العربي الجديد – محمد راجح
يعيش اليمن على وقع أزمة متصاعدة تنذر بتجدد الصراع حول الموانئ والشحن التجاري، بعد فترة من الهدوء النسبي تخللها سريان للإجراءات المتعلقة بتخفيف القيود المفروضة على ميناء الحديدة الرئيسي على الساحل الغربي للبلاد، والذي عاد لاستقبال السفن المحملة بالبضائع التجارية، في إطار الجهود الدولية الهادفة إلى تذليل المعوقات والتوصل إلى هدنة طويلة المدى بين جميع الأطراف المتصارعة.
وهددت الحكومة اليمنية قبل أيام، بإعادة النظر في التسهيلات المتصلة بإعادة تشغيل ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين، و”اتخاذ الإجراءات والتدابير التي تحفظ مصالح ومقدرات الشعب اليمني”.
وتتهم الحكومة الحوثيين بفرض جبايات مضاعفة على حركة كافة السلع والبضائع في المنافذ الرابطة بين المناطق الحكومية والمناطق الأخرى، توازي الرسوم الضريبية والجمركية التي تفرضها على السلع المستوردة عبر ميناء الحديدة، واعتبرت ذلك بمثابة خطوة تصعيدية جديدة تندرج ضمن ما وصفته “بالحرب الاقتصادية المعلنة التي تشنها الجماعة على الحكومة والشعب اليمني”.
ويأتي التصعيد بين الجانبين بعد أن شهدت حركة استيراد السلع في الموانئ اليمن أشهرا من التهدئة، حيث جرى في إبريل الماضي أول اختراق في هذا الملف الاقتصادي المعقد بعد صدور حزمة قرارات استهدفت منح تسهيلات للمستوردين وإيقاف تفتيش السفن التجارية المتجهة إلى اليمن بما فيها ميناء الحديدة، والسماح باستيراد كافة أنواع السلع دون قيود، باستثناء السلع الممنوعة بحسب القوانين اليمنية.
جبايات مضاعفة على حركة السلع
وقال مصدر حكومي لـ”العربي الجديد”، إن فرض الحوثيين جبايات مضاعفة على حركة السلع والبضائع في المنافذ الرابطة بين المناطق الحكومية والمناطق الأخرى، خطوة خطيرة تهدف إلى إجبار شركات الاستيراد والتجار على وقف الاستيراد عبر ميناء عدن، والاتجاه لميناء الحديدة الواقع تحت سيطرتهم، وكذا الإضرار بإيرادات الدولة، والحيلولة دون قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها، بما في ذلك دفع مرتبات الموظفين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.
وأشار المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إلى أنه كان يجري استكمال كافة الترتيبات لتوقيع اتفاقية مهمة لخفض كلفة التأمين على السفن التجارية القادمة إلى الموانئ الحكومية، لافتا إلى أن الاتفاقية تتضمن خفض كلفة التأمين للمخاطر مع شركات التأمين العالمية والأمم المتحدة على السفن، إضافة إلى خفض كلفة التأمين البحري على السفن القادمة إلى الموانئ الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية.
بدوره، اعتبر الخبير الملاحي مشتاق البرعي، لـ”العربي الجديد”، أن التسهيلات الممنوحة للاستيراد عبر ميناء الحديدة تحولت إلى تعقيدات فاقمت الأزمة الملاحية والتجارية في اليمن بشكل كبير، مشيرا إلى مجموعة من هذه العوامل التي فاقمت الأزمة، منها عدم جاهزية ميناء الحديدة من النواحي الفنية والمؤسسية والمرافق الخدمية، والمنظومة الجبائية المفروضة على التجار المستوردين الذين أصبحوا ملزمين على سبيل المثال بدفع ما نسبته 100% كضريبة جمركية.
وقال البرعي إن هذه التعقيدات تأتي إلى جانب إتاوات وجبايات أخرى سيكون لها تبعات جسيمة على الأسواق من حيث المعروض السلعي والمخزون الغذائي وأسعار المواد الأساسية.
واطلع “العربي الجديد”، في هذا الخصوص، على شكوى موجهة للجهات العامة المعنية ومؤسسات القطاع الخاص مقدمة من مجموعة من التجار والمستوردين وملاك الشركات والبيوت التجارية والصناعية في صنعاء، يؤكدون فيها ما تتعرض له أنشطتهم التجارية والصناعية من إجراءات وعراقيل أثرت سلباً على قدراتها الإنتاجية.
