أنا وليد صالح عيّاش، مواطن يمني بهائي، نُفيت من وطني على يد جماعة الحوثيين فقط لأنني آمنت بديني، واليوم أجد نفسي أكتب عن واقعة مشابهة في قطر، حيث أُقدِم على محاكمة المواطن القطري ريمي روحاني بتهمة “الترويج للديانة البهائية”.
هذه المحاكمة ليست مجرد واقعة قضائية، بل هي شهادة إدانة ضد من اتخذ هذا القرار، إذ تكشف أنه لا يؤمن بالقرآن الكريم الذي جعل حرية الفكر والمعتقد من صميم رسالته، ورفع عن كاهل البشر أي وصاية في هذا الشأن. فالقرآن قالها بوضوح:
• ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ (البقرة: 256)
• ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ (الكهف: 29)
• ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا﴾ (الإسراء: 84).
فأين موقع هذا الحكم من هذه النصوص القاطعة؟ أليس في جوهره تكذيبًا للقرآن، وتحديًا لوضوح خطابه؟
مخالفة للقوانين الدولية
هذا الحكم يصطدم أيضًا مع كل القوانين والمواثيق الدولية، وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في مادته الثامنة عشرة على أن:
“لكل شخص الحق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير دينه أو معتقده، وحرية الإعراب عنه بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر سواءً علنًا أو سرًا.”
فكيف يمكن لـ من أصدر هذا الحكم أن يدّعي احترام القانون الدولي وهو يقف في صف الممارسات التي تجرمها المواثيق الحقوقية؟
هل يحق للبشر تحديد الباطل والحق؟
الحكم على ريمي روحاني بُني على ادعاء أن هناك “معتقدات باطلة أو ضالة” لا يجوز الترويج لها. والسؤال هنا: من الذي يملك حق تحديد الباطل والضلال؟ هل هو شأن البشر، أم أنه اختصاص إلهي خالص؟
القرآن نفسه يرفض أن يُنصِّب حتى الأنبياء قضاة على ضمائر الناس. يقول الله تعالى لنبي الإسلام:
﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ﴾ (سبأ: 24-26).
أليس هذا النص القرآني أبلغ ما يُبيّن أن مسألة الحق والضلال تُترك لحكم الله وحده؟ فلماذا يتجرأ بشر على مصادرة اختصاص الله؟
مهمة البشر: خدمة الناس لا محاكمتهم على عقائدهم
وظيفة البشر في إدارة شؤونهم هي تحقيق العدالة والرفاه للإنسان، لا مصادرة ضمائر الناس. وما حدث هنا هو انزلاق خطير حين حاولت الجهات التي اتخذت هذا القرار أن تضيف إلى صلاحياتها سلطة على الضمائر. وهذا بالضبط هو منطق الجماعات المتطرفة والإسلام السياسي، التي لم تكتف بإدارة شؤون المجتمع، بل ادعت حق الوصاية على إيمان البشر.
ومتى سيعي الناس أنّه ليس لهم صلاحية في حكم السماء، وأنّ التدخّل في اختصاصات السماء ينزع عنهم حتى شرعية ما بأيديهم على الأرض؟
القرآن حذّر حتى النبي بقوله:
• ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ (الغاشية: 21-22)
• ﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ (النحل: 82)
• ﴿إِنَّ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾ (الشورى: 48)
• ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ﴾ (الشورى: 6).
فالله لا يحتاج منّا إلى نصرة دينه، بل يحتاج إلى أن نُطبّق ذلك الدين في سلوكنا وحياتنا، أما فرض الوصاية الدينية على الناس فهو أكبر مخالفة لدين الله.
محاكمة الفكر والضمير
أنا الذي نُفيت من وطني على يد جماعة متشددة بسبب إيماني البهائي، أجد أن ما حدث اليوم في قطر يحمل الوجع ذاته. فاضطهاد البهائيين لم يقتصر على مكان واحد، بل يتكرر بأشكال مختلفة حيثما يُحاكم الإنسان على ضميره ومعتقده. وما جرى هنا ليس إلا صورة أخرى من صور التضييق على حرية الفكر والمعتقد، التي هي حق أصيل لكل إنسان.
كلمة أخيرة
إن أي قوانين أو قرارات تُتخذ في أي بلد لتقييد حرية الإنسان في الفكر، المعتقد، التعبير والدعوة السلمية، إنما هي قرارات متخلفة، مخالفة لكتاب الله، متعارضة مع المواثيق الدولية، ومصادمة لوعي الإنسانية اليوم.
ومن يتدخل في اختصاص الله في محاسبة ضمائر الناس، إنما يضع نفسه في مواجهة مباشرة مع الله:
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: 21).
⸻
وليد صالح عيّاش
مواطن يمني بهائي – منفي من أرضه على يد الحوثيين بسبب معتقده الديني