ضع اعلانك هنا

رؤية اقتصادية نحو الاكتفاء الذاتي.. سياسات حكومية في صنعاء لتوطين الإنتاج المحلي وتخفيض الواردات…

• كتب: نزار الخرساني…

في ظل ظروف اقتصادية استثنائية تشهدها اليمن منذ سنوات، أطلقت حكومة التغيير والبناء في صنعاء سلسلة من القرارات والسياسات الاقتصادية الطموحة، الهادفة إلى تحقيق قدر أكبر من الاستقلال الاقتصادي عبر توطين الإنتاج المحلي وتقليص الاعتماد على الواردات الأجنبية. وتأتي هذه السياسات كجزء من رؤية متكاملة لبناء اقتصاد مقاوم ومستدام، خاصة في ظل استمرار الحصار وصعوبة الوصول إلى العملة الصعبة.
تعكس هذه السياسات توجهاً واضحاً نحو تحفيز القطاع الإنتاجي الوطني، بما في ذلك الصناعات الغذائية، والصناعات التحويلية، والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وقد بدأت الحكومة فعلياً باتخاذ خطوات تنفيذية ملموسة تشمل الحظر التدريجي لبعض السلع المستوردة، وتقييد كميات أخرى، إلى جانب توفير حوافز وضمانات للمصنعين المحليين.
وكان القرار المشترك الصادر عن وزارتي المالية والاقتصاد والصناعة والاستثمار في الثاني من يوليو 2025، أحد أبرز هذه الخطوات، إذ نص على الحظر النهائي لاستيراد عدد من السلع التي يغطي المنتج المحلي احتياج السوق بالكامل، مثل العصائر والمياه المعدنية والألبان المعلبة، ابتداءً من أغسطس 2025، بالإضافة إلى تقييد استيراد سلع أخرى ابتداءً من يوليو 2025.
كما شملت السياسة الحكومية، وفقاً لما أُعلن في أكثر من مناسبة، منح امتيازات وحوافز للمصنعين الوطنيين، تضمنت إعفاءات جمركية وضريبية، وتوفير المواد الخام، وتسهيل الإجراءات الإدارية، ضمن برنامج دعم رسمي يستهدف تأهيل نحو 75 مصنعاً قائماً، وإنشاء 30 مشروعاً إنتاجياً جديداً حتى نهاية 2025، بتمويل حكومي يقدّر بأكثر من 20 مليار ريال.

من جانبه، أكد وزير المالية عبد الجبار أحمد، أن هذه السياسات تأتي ضمن رؤية شاملة تهدف إلى بناء قاعدة إنتاجية وطنية، تعزز من قدرة اليمن على تلبية احتياجاته الأساسية، وتوفر آلاف فرص العمل في مختلف المحافظات. كما أشار إلى أن القرار المشترك مع وزارة الاقتصاد جاء بعد مشاورات مكثفة مع القطاع التجاري، لضمان سلاسة التطبيق وعدم الإضرار بمصالح المستوردين.
وتشير البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الاقتصاد إلى أن اليمن لا يزال يعتمد على الواردات لتلبية ما يقرب من 80% من احتياجاته الغذائية، في حين لا يغطي الإنتاج الزراعي المحلي سوى 15 إلى 20% من الاحتياجات الفعلية، ما يبرز الحاجة الملحة إلى رفع مستوى الاكتفاء الذاتي، لا سيما في ظل ارتفاع تكاليف الشحن وتقلبات أسعار الغذاء عالمياً.
وفي قطاع التصنيع، تُظهر التقديرات أن نسبة كبيرة من السلع المستوردة مثل المنظفات، المياه الغازية، البلاستيكات، والبقوليات المعلبة يمكن إنتاجها محلياً بجودة مماثلة وتكلفة منافسة، وهو ما دفع الحكومة إلى إعداد قائمة تضم أكثر من 25 سلعة مستهدفة ببرامج إحلال واردات تدريجية.
ويؤكد خبراء اقتصاديون أن نجاح هذه السياسات يتوقف على مدى التزام الجهات الرسمية بالتنفيذ الشفاف، وتوفير البيئة المحفّزة للاستثمار، إلى جانب تبني حملة وطنية لتعزيز ثقة المستهلك اليمني بالمنتج المحلي، وربط القرار الاقتصادي بالبعد السيادي والأمني للبلاد.
وبينما تتجه الأنظار إلى نتائج هذه السياسات على المدى المتوسط، يرى مراقبون أن حكومة صنعاء تخطو نحو مرحلة جديدة من التحول الاقتصادي، تحاول من خلالها إعادة تعريف دور الدولة في التنمية، وبناء نموذج إنتاجي يراعي الواقع المحلي ويتطلع إلى مستقبل أكثر استقراراً وتوازناً.
إن التوجه الرسمي نحو توطين الإنتاج المحلي لا يمثل فقط استجابة ظرفية للضغوط الراهنة، بل هو رهان استراتيجي على قدرات اليمن الذاتية، وفرصة تاريخية لإعادة بناء اقتصاد حقيقي يقوم على العمل والإنتاج، لا على الاستيراد والاعتماد على الخارج.
وفي هذا السياق، يبرز مطلب اقتصادي وإنساني ملحّ تدعو إليه الأوساط التجارية والاقتصادية، وهو ضرورة أن تراعي الحكومة ممثلة بوزارتي المالية والاقتصاد، رفع القيود وإجراءات المقاطعة عن السلع الضرورية الحيوية التي لا تتوفر لها أي بدائل محلية ولا يمكن للاقتصاد الوطني تصنيعها، مثل المولدات الكهربائية، والمعدات الصناعية الثقيلة والأجهزة الطبية، وذلك لضمان استمرارية الخدمات الأساسية والإنتاج في مختلف القطاعات. إذ إن استمرار الحظر على هذه الفئات من السلع قد يضر بالقطاع الصناعي نفسه ويقوّض جهود التنمية، وهو ما يتطلب مراجعة دقيقة وواقعية للسياسات الاقتصادية بما يوازن بين أهداف الاكتفاء الذاتي وضرورات المرحلة…

ضع اعلانك هنا