غدير علي
“كل شيء غالٍ، والتجار يتحجّجُون بارتفاع سعر الصرف، لقد دفعني هذا الوضع لإخراج جميع أبنائي من المدرسة لمساعدتي في توفير احتياجاتنا المعيشية، ماعدا الابن الأصغر الذي يدرس في الصف الخامس من التعليم الأساسي”. بهذه الكلمات، صرخ بحرقة عدنان عوض، أب لثمانية أطفال، شاكيًا لـ”خيوط”، الوضعَ المعيشي الصعب الذي يتزامن مع بداية السنة الدراسية الجديدة، حيث عبء المستلزمات الدراسية حمل إضافي لم يستطع تحمله.
يوضح عدنان، تأثير ذلك على أسرته وأولاده الذين سيُجبرون على التوجه إلى سوق العمل، بدلًا من الاستمرار في التعليم: “أولادي سيعملون للأسف؛ إذ لم يعد قادرًا على توفير متطلبات المعيشة والدراسة.
وتحول العام الدراسي الجديد إلى كابوس يؤرق الأسر اليمنية مع ارتفاع تكاليف الرسوم والمستلزمات الدراسية، كما هو حاصل في تعز (جنوب غربي اليمن) والتابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، في ظل تدهور معيشي يطال مختلف فئات المجتمع التي أثر هذا التدهور على أولوياتها في الإنفاق على المتطلبات الضرورية للاحتياجات المعيشية.وخلال سنوات الحرب الماضية التي تشهدها اليمن منذ العام 2015، تعرضت بعض المدارس بتعز، وفق إحصائية رسمية، للتدمير، سواء تدمير كلّي أو جزئي نتيجة للحرب الدائرة، كما أنّ هناك مدارس توقفت لوقوعها في مناطق التماس، إذ بلغت المدارس المُدمّرة بمدينة تعز نحو 47 مدرسة مُدمّرة كُليًّا، و103 جزئيًّا.
تدهور مريع للتعليم
يبدو حال عوض استثناء؛ فكثير من الأسر اليمنية المثقلة بالأعباء المعيشية عاجزة عن توفير المستلزمات الدراسية لأبنائها مع بداية كل سنة دراسية، في ظل ارتفاع أسعارها وتدهور الوضع الاقتصادي، واستمرار انقطاع مرتبات الموظفين المدنيين منذ نهاية العام 2016، ما يهدد بحرمان آلاف الطلاب من دخول المدارس كما يحصل سنويًّا منذ نحو سبع سنوات.
وتسببت الحرب والصراع الدائر في اليمن، في انقسام مؤسسات الدولة والذي شملت انعكاساته التعليم المدرسي الذي يبدأ هذا العام بموعدين مختلفين بين عدن والمناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا والتي حددت 7 أغسطس/ آب الجاري 2022، موعدَ بَدء العام الدراسي الجديد لهذا العام، في حين انطلق في صنعاء ومناطق نفوذ أنصار الله (الحوثيين) في 31 يوليو/ تموز الماضي 2022.
تبدو هذه السنة أشد وطأة على كاهل الأسر اليمنية الفقيرة في ظل تفاقم تبعات الحرب والصراع الدائر في اليمن للعام الثامن على التوالي، ليغدو التعليم همًّا مؤرقًا لها، خصوصًا تلك التي لديها عدد كبير من الأطفال في السياق، يقول مطهر علي عبده، وهو مدير مدرسة أهلية في تعز، لـ”خيوط”، إنّ معاناة الجميع تتفاقم، خصوصًا الآباء والأمهات، مع بداية كل سنة دراسية، تحديدًا هذه السنة التي ارتفع فيها كل شيء، حتى رسوم التسجيل، ما دفع العديد من أولياء الأمور إلى سحب أولادهم من المدارس، سواء في المدارس الحكومية أو الأهلية.
ويصف عبده، هذا الوضع بالمأساوي والكارثي، خاصة إذا زاد عدد الأبناء الملتحقين بالمدرسة عن ثلاثة أو أربعة، حيث تطول قائمة الطلبات والاحتياجات ابتداء برسوم الالتحاق، والمواصلات مرورًا بالمستلزمات المدرسية الكثيرة.هذا الأمر المتفاقم مع تحول التعليم المدرسي إلى تجارة وتوسع الاستثمارات الخاصة في هذا الجانب، وما أدّى ذلك إلى ارتفاع تكاليف الرسوم بشكل كبير في هذه المدارس الخاصة- وصل إلى قيام الطالب بشراء الكتب المدرسية من السوق إن وجدت أو يقوم بطباعتها لعدم توفيرها من قبل وزارة التربية والتعليم، وبالمحصلة أصبح التعليم تجارة، الخاسر فيها أولياء الأمور الذين حرموا أنفسهم متطلبات الحياة لكي يُلحِقوا أبناءهم بالمدرسة.
