الكاتب / بروفيسور قاسم المحبشي ..
في الدول المدنية المتعافية تجد كل المواطنيين معنيين بما يحدث لبلدانهم وتوحدهم المصالح والمشاعر المشتركة بعكس وضعنا في الدول العربية والإسلامية كل شيء يتم ويمر دون أن تضع الدول اي قيمة لمواطنيها ومشاعرهم ومواقفهم واتجاهاتهم بل وتكرس وعيهم الجمعي مشاعر التوكل والرضاء والعجز والتسليم بما تفعله السياسات بوصفه من تدابير القضاء والقدر. وهكذا يمكن لنا فهم حرص السلطات السياسية العربية على دعم النخب التقليدية لاسيما الفقهاء ووعاظ السلاطين وحراس الفضيلة والمتعيشين بالدين ومؤسساته المنتشرة في كل حي وحارة وهم بالملايين من كل المذاهب والطوائف والفرق والنحل والجماعات التي تدور في فلك المؤسسات الدينية بكل شكل من الأشكال التي لا تعد ولا تحصى بينما تشدد المراقبة والمعاقبة على النخب الجديدة المستنيرة فثمة فرق بين فقيه أو مرجع شيعي أو سني نقلي يستند على مؤسسة سياسية ودينية وثقافية واقتصادية واخلاقية وفقهية مقدسة عمرها أكثر من 1400 عاما وكاتب مستنير ليس لديه من سند غير عقله وثقافته المكتسبة من التعليم والقراءة في سياق تاريخي ثقافي محاط بالجهل والتجهيل والخوف والظلام من كل الجهات. الأولى يستثمر كل الرأسمال المادي والرمزي للمؤسسة المقدسة والمدنسة بالمعنى البوردوي ( نسبة إلى بيير بوردو ) ويوظفها في سبيل تعزيز مواقف ومصالحه وجماعته بما تمتلكه من قوة راسخة ممتدة بالطول والعرض ومسأاثرة على كل عناصر ومقومات القوة؛ يستحيل هزيمتها والثاني يستثمر قوة البرهان التجريبي والمنطق العقلاني المستنير ولا يسنده إلا جسده الفردي وعقله النقدي في ثقافة تقدس وتؤمن باللامرئي وتحتقر وتكذب المرئي والمشاهد والمحسوس الملموس . إذ يعد الاستئناس بقوى العقل والتفكير في بيئة النقل والخوف والتكفير مغامرة غير مأمونة العواقب. ومع ذلك ثمة من لديهم الشجاعة لخوض التجربة وتقحم دروب المغامرة دون الخوف من مخاطرها المهلكة. وتلك هي وظيفة المثقف العضوي. فكيف يمكن النظر للحالة الشعورية الراهنة في المجتمعات العربية؟!
المشاعر هي مجموعة الاحساسات والانفعالات الواعية وغير الواعية التي تحدث في الذوات الفردية والجمعية للكائنات الحية ومنها: الفرح والحزن والغضب والضحك والحب والكره والشفقة والرحمة والتعاطف والحسرة والندم .الخ. بينما الشعائر هي مجموعة الأفعال والطقوس الجمعية التي يمارسها الناس في الأفراح والأتراح وفي الأعياد ولمناسبات الدينية وغير الدينية بوصفها عادات وتقاليد متوارثة عبر الأجيال بصور وأشكال مختلف باختلاف المجتمعات والثقافات والسياقات. فما هي طبيعة العلاقة بين المشاعر والشعائر وكيف يمكن تفسير تلك الظاهرة الاجتماعية الثقافية السيكولوجية؟ أستوقفني هذا السؤال فجأة وأنا أتابع ردود أفعال وانفعالات العرب تجاه الهجوم الاسرائيلي على لبنان وضرب بيروت بحجة اغتيال حسن (حزب الله ) حليف إيران وذراعها في الشام كما هو الحال في جماعة انصار الله) الحوثية في اليمن إذ لا حظت فيما يشبه الانفصام بين المشاعر في حالة الحزن والفرح والشعائر في حالات كثيرة جدا. ربما هناك وحدة في الشعائر عند العرب المسلمين لكنها ابعد ما تكون عن وحدة المشاعر وتلك الاخيرة هي الأهم وازعم أن مبعث ذلك الانفصام يعود إلى فصل الناس بين الخاص والعام بين الفردي والجمعي بين الإيمان الديني بالخلاص الفردي وغياب الشعور بالتضامن الجمعي المدني الإنساني. يحدث ذلك في سياق منظومة أخلاقية متوارثة تحدث الناس على الرحمة والشفقة وعدم اظهار الفرح في المأتم وعدم اظهار الحزن في الفرح فالمشاعر معدية اجتماعيا ومن الامثال السخيفة في المدونة العربية الإسلامية ؛ إذا رأيت مصيبة غيرك هانت مصيبتك عليك! والخلاصة هي ان أردت ان تتأكد من وحدة النسيج الاجتماعي السياسي الثقافي لمجتمع ما ، فعليك النظر الى طبيعة مشاعر أفراده؛ وعواطفهم ؛ بماذا يشعرون وكيف يعبرون عن مشاعرهم وانفعالاتهم ؟ ، فان وجدت قواسم مشتركة في مشاعرهم ودوافعها وأنماط التعبير عنها فاعلم أن ثمة وحدة من نوع ما تسري في نسيجهم الاجتماعي الثقافي المشترك سريان الروح بالجسد وهذا هو ما يسمى (الاندماج الاجتماعي ) أما اذا وجدت مشاعرهم وعواطفهم مشتته وأن لا احد منهم يشعر شعور الأخر ولا احد يحس بما يحس به جاره من عواطف وانفعالات الحزن والفرح والتعاطف والشفقة والحب والكره وأن كل في فلكه يسبحون فاعلم أن البون شاسعا بينهم والوحدة والتوحد والاندماج دونها خلط القتاد وهكذا كما أن ما يربط أفراد الأسرة والعشيرة والطائفة والمذهب والمجتمع المندمج هي مجموعة من المشاعر المشتركة النابعة من المصالح والروابط المشتركة في الواقع فكذلك يفترض أن يتأسس المجتمع تخيليا، عن طريق الوعي الانعكاسي حينما تكون الذات عينها كآخر ! بمعنى قدرة كل فرد من أفراد المجتمع المتعين على استبطان الآخرين الذين لايعرفهم معرفة شخصية في وعيه والتعاطف معهم والشعور بمشاعرهم، وهذه هو ما يفسر الشعور القومي أو الوطني أو المدني التضامني في المجتمعات التي تحكمها دولة ديمقراطية مدنية حديثة! فكيف هي مشاعر وعواطف الناس في مجتمعاتنا العربية الإسلامية الراهنة ؟! والتضامن ليس فكرة ولا قيمة أخلاقية ولا ثقافة مدنية فحسب بل هو جوهر وأصل كل حياة اجتماعية مجتمعية من مجتمع النمل والنحل والقرود الى مجتمع الانسان العاقل ، ولا وجود لأي مجتمع بدون قيم تضامنية من أي نوع من الأنواع، وليس هناك أي فرق في حقيقة الحاجة التضامنية الفعلية سوى كان ذلك في مملكة الحيوان أو عالم الانسان؛ فقط الفروق تكون بنوعية التضامن؛ أما أن يكون تضامنا فطريا غريزيا كما هو الحال في مملكة النحل والنمل والقرود والغربان وما شابهها وأما يكون تضامنا تقليديا ميكانيكيا بداعي العصبية والحمية وروابط الدم والقرابة والعشيرة والقبيلة والمذهب والطائفة والحزبية والقومية والمعقد وما شابها من صيغ التضامن التقليدية في حياة الجماعات البدائية التي يكون الانتماء اليها اوتماتيكيا بالمولد والنشاءة بلا إرادة حرة ولا اختيار وهذا هو نمط التضامن الميكانيكي العمودي حسب دور كهايم ، وأما يكون تضامنا مدنيا عضويا كما هو حال تضامن المجتمعات الحديثية المؤطرة في كيانات وهيئات مؤسسية رسمية ومدنية قانونية، إذ يكون التضامن فيها ذات طبيعة أفقية يعتمد على الحرية الفردية والاختيار الفردي النابع من الذوات الفردية وارادتها الحرة وليس من المرجعيات والهويات السابقة لها لكينونتها المدنية. وقد كان ولا زال وسيظل التضامن ضرورة حياتية وصيغة ممكنة لديمومة الحياة المشتركة للكائنات الحية والناس في كل زمان ومكان وهكذا ظل النمل مجتمعا تضامنيا بينما الصراصير لا تتضامن لان كل صرصور يعيش وحده ، هذا هو رأي عالم الاجتماع الفرنسي دوركايم وليس أضغاث أحلام! لا وجود لمجتمع مدني وطني بدون قوة تضامنية فعالة وقادرة على حماية نفسها ومجتمعها ضد أي عدوان خارجي أو داخلي قوة تضامنية عضوية قادرة على الدفاع عن أعضاء مجتمعها والوقوف ضد كل ما يهدد سلامه السياسي والاجتماعي والمدني ! وهذا هو المبدأ الفعّال في كل حياة مشترك من خلية المجتمع الأولى العائلة حتى الهيئة العامة للأم المتحدة، إذ أن قيمة ومعنى المنظمات والمؤسسات والكائنات من أصغرها الى أكبرها يتحدد بقدرتها وقوتها التضامنية الفعلية وليست المتخيلة. وحينما يحوم الخطر والتهديد فوق رؤوس الجميع يكون التضامن والتعاون هو الموقف السليم الجدير بالقيمة والأهمية.
وفي كل مجتمع من المجتمعات التقليدية والحديثة هناك رموز وقيم ومناسبات تتوحد حولها مشاعر الناس وغيرها تمزقهم وتفرق مشاعرهم. ولا توجد إلا طريقان للاندماج الاجتماعي مؤسسة سياسية قوية وراسخة وعادلة وآمنة ومستقرة أو وعي مدني وثقافة انتماء وطني ومشاعر وأحاسيس إنسانية تبادلية مرهفة تسري في عقول وضمائر الفاعلين الاجتماعيين سريان الروح في الجسد. وبذلك قال حكيم الزراعة اليمنية الحميد بن منصور:
إن صاحبك مثل روحك
ولا بلاش الصحابة..
الصورة علماء اليمن في مؤتمرة السنوي الذي اعلنوا فيه تأييده للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الذي كان يمنحهم مكانة مرموقة المجتمع ويجزل لهم بالمال والعطايا…..