ضع اعلانك هنا

التعليم في اليمن… حق مسلوب وتجارة رابحة

اصيل ناجي

“أصبح التعليم اليوم تجارة” تلك العبارة التي لطالما تكررت على مسامعنا مراراً؛ وعلى الرغم من وجود تلك القوانين التي تشدد على مجانية التعليم في اليمن؛ والذي يعتبر أحد الحقوق الأساسية للإنسان، والمفتاح الرئيسي لممارسة باقي الحقوق؛ التعليم ذلك الحق الذي يساهم بطريقة حاسمة للغاية في تمكين الفرد إقتصادياً واجتماعياً وتخلصة من البؤس، إما ذلك الحق لم يعود حقا أساسياً بل حقاً مسلوباً وحِرمانٍ يعانيه الكثير من الشباب اليمني نتجية الوضع المعيشي في ظل الصراع المستمر منذو عدة سنوات وما يمر به قطاع التعليم الحكومي الذي يعاني من تدهور كبير، والذي بدوره جعل التعليم الخاص يشهد انتعاشاً ملحوظاً ابتداء من الروضة وحتى الجامعة ويحل محل التعليم الحكومي، والذي يعتبره الكثيرون بديلاً مرهقاً على الصعيد المالي والإقتصادي والأمر الذي جعله يبدو أقرب إلى التجارة منه إلى التعليم، والنظر إليه كفرصة للإستثمار وتجارة رابحة؛ وإن إستمرار الصراع وتردي الأوضاع المعيشة المرهقة سيكون لها انعاكاسات سلبية جداً على مستقبل الأجيال خصوصاً في ظل نزوح مئات الآلاف من الأسر من المدن الرئيسية إلى قراهم وفي ظل عدم تمكن الكثير من إلحاق أبنائهم بالتعليم، بالإضافة إلى إنقطاع رواتب المعلمين الذين تركوا المهنة من جهة أخرى، والخلل الإداري والتربوي الذي تعاني منها المؤسسات التعليمية في البلاد من قبل، والأمر الذي شجع على زيادة أعداد المدارس والجامعات الأهلية المتهمة بالبحث عن الربح السريع على حساب جودة التعليم.

هل يمكن أن يكون التعليم تجارة مربحة فعلاً ؟!!

يبدو أن هذا السؤال المليئ بالمرارة وما يدور في ذهن الكثير من الأهالي وطلاب الجامعات؛ فما شهدته السنوات الأخيرة من إنتشار للجامعات والكليات والمدارس الأهلية وبشكل فضيع وغير معتاد، والتي من خلالها يمكننا القول بأن التعليم بات سوقاً مفتوحاً للكثيرين من أصحاب رؤوس الأموال، بحيث أصبح بالإمكان لإي مستثمر يمتلك حانوتاً أو دكاناً أن يفتتح جامعة أو كلية أو مدرسة أهلية، وبالإمكانات الموجودة وبتراخيص يتم إعطائها من قِبَل وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي في سلطتي الصراع المنقسمتين في صنعاء وعدن، والتي يتم أخذها عن طريق وساطة أو بمقابل أموال طائلة (رشوة) دون مراقبة لتلك المدارس والجامعات والإطلاع على جودة التعليم الذي تقدمه تلك المؤسسات الإستثمارية، ويمكن إعتبارها إستثمارية لأن الهدف الرئيسي لمعظمها ليس تقديم خدمة التعليم وإنما الربح والإستثمار، وبما أن التعليم الحكومي لايبدؤ بأحسن حال قد يجعل من التعليم تجارة مربحة للكثيرة من المستثمرين في التعليم والذي بدوره يضع من الأسر ذات الدخل المتوسط بين كفي كماشة حق أبنائهم المسلوب والرسمالية، كالمستجير من النار بالرمضاء.

