فاطمة العنسي
للطائفة البهائية حضور قديم في اليمن، وبرز تداول أخبارها بكثافة في الآونة الأخيرة مع محاولات السلطة في صنعاء استهداف أتباعها بوسائل شتى، وترافق مع تنديد دولي واسع بعمليات الاستهداف الممنهجة وحالات التضييق عليهم؛ وبالمقابل تشكّلت عند كثيرين صورة ضبابية حول معتقد الطائفة وطقوس الأتباع وميولهم السياسية.
في هذا التقرير تقدم “خيوط” صورة مقربة للحالة البهائية في اليمن.
البعد التاريخي والسياسي
تشير المصادر التاريخية إلى أنّ بروز المعتقد البهائي في اليمن كان في عام 1260 هجرية، الموافق 1844 ميلادية، حيث شهد ميناء “المخا”، قدوم حضرة الباب (علي محمد الشيرازي) المبشر بظهور المعتقد البهائي، وذلك في رحلته إلى الحج عبر موانئ اليمن في ذهابه وعودته؛ وفق حديث (نادر السقاف) رئيس مكتب الشؤون العامة للبهائيين في اليمن.
يضيف السقاف في تصريحه لـ”خيوط”، أنه عندما حكمت الإمبراطورية العثمانية بحبس “حضرة بهاء الله” (مؤسس المعتقد البهائي) في سجن عكا بفلسطين، شهدت شواطئ وموانئ اليمن مرور أعداد متزايدة من مؤمني البهائية الأوائل، القاصدين زيارة “حضرة بهاء الله” في سجنه، منذ ذلك الحين تزايد أعداد اليمنيين الذين اعتنقوا البهائية، لافتًا إلى أن البهائيين يتواجدون في العديد من المحافظات اليمنية.
“جماعة الحوثي المسيطرة على المحافظات الشمالية التي تتركز فيها الفئة الأكبر من البهائيين في اليمن، تعترف وتجاهر بموقفها العدائي الصريح للطائفة في خطاباتها وقنواتها. وإن الاضطهاد الممنهج الذي يُمارس ضدها لا يوجد في العالم سوى في إيران واليمن”.
وعن أعداد أتباع الطائفة من اليمنيين، قال السقاف: “من الصعب حصر أعداد البهائيين في اليمن بسبب الظروف الحالية، لكن يمكن حصرهم في حدود عدة آلاف، وينحدرون من مختلف مكونات شرائح وطبقات المجتمع اليمني”.
يتعرض البهائيون منذ أواخر 2014، إلى مضايقات جمة في اليمن، ويقول السقاف في معرض حديثه: “جماعة الحوثي المسيطرة على المحافظات الشمالية التي تتركز فيها الفئة الأكبر من البهائيين في اليمن، تعترف وتجاهر بموقفها العدائي الصريح للطائفة في خطاباتها وقنواتها. وإن الاضطهاد الممنهج الذي يُمارس ضدها لا يوجد في العالم سوى في إيران واليمن”.
كما أنّ النظام في إيران، وفق السقاف، يمارس أشد أنواع الاضطهاد ضد البهائيين منذ قيام الثورة في إيران قبل أزيد من 40 عامًا، ففي عام 1991 تسربت وثيقة رسمية سرية معتمدة من مرشد الثورة الإيرانية، عرفت بوثيقة “المسألة البهائية”. تؤكّد هذه الوثيقة على اضطهاد وملاحقة البهائيين، وتؤكد بوضوح على القضاء على البهائيين خارج إيران ومتابعتهم واقتلاع جذورهم.
تنكيل متواصل
في 25 مايو/ أيار الماضي 2023، قامت قوات تابعة للحوثيين، باقتحام اجتماع لأحد منازل منتمي البهائية في صنعاء، حيث كان الاجتماع يهدف إلى انتخاب من يرعى شؤونهم الإنسانية والمجتمعية، واعتقلت 17 شخصًا بينهم خمس نساء وأخفتهم قسرًا.
ويقول السقاف إنّ الاقتحام جاء إثر التضليل الممنهج الذي تسعى إليه الجماعة الحوثية عبر منابرها الدينية والإعلامية.
خبراء من الأمم المتحدة يعربون عن قلق بالغ حيال أنماط الانتهاكات هذه التي تشكّل اضطهادًا مستهدفًا للأقليات الدينية في المناطق اليمنية التي تسيطر عليها حركة أنصار الله (الحوثيين)، في حين يتعرض الأفراد المختفون لخطر التعذيب وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى، وقد يواجهون، في ضوء ما سبق، أحكامًا بالإعدام لممارستهم حقوقهم المشروعة.
