عبدالكريم الرازحي
كانت حمام ناشر اشهر عصادة في القرية وكان الناس يتحدثون عن عصيدتها ويمدحونها :
– “عصيد حمام ناشر عصيد من صدق مش من جا عصد ومن جت عصدت ”
وكثيرا ماكان الرجال يعيِّرون زوجاتهم ويقولون لهن :
-مُوْهِيْ هذي العصيد حقكن!! رُوْحَيْن عند حمام ناشر تعلمكن كيف تعصِدَيْن!!
وكانت زوجاتهم يزعلن منهم ويغضبن ويقلن لهم :
-“روحوا انتم عند حمام ناشر تعصد لكم وخلَّوْ عصيدنا لنا ”
وكان بعضهم يمتنع عن الاكل ليُشعِرزوجته بأن عصيدتها لاشم لها ولاطعم. والبعض من شدة غضبه يشتم و يصرخ وقد يلطم لكن عبد المنان كان شخصا انفعاليا وعصبيا وبلهجة اهل القرية(حَرِقْ) وكان رد فعله مختلفا وغير متوقع حتى ان اهل القرية تفاجئوا برد فعله.
يومها كان عائدا من الحول وكانت زوجته سبُولة تعصد في”الصُّعد” وحين انتهت من تجهيز العصيد اخذتها ووضعتها بجانبه لكن عبد المنان بدلا من ان يقول بسم الله ويمد يده وياكل قال لها :
-” مومن عصيد هذي يامرة!! روحي عند حمام ناشر تعلمك كيف تعصدي ”
قالت له سَبُولَة و هي تسحب من امامه دست العصيد:
-“خلِّي عصيدي لي ياعبد المنّان وانت روح عند حمام ناشر تعصد لك”
وعندها انتفض عبد المنان من الغضب وانتزع العصيدة من امامها وهي ساخنة وراح يصبها فوق راسهاومن راسها انسكبت الى وجهها ورقبتها واخذت شكل القناع لكنه قناع من عصيد سَمَط لها الوجه والرقبة ولم يكتف عبد المنان بأن سمطها بالعصيدوانما تمادى في غضبه وسخطه وقال لها :
-” انت الطالق ياسبولة ”
ويومها عادت سبُولة الى بيت اهلها بوجه محروق وبرقبة محروقة لكن نساء القرية بدلا من ان يلقين باللوم على زوجها عبد المنان رحن يلقين باللوم على حمام ناشر ويقلن بانها السبب في طلاق واحتراق وجه ورقبة سبولة ومن حينها اشتدت كراهية النساء لها ورحن يتهمنها بأنها السبب في معارك العصيد التي ماتنفك تنشب بينهن وبين ازواجهن وبعد ان طلق عبد المنّان زوجته سبولة توجّست الأمهات خوفا ولشدة خوفهن على بناتهن من غضب ازواجهن رحن يطلبن منهن ان يتعلمن كيف يعصدن لأزواجهن عصيدة ترضيهم وتنال اعجابهم وكانت الام اذا ابصرت ابنتها ترفض التعلم تقول لها بأنه لااحد سيتقدم لخطبتها إن هي لم تتعلم صناعة العصيد وإن حالفها الحظ وتزوجها احدهم وهي تجهل الف باء العصيد فقد يطلقها ويفعل بها مثلما فعل عبد المنان بزوجته سبولة .
ايامها كانت العصيد اهم من الحب وكان الولد اذا طلب من امه ان تذهب وتخطب له فلانة بنت فلان لاتذهب الااذا كانت متأكدة بأن البنت التي يرغب ابنها بالزواج منها بنتٌ عصادة اما لو ان ابنها يرغب ان تخطبها له لأنه يحبها اولأنها جميلة فكانت الام ترفض وتعترض وتقول له :
” مو تشابِهْ وهي ماتعرفش تعصد ولاهي داري موهي اركان العصيد!! ”
وعندما تزوج عبده قاسم جُلجُلة بنت سيف القُنْبَلَة طلب منها ان تعصد ثاني يوم العرس ليطعم عصيدتها لكن امه حَوْقَلَة اعترضت وقالت له :
” البنت عروسة ياعبده قاسم”
وكان ذلك تقليد فالعروسة تُعدُّ ضيفة ولايُطلب منها ان تعصد الافي اليوم الرابع .