تكاليف باهظة
تزامَنَ بدء العام الدراسي الجديد لهذا العام مع ارتفاع أسعار المستلزمات الدراسية التي تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في تعز كغيرها من المدن والمناطق اليمنية بنسبة كبيرة، لتلقي بعبئها على كاهل الأسر المنهكة، خصوصًا تلك التي لديها العديد من الأطفال في سن المدرسة.
يقول محمد علي، بائع أدوات مكتبية وقرطاسية في مدينة تعز، لـ”خيوط”، إنّ ارتفاع أسعار المستلزمات الدراسية أمر خارج عن إرادتهم كباعة عاملين في هذا المجال في ظل ما تشهده البلاد من أزمات اقتصادية وتدهور في العملة المحلية والتي أثّرت على تكاليف جميع السلع، ومنها المواد القرطاسية والمستلزمات الدراسية، وهو ما شكل عائقًا أمام كثير من الأسر وإقبال الطلاب على المدارس.
يؤكد علي أن هذا الركود في سوق المستلزمات الدراسية هذا العام، يدفعه للتفكير باتّباع خيارات قاسية كبيع المواد القرطاسية التي لديه بدون هامش ربح لتوفير جزء من التكاليف والالتزامات التي يواجهها، مثل إيجار المحل المرتفع، إذ بات قاب قوسين من الإفلاس، وهو ما يتوقعه لآخرين غيره، بسب عزوف الناس عن شراء المستلزمات الدراسية في ذروة الموسم.
من جانبه، ينفي بائع آخر للمواد والمستلزمات المكتبية والقرطاسية، علي قاسم، تهمة الجشع عن أنفسهم كتجار في هذا المجال، لأنّ غلاء الأسعار عائد لعدم استقرار العملة، فإذا ارتفع سعر الصرف ارتفعت معه أسعار السلع، وإذا انخفض لا تنخفض خوفًا من إن تعاود الارتفاع.
يضيف قاسم لـ”خيوط”، بالقول: “نساعد كثيرًا من الأشخاص غير القادرين على الشراء، ونوفر أرخص حقيبة مدرسية بمبلغ 8 آلاف ريال فقط، وبالرغم من ذلك يعدّ هذا المبلغ كبيرًا بنظر الفقراء وهم أغلبية، والذين يلجؤُون لشراء المتطلبات الضرورية، كالدفاتر (الكرّاسات) والأقلام، والاستغناء عمّا سواها”؛ وذلك وفق حديثه: “ليتدبروا وسائل أخرى، كالحصول على حقائب لأطفالهم من شوالات (أكياس) الأرز بعبواتها الصغيرة”.
ويتحدث قاسم عمّا يسببه حصار تعز من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) من تأثيرات عديدة، وارتفاع في الأسعار يعاني منها جميع سكان المدينة، مع ارتفاع تكاليف الاستيراد والنقل بصورة مضاعفة، وهو ما انعكس على أسعار مختلف السلع والمنتجات، ومن ضمنها المتطلبات والمستلزمات المدرسية.
ويرى كثيرون، ومنهم قاسم، أنّ غياب الدولة عن القيام بدورها في ضبط اضطراب العملة المحلية وتدهور التعليم ومختلف القطاعات الخدمية وانفجار إيجارات العقارات، ساهم في تأجيج هذه الأزمات وتفاقم معاناة معظم السكان في البلاد.
تسرب كارثي
تبدو هذه السنة أشد وطأة على كاهل الأسر اليمنية الفقيرة، في ظل تفاقم تبعات الحرب والصراع الدائر في اليمن للعام الثامن على التوالي، ليغدو التعليم همًّا مؤرقًا لها، خصوصًا تلك التي لديها عدد كبير من الأطفال.
وحسب تقارير أممية فإنّ تدهور التعليم في اليمن بسبب الحرب والصراع الدائر في البلاد أثّر على نحو 6 ملايين طفل، إذ إنّ هناك أكثر من مليوني طفل في سن التعليم منقطعين حاليًّا عن الدراسة في اليمن، في حين أنّ ثلثي العاملين في التدريس –أي ما يزيد على170,000 مُعلِّم– لم يتقاضوا رواتبهم بصفة منتظمة منذ ما يزيد على خمس سنوات.
ويعد أطفال اليمن أحد أكبر ضحايا استمرار النزاع المدمر في البلاد، وفقًا لتقرير صادر عن منظمة “اليونيسف”، والذي يؤكد أنّ عدد الأطفال المنقطعين عن الدراسة في اليمن يصل إلى نحو مليوني طفل من البنين والبنات ممّن هم في سن التعليم، حيث يتسبب الفقر والنزاع وانعدام الفرص في توقفهم عن الدراسة. يعادل هذا الرقم ضعف عدد الأطفال المنقطعين عن الدراسة عام 2015، عندما بدأ النزاع.
*تحرير خيوط
غدير علي