في مناسبات مختلفة، تعرض البهائيون وأعضاء الأقليات الأخرى للاحتجاز والتعذيب وسوء المعاملة على أيدي سلطات الأمر الواقع بما ينتهك حقوقهم في حرية التعبير والرأي والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات. وحُكم على بعضهم بالإعدام لاعتناقهم دينهم في إجراءات قضائية لا تستوفي ضمانات المحاكمة العادلة.
وتؤكد “هيومن رايتس ووتش”، أنّ البهائيين تعرضوا بشكل دوري للاعتقالات من قبل الحوثيين، وأخفوهم ونفوهم قسرًا، ففي 2016، داهم الحوثيون مؤتمرًا تعليميًّا للبهائيين في صنعاء، واعتقلوا أكثر من 60 رجلًا وامرأة وطفلًا. لاحقًا، في 2018، اتهم الحوثيون 24 شخصًا، 22 منهم على الأقل من البهائيين، بالتجسس والردة في محكمة أدارها الحوثيون من دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، ولا تزال جميع القضايا قيد التقاضي حتى اليوم، في حين تم في العام 2020، إطلاق سراح ستة بهائيين ومِن ثَم نفيهم قسرًا.
ما بين وقتين
يعيش البهائيون مع بقية إخوتهم اليمنيين منذ عقود في تآخٍ وسلام شامل، من منطلق إيمانهم وتعاليمهم البهائية، إذ يسعون إلى تعزيز التنمية المجتمعية بعيدًا عن السلطة والنفوذ أو الأحزاب، ولا يشاركون في أي نزاعات سياسية أو صراعات مسلحة، وفق حديث روحية ثابت، وهي يمنية بهائية وناشطة حقوقية ورئيسة مؤسسة التميز لتنمية المجتمع.
أول موجة اعتقالات للبهائيين في صنعاء على يد جهاز الأمن القومي، كانت في يونيو/ حزيران من عام 2008 عندما اعتقلت ستة بهائيين، حيث داهمت منزل أحدهم واعتقلته بمعية اثنين كانا يزورانه، ثم اعتقال الآخرين تباعًا، ظلوا جمعيهم لمدة أربعة أشهر قبل أن يتم الإفراج عنهم. كما تشير مصادر مطلعة، إلى أنهم تعرّضوا لضغوط دفعتهم لمغادرة اليمن، إذ لم يكن الاعتقال بسبب عقيدتهم، بل بسبب شبهة ارتباطهم بإيران، لا سيما أنّ فترة اعتقالهم تزامنت مع الحروب الستة التي خاضتها الحكومة اليمنية مع من كانت تسميهم المتمردين الحوثيين.
وتؤكد روحية لـ”خيوط”؛ أنه عقب سيطرة الحوثيين على صنعاء، مرّ البهائيون بأسوأ حالة إنسانية على الإطلاق، وتفاقمت أوضاعهم بشكل كبير، وتعرضوا لأبشع حالة تنكيل.
وتتابع: “تعرضنا لتعذيب جسدي ونفسي، وترويع وتهديد بالتصفية الجسدية، ومصادرة الممتلكات الخاصة والوقفية، وإغلاق مؤسساتنا التنموية المرخصة، والأخطر من هذا تحريض المجتمع والرأي العام ضدنا من خلال نشر خطاب الكراهية وزرع الخصومة وإجبارنا على الهجرة القسرية”.
حلول ممكنة
تعتبر البهائية دينًا عالميًّا مستقلًّا وليست طريقة من الطرق الصوفية، ولا مزيجًا مقتبسًا، أو إحياء لأي مذهب عقائدي قديم، وفق الجامعة العالمية البهائية.
ترى روحية أنه يمكن للمنظمات الدولية والمحلية والجهات المعنية أن تعزز الوعي العالمي بالانتهاكات التي يتعرض لها البهائيون، من قبل سلطات الأمر الواقع، والالتزام بحقوق الإنسان، ووقف كل أشكال الاضطهاد تحت أي مبرر.
وتستدرك روحية لـ”خيوط”: “يمكن لهذه المنظمات والجهات المعنية أن تقدم التقارير والشهادات المستقلة التي توثق جرائمهم الواضحة بحق الإنسانية، وانتهاكات حقوق الإنسان، وتطالب بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين البهائيين نساء ورجال دون أي مماطلة”.
إضافة إلى ذلك يمكن لمنظمات المجتمع اليمني، بحسب روحية، تعزيز التسامح الديني والتعايش السلمي بين أطياف المجتمع، كما تشدّد على عدم إغفال دور زعماء القبائل في تسخير نفوذهم بما يحقّق مواجهة ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
•••
فاطمة العنسي
المادة خاص بمنصة خيوط