وفي رابع ايام العرس وقد انتهت مدة ضيافتها طلبت منها امه حَوْقَلَة ان تعصد وقالت لها :
“إعصدي ياجُلجُلة وخلي زوجك عبده قاسم يطعم عصيدك ”
وعصدت جلجلة يومها وكانت امه حوقلة اول من طعمت عصيدتها وبعد ان طعمتها وتذوقتها امتعضت وانزعجت وابدت استياءها وعندما ابصر عبده قاسم امتعاض امه واستياءها من عصيدة زوجته خرج من الديوان يجري وصعد الدرج المؤدي الى السقف ومن سقف بيته راح يصيح بكل صوته ويقول لأهل القرية :
” ليش يزوجوا بناتهم وهن مايعرفينش يعصدين ولاهن داريات مو هي اركان العصيد !!”
وراح ينادي عمه سيف القنبله ويطلب منه ان يأتي ويأخذ بنته جلجلة:
” ياعم سيف تعال شل بنتك ”
وكانت النساء في سقوف بيوتهن مستغربات ومتعجبات ومذهولات ومنتظرات ماالذي سوف يحدث هل سيأتي سيف القنبلة لأخذ بنته جلجلة وماذا لولم يأت !!
وفي سقف بيتها كانت امه حوقلة تبكي لكنها لم تكن تبكي تعاطفا مع زوجة ابنها وانما تبكي تعاطفا مع ابنها الذي دفع مهرا لبنت غبية وامية لاتعرف الف باء العصيد.
ومن شدة ماكانت متألمة قالت لنساء القرية وهي تواصل البكاء في سطح بيتها:
” زادوا على ابني زوَّجُومُو بنت ماتعرفش تعصد”
ومن سطوح بيوتهن كانت النساء يغلّطنها ويقلن لها :
-” الغلط منك ياحوقلة كيف تروحي تخطبي جلجلة لابنك وهي ماتعرفش تعصد !!”
وصاحت حوقلة : “مودرَّاني يانسوان الغلط مش هومني الغلط من امها زكيّة”
وقالت لهن بأنها ذهبت تخطب جلجلة لإبنها عبده قاسم ظنا منها بأنها عصادة وان امها علمتها ولم تكن تعلم بان امها زكية سوف تغشها وتكذب عليها وتزوج بنتها لإبنها وهي لاتفقه شيئا في علم العصيد ولاتعرف حتى كيف تمسك ب ” المخدش”
ومن سطح بيتها قالت لها لُوْلْ شاهر:
-“ياحوقلة اني فدالك خلاص اللي وِقِع وِقِع ارحمي البنت”
لكن حوقلة قالت بأنها لن تسكت إن لم يأتوا ليأخذوا بنتهم ويردوا لإبنها المهر :
“والله مااسكت لهم يالُوْلْ الابعدمايجو يشلُّوا بنتهم ويرجِّعوا لابني المهر ”
وقال عبده قاسم :” لهم مهلة للمغرب و لوماجاش سيف القنبلة يشل بنته والله لااطلقها ”
وبعد ان راح عبده قاسم يهدد بالطلاق خرجت جلجلة من مخبئها وجثت عند قدمي زوجها وقالت له وهي تبكي بكل صوتها وتقبل قدميه :
” اني فدالك ياعبده قاسم لاتطلقنيش والعصيد شاعصد لك واخدمك واخدم امك حوقلة”
قال لها عبد قاسم : كيف شتعصدي لي وانتي ماتعرفيش اركان العصيد ”
قالت له وهي تواصل البكاء :” شاروح عند حمام ناشر تعلمني ”
ومن سقف بيتهاقالت له العصادة حمام ناشر :
“اني شاعلمها ياعبده قاسم ولاعَلَوْكْ ”
وعندها سكت عبده قاسم وقال لها :
“خلاص ياجلجلة مادام حمام ناشر باتعلمك اركان العصيد اجلسي لكن ابوك والله مااسامحه”
وغضبت امه حوقلة وقالت له :
“لوانت ابني ياعبده قاسم طلق جلجلة ولوما طلقتهاش اليوم لااعرفك ولاتعرفني لا اني امك ولاانت ابني ”
ومن سقف بيتها راحت حوقلة تصب جام غضبها على سيف القنبلة وزوجته زكِيِّة وتتهمهما بأنهما غشا ابنها عبده قاسم وزوّجاه ابنتهما جلجلة وهي لاتعرف الف باء العصيد .
