يشهد الشرق الأوسط تحولًا استراتيجيًا منذ أكتوبر 2023، مع انتقال الصراع من طابع محلي إلى مواجهة إقليمية مفتوحة، حيث برز البحر الأحمر كمسرح جديد للتوترات بين إيران وإسرائيل، فيما أصبح اليمن مركز الثقل في هذا المشهد بحكم موقعه الجغرافي وإشرافه على مضيق باب المندب، الذي يمر عبره نحو 12% من التجارة العالمية، وتعتمد عليه إسرائيل بشكل شبه كلي.
انخراط جماعة الحوثي، كأداة إيرانية في استهداف السفن التجارية والنفطية، أدى إلى تعطيل الملاحة الدولية، ما أجبر شركات الشحن على تحويل مساراتها عبر رأس الرجاء الصالح، ورفع تكاليف النقل البحري عالميًا.
هذا التصعيد ترك آثارًا اقتصادية جسيمة؛ فقد خسرت مصر مئات الملايين من الدولارات من إيرادات قناة السويس، وتضررت دول القرن الأفريقي، بينما كان اليمن الخاسر الأكبر، إذ ارتفعت أسعار الغذاء والدواء وتراجعت المساعدات الإنسانية.
وردًا على ذلك، شنت إسرائيل ضربات جوية وبحرية على مواقع الحوثيين داخل اليمن، متجاوزة إطار المواجهة التقليدية مع إيران، وهو ما أدى إلى تدويل الأزمة وظهور تحالفات بحرية دولية لحماية الملاحة، مثل عملية “حارس الازدهار”.
تحوّل الحوثيون من حركة محلية إلى ذراع إقليمية لإيران، تنفذ استراتيجيتها في تهديد إسرائيل والملاحة الدولية دون مواجهة مباشرة. ورغم الضربات الإسرائيلية، أظهرت الجماعة قدرة على التكيف واستخدمت الهجمات كدعاية لتعزيز صورتها كمقاومة، غير أن اليمنيين دفعوا الثمن غاليًا عبر تفاقم الأوضاع المعيشية والإنسانية.
تقوم الاستراتيجية الإسرائيلية على الضربات الاستباقية، بهدف ردع الحوثيين وتوجيه رسالة لإيران، لكنها تحولت إلى معركة استنزاف طويلة الأمد فاقمت الأزمة الإنسانية، وأضعفت ما تبقى من سيادة الدولة اليمنية.
اقتصاديًا، أدى اضطراب الملاحة إلى شلل شبه كامل في الموانئ وارتفاع قياسي في أسعار السلع الأساسية. إنسانيًا، دُمرت مرافق مدنية وتوقفت خدمات أساسية، ونتج عن ذلك نزوح داخلي جديد. أما سياديًا، فقد تحولت أراضي اليمن ومياهه إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.
إقليميًا، تراجعت إيرادات قناة السويس، وارتفعت المخاوف الخليجية من تمدد النفوذ الإيراني، فيما أدى الصراع إلى عسكرة البحر الأحمر وتزايد التنافس الدولي في القرن الأفريقي.
النتائج المترتبة على الصراع:
هشاشة الوضع اليمني أمام التحديات الإقليمية والدولية.
تفاقم خطر المجاعة والفقر بسبب التضخم وانكماش النشاط الاقتصادي.
تعزيز مكانة الحوثيين إقليميًا واكتسابهم شرعية دعائية كمقاومة.
السيناريوهات المحتملة:
استمرار التصعيد بضبط محدود عبر هجمات متقطعة واستنزاف متبادل.
تهدئة مؤقتة عبر وساطات إقليمية (عُمان وقطر) تتيح انفراجًا هشًا دون معالجة جذور الصراع الإيراني–الإسرائيلي.
وهكذا تحول اليمن إلى محور صراع إقليمي ودولي معقد، وبات اليمنيون الحلقة الأضعف في معادلة تتقاطع فيها الحسابات العسكرية مع الأبعاد الإنسانية.
الحل يكمن في تحييد اليمن عن صراعات المحاور، واعتماد مقاربة تضع الأولوية للبعد الإنساني والاقتصادي، باعتباره المدخل الحقيقي للاستقرار الدائم…