خيوط
عمران مصباح
على وقع الحرب وتأثيراتها المباشرة، تتبدد لدى عدد كبير من اليمنيين الآمال والطموحات، وتتحطم كثير من الأفكار التي تحاول أن تشق لها طريقًا في العتمة؛ ومع ذلك لا تزال هناك حالات فردية استطاعت التغلب على المعوقات المختلفة، ومضت في شغفها بجهد وإصرار ومثابرة. حالة مصممة الأزياء اليمنية أمل الصراري -من محافظة البيضاء- تحيل إلى هذا النموذج الطموح، والذي قادها إلى تكريم إقليمي مؤخرًا.
عن هذا التكريم، وعن تجربتها في مجال ريادة الأعمال، ومِن ثَمّ التصميم، وعن طموحاتها المستقبلية تحدثت الصراري، لـ”خيوط”.
حاورها: عمران مصباح
البدايات
تقول الصراري عن بداياتها:
“بدأت في مجال ريادة الأعمال، بمشاريع صغيرة، كنت دائمًا أبدَؤُها من الصفر، استطعت من خلالها تحقيق نجاحات جيدة، حيث كنت أهتم كثيرًا بالجودة والاحترافية، وأحرص على الإلمام بالشيء الذي أشتغل فيه، لذلك ما من مشروع اشتغلت فيه إلا وحقق نجاحًا، إذ ابتدأت بالتصوير، وكنت من أوائل متخصصي تصوير المنتجات تحت أشعة الشمس، ثم افتتحت مشروعًا للقهوة الباردة، كان هذا الآخر أول مشروع أونلاين في اليمن، توفرت فيه خمس نكهات آيس كوفي. هذه المشاريع حقّقت لي حضورًا كبيرًا، قبل أن أتجه إلى شغفي في التصاميم، حيث غادرت اليمن إلى مصر مقتحمة مجال التصميم، ودشّنت مشروع (يونيك) للتصميم، وهي علامة تجارية خاصة بي، لاقت قبولًا مُرضيًا حتى الآن، أسعى إلى أن تلاقي نجاحًا وانتشارًا أكبر”.
في بلد المنافسة
تشرح الصراري بعض التحديات التي واجهتها منذ انطلاق مشروع (يونيك)، بالقول:
“لم يكن من السهل مطلقًا البدء بمشروع وليد في بلد منافس كبير كمصر، البلد الذي يضج بالمشاريع والأفكار الكبيرة المختلفة، لهذا قابلتني تحديات كثيرة، جعلت من مشروعي هذا الأصعب من بين كل المشاريع التي خضتها، أو عملت فيها، وبالرغم من هذه التحديات، فإنني أعتبر اختياري لمصر قرارًا موفقًا، فهي مكان جيد للانطلاق والنجاح، خاصة إذا واكب هذه البدايات دعم ومساندة من الأهل والأصدقاء”.
طموح متجدد
عن النجاح الذي حققته حتى اللحظة في مشروع (يونيك) للتصميم، تقول:
“الحقيقة أن ما أطمح إليه أكبر بكثير مما حققته، وأعتبر ما تحقق مجرد بداية، لطموحات كبيرة؛ أهمها أن يكون لدي ماركة عالمية تخصني، وتصاميم خاصة بي تحظى بانتشار وقبول دولي”.
وتتابع الصراري حديثها لـ”خيوط”: “صحيح أنّ مشاركتي ضمن المهرجانات العالمية، وما إلى ذلك، يهمني للغاية، لكن، الأهم أن أصل لتسجيل الخط الذي أمضي فيه باسمي الخاص عالميًّا، وأتطلع إلى أن تلقى الماركة خاصتي القبول والشهرة، مثل: زارا، وبرادا، وجوتشي، وكل الماركات العالمية التي يحبها الناس، ويتهافتون على شرائها”.