ولشدة ماكانت متألمة منهما صرخت في وجه ابنها وقالت له :
-” طلق جلجلة ياعبده قاسم اسمع كلامي اني امك”
وصاحت جلجلة بصوت مفزوع وقالت له وهي تقبل قدميه وتبكي بصوت مريع :
– ” سألتك بالله ياعبده قاسم لاتطلقنيش .. حرام تطلقني واني احبك ”
وبعد ان سمع عبده قاسم زوجته جلجلة تقول له بأنها تحبه فرح وانتعش وشعر بأن الحب اهم من العصيد وقال يطمئنها :
“وانا احبك ياجلجلة ومايمكن اطلقك حتى لوماتعرفيش تعصدي ”
وصاحت امه حين سمعته يقول بأنه لن يطلقها وان الحب اهم من العصيد و ثارت ثائرتها وراحت تهدد وتقول له :
“والله ياعبده قاسم لوماتطلقش جلجلة لااتعرْطَطْ واخرج من البيت واسير بين الناس عُرطُوْط”
ولحظتها خاف عبده قاسم من تهديد امه و من قولها بأنها سوف تتعرَّى وتخرج بين الناس وهي عارية.
ولشدة خوفه من ان تفعلها قال لزوجته جلجلة :” انت طالق ياجلجلة”
وجرت جلجلة وهبطت الدرج تجري وخرجت من بيت العُرس وهي تعول وتبكي وبعد خروجها بكى عبده قاسم واستغربت امه حين رأته يبكي وقالت تسأله :
– لموتبكي ياعبده قاسم ؟!
قال لها :” احبها يمّا ”
قالت له امه وهي مستغربة ومتعجبة من رده :
“تحب جلجلة ياعبده قاسم وهي ماتعرفش تعصد!! والله انك قليل عقل ”
ور احت توبخه وتقول له بأن الرجل لايبكي على امراة وانما المرأة هي التي تبكي وطلبت منه ان يذهب في الصباح الى بيت عمه سيف القنبلة ويسترجع منه المهر:
” بكر الصبح وروح لاعند عمك سيف القُنْبُلة وقل له يرجع لك المهر واني ازوجك ”
قال لها عبده قاسم بأن عمه سيف القنبلة لن يعيد له المهر طالما انه دخل على بنته وفتحها :
-” يما كيف شرجع لي عمي المهر وانا قافقَعتُو بنتُه !!
قالت له امه حوقلة :
“مادام انت رجَّعت بنته يرجِّع لك المهر غصبا عنُّه ”
وظن عبده قاسم بأن امه تتكلم عن خبرة ومعرفة بالاعراف والتقاليد وان المهر يرجع برجوع الزوجة الى بيت اهلها وفي صباح اليوم التالي ذهب الى بيت عمه ليسترجع المهر لكن عمه سيف القنبلة انفجر فوقه وقال له :
“كيف تشانا ارجع لك المهر ياعبده قاسم وانت قا فقَعْت بنتي!! موتحسبنا اهبل” !!
ومن بيت عمه سيف القنبلة عاد عبده قاسم وهو زعلان لكنه لم يكن زعلانا من عمه وانما كان زعلانا من امه ومن نفسه لأنه صدقها وطلق زوجته التي تحبه ويحبها وسألته امه عند عودته عما فعله مع عمه وهل رد له المهر ؟
قال لها عبده قاسم وهو يكاد يجهش بالبكا ء بأن عمه رفض ان يعيد له المهر وقال لها :
“قال موهو اهبل يرجِّع لي المهر وقافَقَعتُو بنته ”
وغضبت حوقلة من كلام سيف القنبلة وراحت تصيح وتقول :
” جلجلة بنت مش هي زُمِّيْطَة ( بالون) ” ويحمد الله القنبلة انك فقعت بنته ”
ومعنى كلامها هو ان البنت عندما تُفتَضُّ بكارتها تصير امرأة وتزداد قيمتها وكانت زعلانة لأن ابنها عبده قاسم فض بكارة زوجته وطعمها الحُلووجعل منها امرأة فيماهي طعمته عصيدة لاطعم لها
لكنها عندما لاحظت بأن ابنها عبده قاسم متألم وزعلان منها وليس من عمه قالت له تواسيه :
” ولاعلوك ياعبده قاسم والله لاابيع البُقْرِي واخطب لك حُورِيَة بنت ناجي شُعلان ”
وراحت امه تحدثه عن حُورِيَة وعن عصيدتها وعن نهديها الكبيرين وتقول له بأنها عندما تلد وتنجب له سوف يتدفق من ثدييها لبن غزير اغزر من لبن بقرة فازعة وسيكون بمقدورها ان ترضع طفله وكل اطفال القرية .