بين وضع معيشي لا يتحمل وأقساط باهظة

ما بين إرتفاع معدلات الفقر والجوع وإنعدام الأمان وإنقطاع رواتب موظفي الدولة والإنهيار الإقتصادي المتزايد وإرتفاع نسبة أقساط القطاع الخاص أصبح الأهالي يعيشون في دوامة البحث عن لقمة العيش وتعليم أبنائهم، جميعها عوامل عززت إرتفاع نسبة الحرمان من التعليم وعدم قدرة الكثير من الطلاب من إكمال تعليمة الجامعي، مما ينذر بجيل جاهل ويمكن أن يصبح أداة طيعة لمشاريع العنف والتدمير.
فيما يبدي غالبية الأهالي والطلاب في الجامعات والمدارس الخاصة صدمتهم أمام الإرتفاع “المهول” في الأقساط الذي حددت “بالدولار ” في بعض الجامعات الخاصة وأقساط مدرسية باتت تفوق قدرة الأهالي على الدفع، مما يضطر بالكثيرين من الأهالي إلى عدم إرسال أبنائهم للمدارس ويتحم على طلاب الجامعات من إيقاف دراستهم الجامعية والذهاب لسوق العمل بسبب عدم قدرتهم على سداد الرسوم الجامعية، وتحمل نفقات الدراسة.
المعاناة لا تتقصر على أهالي وطلاب الجامعات والمدارس الخاصة، إذ أن الجامعات والمدارس الحكومية تفرض رسوم تسجيل وأنشطة ورسوم أخرى على كل الملتحقين، وما يفرضه نظام التعليم الموازي والنفقات الخاصه من رسوماً باهظة؛ ناهيك عن متطلبات الحياة الأخرى من غذاء ومسكن وملبس التي بدورها تحرم الكثيرين من حقهم في التعليم لإسباب يأتي في مقدمتها عدم قدرتهم على تحمل نفقات التعليم المرتفعة والوضع المعيشي المزري نتيجة ما يمر به الوضع الإقتصادي المتردي خلال سنوات الصراع.
الجدير بالذكر أن عدد الجامعات الحكومية في كل محافظات الجمهورية لا تتجاوز عددها 12 جامعة حكومية.

سوق سواد

تلك المعاناة ليست في نفقات رسوم التعليم وحدها، فالكتب المدرسية والتي تعتبر مجانية وجدت سوقاً رائجاً وتجارة رابحة للكتب المدرسية، وهذا بعد إعتذار وزارة التربية والتعليم اليمنية في حكومة صنعاء عن طباعة الكتاب المدرسي، فسقوط سور مؤسسة تعليمية في القطاع الحكومي، تسقط الهوية العامة للتعليم، والتي بدورها منحت الحرية للسوق، وغدا التعليم بضاعة مزجاة في السوق السوداء.

إنتهازية رؤوس أموال التعليم الخاص

ففي ظل عدم صرف مرتبات غالبية الموظفين الحكوميين منذ عدة سنوات، وعدم وجود فرص دخل أخرى وإرتفاع نسبة الفقر، وجد أساتذة الجامعات ومدرسوا المدارس الأهلية أنفسهم تحت طائلة العجز أيضاً، من ما جعل منهم فرصة سانحة لإنتهازيية التعليم الخاص، والذي مازال بعض مدرسين المدارس الخاصة يتقاضون رواتب ضئيلة جداً تقدر بـ20 ألف ريال، مما يؤثر سلباً على أدائهم التعليمي، بسبب جدول الحصص الكثيف؛ على عكس ذلك في المدارس الحكومية يلقى المعلم راحة بجدول الحصص الخاصة به، مما يساعده على أداء عمله بإتقان، مما يؤثر إيجابا على أدائه التعليمي.

يأس وحِرمانٍ

بعض الأحداث التي تحصل مع الفرد تظل ترافقه في كل مسارات حياتة القادمة فتصبح وشماً لا يمحى، وشماً في مكان قصي من الذات لا يعلمه إلا هو، ليشكل نقطة سوداء، وجعاً تختلف تجلياته من لحظة إلى أخرى؛ يقول “عمران مراد 25 عاماً من أهالي محافظة الحديدة” والذي حرم من حقة في التعليم والحزن يعتري ملامح وجه محاولاً التخفف عن وجعه الذي يتجدد مع كل عودة مدرسية وكأن الحزن الذي أرتسم على وجه كان تعبيراً إحتجاجياً عن حقاً سلب منه، كنت أتساءل دوماً لماذا يعد التعليم مهماً وحقاً، ليس بالضرورة أن يكون مهماً وحقاً أساسياً ويمكننا الإكتفاء بقدرتنا على القراءة والكتابة، فأنا أعمل حالياً وأعيش حياة أفضل تلك التي يعيشها حاملي الشهادات، فغاليبة ممن تعلموا تجدهم لايجدون وظائف تعليق بشهاداتهم ويضظرون للعمل في نفس الأماكن تلك التي نعمل فيها نحن؛ نعم نحن أولئك الأشخاص الذين حرمنا من حقنا في التعليم؛ وربما قد تجدنا بخبراتنا في مجال عملنا تعطينا فرصة لإمتلاك حياة أفضل من تلك التي يمتلكها أصحاب الشهادات ونحظى بإحترام أكثر؛ نعم فالكثير من إجدادنا لم يذهبون إلى المدرسة وكانت حياتهم مثالية.

أصيل ناجي
6 / 9 / 2023م

ضع اعلانك هنا