أ/ عبدالواحد المرادي ..
عضو المكتب السياسي #للحزب_الاشتراكي_اليمني
“صحيفة الثوري” – كتابات:
كتب/ عبدالواحد المرادي
أسبوع حزن أليم مر بي وبالكثيرين مثلي في بلاد الفاجعة والآلام التي تطحن اليمن منذ انقلاب صالح والحوثيين على ثورة 11 فبراير 2011، ومنذ قرابة عامين من الحرب الإسرائيلية الأميركية الغربية على غزة وفلسطين وكل العرب، التي تطحن ضمائرنا وعقولنا كل يوم، وتجعلنا في موقد الآلام كل يوم وليلة، حتى اعتدنا الحياة المُرّة وإن خالطها ابتسام ما هنا أو هناك، فلجعل الحياة بكل مراراتها تحتمل؟ ولكن هذا الأسبوع كانت مراراته ذات ميزة خاصة؛ السيد عزرائيل رسول الموت أعطانا جرعات عجيبة متتابعة: مساء الثلاثاء يأتي خبر أليم صاعق عن الأخ المناضل قاسم محمد جعوال، وهو واحد من أفضل من أنجبتهم مريس والمناطق الوسطى المكافحة، ومن أبقاهم في طريق النضال الوطني منذ الستينات الماضية، وأتذكر مثله من مجايليه من مناضلي المناطق الوسطى الأحياء المغمورين رغم إشعاعهم التاريخي النبيل، على تفاوت القدرات، مثل علي محمد قايد الظاهري أبو مجاهد، ويحيى فضل علي المريسي الذي توارى عزيزاً، وهزاع العبيدي الحدي، وغيرهم.. وأتذكر للعزيز المرحوم قاسم جعوال ولمريس يوماً مجيداً حينما حاول قائد قعطبة واللواء المدرع الفلاني، يبدو بإيعاز علوي، إحراج مقاومة المناطق الوسطى بمحاولة قطع طريق الانسحاب، وقد اتفق رئيسا الشطرين على وقف القتال وتسليم مناطق سيطرة المقاومة المسلحة في كل الشمال لسلطة صنعاء، وأُبلغنا بذلك وبدأنا بتنفيذه، وإذا بقائد قعطبة العسكري يحاول تدريجياً احتلال مريس، أو على الأقل نقيل الشيم، وتهديد طريق وأسلوب التراجع المنظم الذي بدأت قيادة المقاومة بتنفيذه، فأخذ بنشر قوات على بعض الأكام كالجميمة وأمثالها، ولم يرعَ ببعض التحذيرات، فاضطرت قيادة مريس ومركز المحافظة يدعمها إلى التصدي للقوات المهاجمة أثناء محاولتها مواصلة المغامرة، معززة ببضعة دبابات، فكانت معركة ويوم أغبر خاضه مقاومو مريس الأبطال، مدعومين من مقاومي جنوب العود المجاور، وظهرت فيه القدرات القيادية للأخوة القادة: العميد قاسم محمد جعوال، موضوع عزائنا اليوم، والعميد المناضل الفقيد علي ناجي جعوال، والشهيد المناضل سعيد قاسم القاضي، وزملائهم في حساب ميزان القوى ورشد استخدام القوات المتاحة، وحسن توزيعها واستخدامها بتدرج يناسب سير المعركة… الخ. واستشهد يومها من مقاومي مريس الأخ المناضل قاسم ناجي جعوال، وأحد أبناء العود لم أعد أتذكر اسمه للأسف، رحمة الله وعنايته تغشياهم، وبعض الجرحى شفاهم الله.. وخرجت مريس منتصرة، ومعها الجبهة الوطنية الديمقراطية والسلام الذي اتفق عليه رئيسا الشطرين.. تذكرت ذلك تحية للفقيد المناضل العزيز، ولرفاقه، ولمريس المكافحة المضيئة في تاريخ المناطق الوسطى وكل اليمن..
