراض إلى الإنسان، ذات خطورة كبيرة، مثل: (البروسيلا)، ومرض السل، والعديد من الطفيليات، مثل طفيل الحويصلات الهوائية والمائية، إلى جانب أنّها سبب رئيس للإجهاض المتكرر.
من بين كل الذين يتعرضون لعضات الكلاب المسعورة يتصدر الأطفال القائمة، محمد (أربع سنوات)، تعرض لما يشبه الخدوش في وجهه أمام منزله في حارة (زينب)- مذبح، من قبل كلب، ظن والداه أنه لم يستطع عضه فتجاهلا إسعافه، ولكن بعد أسبوعين بدت على محمد أعراض الحمى والتعب والوهن
حول هذه الأمراض يتحدث لـ”خيوط”، علي النجار، طبيب بيطري، قائلًا: “تُسبّب الكلاب الضالة مشاكل صحية كثيرة، أبرزها سعار الكلب الذي ينتقل عن طريق العض من كلب مصاب للإنسان، وهو أخطر الأمراض الفيروسية، علاوة على أمراض أخرى جلدية وطفيليات، والقوباء الحلقية”.
معاناة أكبر في الضواحي
يشكو السكان في أطراف صنعاء، مثل: حزيز، ودار سلم، وبلاد الروس، وجَدِر، من تقصير الجهات المعنية وعدم القيام بواجباتها على أكمل وجه. توفِّي الثلاثيني حزام في مطلع يونيو/ حزيران الفائت، بعد نحو ٢٥ يومًا من إصابته بعضة كلب في أنفه، كان قد تعرّض لها في منطقة سنحان (جنوب العاصمة اليمنية صنعاء)، دون أن يتلقى مصل داء الكلب مباشرة بعد الحادث، بسبب عدم وجود اللقاح في منطقته، كما قال أخوه لـ”خيوط”.
ووفقًا للحسني، فإنّ أسباب تزايد أعداد الكلاب في أطراف صنعاء يرجع لهجرتها من القرى إلى المدينة، علاوة على ارتفاع معدلات الإنجاب لدى الكلاب في السنة الواحدة، إذ تُنجِب الكلاب حوالي 16 جروًا في مرتين من الإنجاب، لذلك تجد الكلاب في أطراف العاصمة مكانًا ملائمًا للتكاثر.
الأطفال أكثر عرضة
من بين كل الذين يتعرضون لعضات الكلاب المسعورة يتصدر الأطفال القائمة، محمد (أربع سنوات)، تعرّض لما يشبه الخدوش في وجهه أمام منزله في حارة (زينب) مذبح من قبل كلب، ظن والداه أنه لم يستطع عضه فتجاهلا إسعافه، ولكن بعد أسبوعين بدت على محمد أعراض الحمى والتعب والوهن.
تقول والدة الطفل لـ”خيوط”: “تجاهلنا نصيحة أخذ جرعة التسمم، فساءت حالة محمد أكثر، وظهرت عليه أعراض الفيروس؛ حمى، إرهاق، وهن، حكة في الرأس وخوف من الماء.”
تتابع: “بعد إسعافه إلى العيادة القريبة، لاحظ الطبيب أنّ سلوك محمد غريب، وتساءل: هل تعرّض لهجوم كلب أو قط؟! لينصح عندها بسرعة تلقي اللقاح، لكن الفيروس كان قد تمركز في الدماغ، تدهورت حالة ابني كثيرًا، إلى أنّ فارق الحياة في نفس الليلة”، تختم حديثها باكية.
حال محمد نموذجٌ لحال عشرات الأطفال الذين أصيبوا بفوبيا الكلاب في الجراف، حيث تنتشر الكلاب الضالة أمام صناديق القمامة ومقابل المدارس الأساسية في المنطقة وبجوار السيارات التي تقف أمام المنازل.
لقاح غير مدعوم
في حال كان الكلب مصابًا بداء السعار تصل الخطورة إلى الموت، بالإضافة لأضرار صحية جسيمة في أحسن الأحوال، وبالرغم من ذلك قد لا يجد المصابُ اللقاحَ المطلوب بسبب العذر الرسمي الذي يقول إنّ اللقاح غير مدعوم من قبل الدولة، ما يضطر المواطن لشرائه بأسعار باهظة، البعض يفقد حياته لعدم قدرته على شراء اللقاح؛ العشريني وسيم البكري، لفظ أنفاسه الأخيرة مطلع أغسطس/ آب بعد أن انهار جهازه العصبي، وتشقّقت جمجمته من الصدوع والآلام كما حكى لـ”خيوط”، أحد أقربائه، موضحًا أنّ البكري تأخر في تلقي اللقاح الذي تلقى جرعة واحدة منه بـ15,000 ريال.
شرف صلاح، صيدلاني، يقول لـ”خيوط”، إنّ اللقاح يباع في مراكز مخصصة لداء الكلب وأسعاره تتفاوت من 7 إلى 10 آلاف، مؤكدًا عدم دعم اللقاح، لا من قبل الحكومة ولا من قبل المنظمات الصحية، ويرجع صلاح هذا الارتفاع في السعر إلى زيادة الطلب على اللقاح، مع تزايد أعداد الضحايا.
مركز وحيد
توقف المراكز المختصة بداء الكلب في المحافظات المجاورة للعاصمة، أدّى إلى ضغط على وحدة داء الكلب بهيئة المستشفى الجمهوري التي تتكون من ملحق عبارة عن خيمة، تقع خلف مبنى المستشفى الجمهوري.
في هذا الصدد، يقول الدكتور عبده غراب، مدير المركز، لـ”خيوط” تستقبل وحدة داء الكلب في المشفى الجمهوري من (30-40) حالة يوميًّا، مؤكدًا أنّ المركز استقبل خلال هذه السنة (2700) حالة إصابة، توفِّي منها (30) حالة داخل المركز فقط، وحسب سجل المرضى في المركز، فإنّ الضحايا في تزايد مستمر، محذرًا من نفاد اللقاحات تمامًا في المستشفيات الحكومية، إذ وصل سعر الجرعة في الصيدليات الأهلية إلى (50) دولاراً