ضع اعلانك هنا

الحزب الاشتراكي اليمني… مشروع الدولة لا وهم السلطة…

الكاتبه / دعاء احمد …

منشور برس / صحيفة الثوري- كتابات..

منذ اللحظة الأولى لانبثاق فجر الاستقلال الوطني، لم يكن الحزب الاشتراكي اليمني مجرد إطار سياسي يطمح للوصول إلى السلطة، بل كان حاملاً لمشروع تحرري وطني لبناء الدولة من العدم. في جنوبٍ كان ممزقًا بين السلطنات والكيانات المتصارعة، خاض الحزب معركة تاريخية لبناء مؤسسات الدولة الحديثة، واضعًا أسس النظام الجمهوري المدني، ومؤمِنًا بأن اليمن لا يمكن أن يتقدم إلا ببناء دولة يسود فيها القانون وتزدهر فيها العدالة وتتحقق فيها المواطنة المتساوية.

لقد أسس الحزب الاشتراكي دولة لم تكن موجودة، دولة مؤسسات لا عصبيات، دولة خدمات لا جبايات، دولة تعليم وصحة وقانون. أنشأ جهازًا إداريًا عصريًا وقضاءً مستقلًا، وبنى جيشًا وطنيًا يحمي السيادة لا الثروات الخاصة. وفي التعليم، فتح الحزب آفاق المستقبل لأجيال كاملة، عبر نظام تعليمي مجاني وشامل، وصل إلى أعماق الريف، واهتم بتعليم المرأة، وفتح مدارس للبدو والرحل، وأطلق حملات لمحو الأمية لم تعرف البلاد مثلها من قبل.

الاشتراكي لم يبنِ فقط جدران المدارس والمستشفيات، بل بنى الوعي العام. تبنّى قانون الأسرة، كواحد من أول القوانين في المنطقة العربية التي نظّمت الحياة الأسرية على قاعدة المساواة والكرامة والحقوق. وكرّس مفهوم التعاونيات كآلية تنموية تشاركية، ساهمت في النهوض الاقتصادي وتحقيق الاكتفاء وتقليل الفجوة بين الريف والحضر.

وعندما جاءت الوحدة عام 1990، دخلها الحزب الاشتراكي بشجاعة حاملاً مشروع الدولة الديمقراطية المدنية، وقدم رؤى واضحة لبناء نظام تعددي يضمن الحريات والحقوق والعدالة. لكن العقلية المتخلفة التي تحكمت في القرار ساعتها لم تكن مستعدة لهذا المشروع، فتم الانقلاب عليه في حرب 1994، التي لم تُسقط الاشتراكي كحزب فقط، بل أسقطت مشروع الدولة كلها، وكرّست النهب والفساد والإقصاء.

لم يتراجع الحزب. ظل واقفًا، حاملاً القضية الجنوبية، مدافعًا عنها منذ اللحظة الأولى، من مقراته التي انطلقت منها أولى فعاليات الحراك السلمي الجنوبي، ومن قواعده التي شكلت نواة هذا الحراك، في الداخل والخارج، في المؤتمرات والمنابر، في الشارع والميدان. الحزب لم يكن تابعًا لصوت الحراك، بل كان منبعه وضميره الحي، رافعًا راية الجنوب العادل والحر، ومدافعًا عن المظلومية والمواطنة وحق تقرير المصير.

اليوم، يحاول البعض أن يشيطن الحزب الاشتراكي اليمني، ويصمه بالقصور أو الفشل، بينما الواقع يصرخ بأن الحزب هو الوحيد الذي قدّم نموذج دولة حقيقية. كل من جاء بعده لم ينتج إلا الخراب والنهب والفوضى والانقسامات. واليوم، ونحن على مفترق طرق، يبقى الحزب الاشتراكي اليمني هو الأكثر وضوحًا في موقفه، والأكثر التزامًا بمشروع الدولة، لا الدولة الممزقة، ولا الميليشيا، ولا التوريث، ولا الفيد.

الحزب الاشتراكي ليس حزب الماضي، بل حزب المستقبل. هو ذاكرة وطنية لا تموت، ومشروع دولة لا يفنى، وشريك أصيل في أي معادلة لبناء يمن اتحادي عادل. ومن يهاجمه اليوم، إنما يحارب فكرة الدولة ذاتها، ويكشف عن جهله بحقائق التاريخ، أو تورطه في مشاريع التقسيم والنهب. الحزب الاشتراكي اليمني سيبقى، لأن الشعوب لا تنسى من أنار لها طريق الدولة، مهما تكاثرت عليها أصوات النشاز…

ضع اعلانك هنا