وبينما كنت عائداً مساء الأربعاء من لقاء للجنة متابعة قضية المبعدين عن أعمالهم، حيث ذُكرَه رفاقه، وقرأوا الفاتحة على روحه، وإذا بي أستلم هاتفاً من قرية حبل في شرعب السلام من أحد أقدم المناضلين من أبنائها، ليضخ حزنه ويفرغ بعض حشاشات نفسه على وفاة المناضل الواعد بثقافته وتفانيه في تبني قضايا الناس حيثما حل، الأخ رفيق سيف، وكنت غير متذكر جيداً شخص الفقيد العزيز عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي، فقلت في نفسي: إضافة جديدة لأحزان الحزب الاشتراكي وأحزان بلدة حبل وتعز، ولم أنم إلا وقد نشرت المواقع العديدة أخبار الشهيد رفيق سيف فرحان الشرعبي، وتذكرته من خلال الصور حينما كان، بين وقت وآخر، يزاورنا في مقر الحزب أثناء دراسته في جامعة صنعاء، وأتذكر نباهة أسئلته وملاحظاته وحيوية روحه وتطلعاته، كما تذكرت حواراته قبل حوالي شهرين حول قضية المبعدين ومتابعة قضيتهم، ولم أكن أعلم بعلاقته بالمحويت إلا بعد ذلك، من الإفادات الكتابية لبعض زملائه، والأبلغ من ذلك مشاهد جنازته الكبيرة، وابنته الطبيبة المرحومة، الحاشدة في المحويت، وما تعنيه عن علاقاته بالناس والمجتمع هناك.. فقلت: يا لعظمة المصداقية والتحام القول بالفعل في الحياة.. ويا لجميل تجسيد كفاحية حبل وشرعب السلام وشهدائها الكثيرين، في حياة مناضل من خريجي مدرستها الملهمة للنضال الوطني والاجتماعي..
وفي الصباح التالي، أفاجأ بخبر الرحيل المفاجئ للمناضل الصامد الشجاع من المهد إلى اللحد، الأخ عبد الواحد علي قاسم سيف، ابن الشهيد الكبير المناضل السياسي والاجتماعي النقابي علي قاسم سيف..
وأتذكر المناضل عبد الواحد علي قاسم أثناء ترؤسي لسكرتارية منظمة الحزب في تعز، خلفاً للمناضل الكبير جداً المؤسس سلطان أحمد عمر، وبجانبي المناضل الخبير بشؤون تعز علي قاسم المفلحي، والانتخابات تقترب، ومكائد المرحوم علي صالح وأجهزته تترى وتتزايد، والمناضل عبد الواحد علي قاسم يحذر وينذر ويبلغنا بما يعلمه وهواجسه أولاً بأول، وكذلك كان يفعل بعض آخر من الرفاق والإخوة الأعزاء، وانفجرت تلك المكائد انفجاراً أولياً بأحداث تعز الفظيعة المريعة الدامية في شتاء 1992، والتهديدات المتتابعة لمنظمة الحزب، والتي لم تتوقف حتى انتخابات 27 أبريل في العام التالي 1993.. كان عبد الواحد علي قاسم مناضلاً كبيراً ومثقلاً بالمعاناة المتنوعة، وبآمال وأحلام تطوير النضال الوطني، وتحمل معاناة الشعور كذلك بأنه لم يُقدّر جيداً في حزبه الاشتراكي، شعرتُ بذلك، ولكن ظروفنا كانت من القسوة والسرعة بحيث لم تمكنّا من أن نعالج كل مشاكلنا ومشاكل رفاقنا، أيها المناضل الفقيد العزيز..
وبين هذا وذاك، كنت صباح الأربعاء قد استمعت إلى مكالمة هاتفية من المناضل المغوار عبده القمري، وقد غدا طاعناً في السن، يزأر ويخبرني فيها أنه أصيب بجلطة دماغية، وأنه يحاول توفير متطلبات سفره للعلاج، فقلت لنفسي: ألا يا حامل الأحزان الأليمة، شد قامتك، فالحمولة قابلة قابلة للازدياد، لطفك يا الله، وعونك يا سيدي..
مرة أحزاننا، لكنها يا عذاب الصبر، أحزان الرجال.. مع الاعتذار لرائي اليمن وحكيمه البردوني.. وأضيف مع الاعتذار