جزء كبير من هذه العراقيل، وفق تجار، يتعلق بالإجراءات المفروضة على الاستيراد كما هو حاصل في ميناء الحديدة والإتاوات المفروضة عليهم بمستويات ومسميات ونسب غير قانونية. ويقول التاجر خالد عبدالكريم لـ”العربي الجديد”، إن كثيرا من الإجراءات والجبايات يتم فرضها بالقوة وتهديدهم وابتزازهم بكل الوسائل المتاحة. إذ أثر ذلك، وفق حديثه، على أعمالهم وتجارتهم ومغادرة البعض الأسواق مجبرين لعدم قدرتهم على التحمل.
في حين يلفت تاجر آخر تحدث لـ”العربي الجديد”، إلى أن الامتناع عن دفع الإتاوات أو التذمر يكلف التاجر كثيرا، بما يتم توجيهه له من اتهامات واستبداله بآخرين محسوبين على الحوثيين.
استيراد كافة البضائع عبر الموانئ الحكومية
ويشدد مسؤولون في وزارة النقل في الحكومة اليمنية على ضرورة قيام الشركات والوكالات الملاحية باستيراد كافة البضائع والمشتقات النفطية عبر الموانئ الحكومية، خاصة بعد التسهيلات المقدمة لكبار المستوردين والشركات والخطوط الملاحية وفق التوجيهات بذلك لكافة الموانئ.
وتنوه الوزارة إلى أن العمل جار لإنشاء المركز الإقليمي لتبادل المعلومات البحرية والذي يضم 22 دولة من الدول المطلة على البحر الأحمر والمحيط الهندي.
ووفق تقرير صادر عن مركز الدراسات والأبحاث العربي “عربيا برن ترست”، العام الماضي، تقدر خسائر اليمن بسبب الصراع ما بين 170 إلى 200 مليار دولار من ناتجه المحلي الإجمالي بين الأعوام 2015 و2022.
وقال الباحث الاقتصادي منير القواس، لـ”العربي الجديد”، إن “التجار في اليمن واقعون تحت نار تهدد بقاء نسبة كبيرة منهم بالنظر إلى ما يجري من صراع يفاقم الأزمات التجارية والاقتصادية والمعيشية ويضاعف تكاليف الشحن والنقل التجاري البحري والبري”.
ازدواج ضريبي وجمركي
وأضاف القواس: “سلطة صنعاء تهدد التجار الذين لا يمتثلون لقراراتها ويرغبون في مواصلة الاعتماد على الاستيراد عبر ميناء عدن، بمنعهم من المرور ونقل بضائعهم من مناطق الحكومة المعترف بها دولياً إلى المناطق الأخرى الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، أو فرض جبايات مضاعفة في المنافذ الجمركية المتعددة المنتشرة على الطرقات والمناطق الواقعة تحت سيطرتهم، كما يمثل الازدواج الضريبي والجمركي بين السلطات التنفيذية المنقسمة أحد أهم التحديات التي يواجهها القطاع الخاص التجاري في البلد”.
ويشير تجار في هذا الشأن إلى ما يتعلق بضريبة القيمة المضافة التي يتم دفعها بنسبة تزيد على 5% في الميناء الذي يتم الاستيراد عبره، ودفعها مرة أخرى في المنافذ الجمركية التابعة لحكومة صنعاء التابعة للحوثيين.
وهناك نحو 8 موانئ بحرية في اليمن، منها 6 موانئ دولية أهمها عدن والحديدة والمكلا والمخا.
وتعمل 4 موانئ بقدرات منخفضة للغاية، في حين هناك 3 موانئ مغلقة من بينها ميناء المخا في الساحل الغربي المطل على البحر الأحمر، الذي يجري العمل على تأهيله وإعادته للخدمة، إلى جانب ميناء بلحاف في شبوة (جنوب) المخصص لتصدير الغاز الطبيعي المسال، وميناء رأس عيسى في محافظة الحديدة الذي تسببت الحرب والصراع الدائر في اليمن والناقلة المتعثرة صافر في إيقافه.