وقود التجارب
حضور الصراري في مجال التصميم، إضافة إلى تجاربها السابقة، منحها الشجاعة، والثقة للمضي في شغفها حتى تصل للمستوى الذي تحلم به، من خلال مشاركات متعددة، تقول عنها:
“شاركت في فعاليات كثيرة (مهرجانات، احتفالات، ومناسبات)، لكن المشاركة الأخيرة هي الأبرز، والمتمثلة بـFashion show التابع لإنترناشيونال فانجر، وهو عرض هام على مستوى الشرق الأوسط، حيث تم تكريمي فيه بجائزة عن أعمالي بالتصميم. هذا التكريم مثّل لي الكثير”.
وتأتي أهمية النجاح الذي تحققه الصراري في كونه يأتي في توقيت صعب تمر به البلاد، وضع أجهض كثيرًا من طموحات وأحلام الشباب، علاوة على أنّ مشاركة المرأة في الحياة العامة شحيحة للغاية، وهي أكثر شحة في مجال التصميم.
تقول الصراري: “بجهود مضنية بدأت في اليمن، وببطء شديد ينفتح اليمني على العالم، ويستوعب التطورات الهائلة في المجالات المختلفة، ومن ثم يأتي التقدير والتشجيع لأصحاب المشاريع الطموحين، وقد ساهمت وسائل التواصل في خلق هذا الانفتاح، وفي تثقيفي شخصيًّا، قبل شروعي في اقتحام مجال التصميم”.
اليمن ولّادة، وملهمة في هذا المجال، فهناك تصاميم متنوعة جدًّا، وستجد كبيرات السن يتقن تطريز الأقمشة بشكل مبهر، لكنهن في العادة، لا يحصلن على فرصة الظهور، ويبقين خلف الستار.
مدارس متنوعة
تحاول الصراري الاستفادة من مدارس التصميم المختلفة، لخلق خطها الخاص، والمنافس، وتقول في هذا السياق:
“أمضي بأكثر من خط وأتعلم من أكثر من مدرسة؛ سواء كانت مدارس كلاسيكية، أو حديثة، الرسمي، والمرصع، والإليجنت (Elegant)، وبشكل عام أميل للكلاسيك أكثر، بالرغم من أنّ هذا الخط غير منتشر في السوق اليمنية، لكنني أسعى أن تكون تصميماتي أول براند يسجل عالميًّا، وليس على مستوى اليمن، أو الشرق الأوسط”.
وعن محفزات الابتكار والإبداع في البيئة والسوق اليمنية، تقول الصراري:
“اليمن ولّادة، وملهمة في هذا المجال، هناك تصاميم متنوعة جدًّا، وستجد حتى كبيرات السن يتقن تطريز الأقمشة بشكل مبهر، لكنهن في العادة، لا يحصلن على فرصة الظهور، ويبقين خلف الستار، إذ توجد نساء بارزات، ومصممات موضة على مستوى عالٍ”.
ترى أمل الصراري أن وضع النساء يتحسن شيئًا فشيئًا، ويأتي ذلك بعد صبر كبير ومعاناة بسبب العادات والتقاليد الاجتماعية، وتنصح النساء الاستمرار في تطوير أنفسهن، والاشتغال على ذواتهن بشكل دائم، والمضي في هواياتهن دون تردد، والإيمان بما يملكن من مواهب.
لا تكمن أهمية نجاح أمل فيما ستحققه على المستوى الذاتي الفردي، بل بالنموذج الذي سيلهم الكثير من النساء اللواتي يردن الخوض في هذا المجال، وما زلن مترددات، إذ إن وجود تجربة رائدة، بشكل أو بآخر، يدفع الآخرين لتكرارها.
•••
عمران مصباح
خريج إدارة أعمال، جامعة صنعاء، كاتب، وشاعر، فاز بمشروع ديوان الفن الشعري “من بلاد النوافذ المحطمة”، والمدعوم من منظمة بوتري بورجكت الألمانية .
المادة خاص بمنصة خيوط