ولحظتها صاح عبده قاسم بكل صوته وقال لها بأنه يريد منها ان تخطب له بنتا وليس بقرة :
“يما انا اشتي تخطبي لي بنت مش تخطبي لي بُقْرِي ”
وتفاجأت امه من ردة فعله وقالت له :
” ناهي ياعبده قاسم انت بس قل لي من من بنات القرية تعجبك واني اخطب لك هي ”
وكان قلب عبده قاسم من قبل ان يتزوج جلجلة يخفق بقوة كلما ابصر حمام ناشر او سمع صوتها ويومها قال لامه :
– ” اخطبي لي العصادة حمام ناشر وبس ”
وماان سمعته امه حوقلة يطلب منها ان تخطب له حمام ناشر حتى شعرت بالرعب وقالت له :
– “تشاني اخطب لك حمام ناشر!! انت بعقلك ياعبده قاسم والاتجنّنت !!”
قال لها : يمَّا حمام ناشر عصادة عصيدها احسن من عصيد حُورِيَة واحسن من عصيد بنات الحور بالجنة ”
قالت له امه حوقلة بنبرة محتدّة :
“موقدّرك لِهْ ياعبده قاسم.. حمام ناشراكبر منك وارمل ومعِهْ سبع شهوات ”
قال لها عبده قاسم : “معه سبع شهوات والاسبعين شهوة اخطبي لي هي ”
وعندمارأت ابنها يصر على حمام ناشر راحت تخوفه منها وتقول له :
“حمام ناشر منشار شتنشرك بسبع سنين مثلما نشرت زوجه رشاد نعمان”
ولم تكن حوقلة وحدها الذي تقول عنها ذلك ولكن غالبية نساء القرية كن يقلن عنها :
” حمام ناشر منشار ”
وكان قد شاع بين نساء القرية بأنها امرأة شبقة وشهوانية ونهمة للجماع واشبه ماتكون بمنشار جنسي وكن يتهمنها بأنها تسببت بموت زوجها رشاد نعمان وكانت السبب في تسريع وتعجيل موته وكان موت زوجها رشاد نعمان وهو في ذروة شبابه وبعد مرور سبع سنوات على زواجه قد فاقم من كراهيتهن لها وكن كلما جئن على ذكرها يرفعن اكفهن الى السماء ويدعين عليها :
“ربي يضيِّعك ياحمام ناشر ويعجِّل بايامك مثلما عجَّلت بموت زوجك رشاد نعمان ”
ومن بين نساء القرية كانت ملاك زوجة العاقل بجاش امرأة في منتهى الطيبة ومن طيبتها كانت تستقبل العصادة حمام ناشر في بيتها وتفرح بمقدمها وتقدم لها القهوة والحلوى وكانت النساء يخوفنها منها لكنها لم تكن تخافها وانما كانت تخاف من العاقل بجاش زوجها ذلك لأن العاقل بجاش كان رجلا مِزواجا مِطلاقا وجاهزا للزواج من اي امرأة مطلقة كانت اوارملة. وكانت ملاك تشعر كلما حضرت حمام ناشر الى بيتها بأن زوجها العاقل بجاش يفقد عقله بحضورها وكان اكثر مايزعجها ويؤلمها هو انه في الايام التي تتأخرفيهاعن تجهيز العصيد يصعد للسقف ويصيح بكل صوته :
” ياحمام ناشر ..ياحمام ناشر ”
وحين تجيبه العصادة حمام ناشر من سقف بيتها يسألها العاقل عن اركان العصيد :
“قولي لي ياحمام كم اركان العصيد” ؟!
وكانت زوجته ملاك تعرف قصده من سؤال حمام ناشر عن اركان العصيد ذلك لأن حمام ناشر كانت تعتبر السرعة ركنا من اركان العصيد وكان مايميز حمام ناشر عن غيرها من العصادات بالإضافة الى جودة عصيدتها هو قدرتها على انجاز وتجهيز العصيدة بسرعة شديدة وفي اقل وقت. والسبب في ذلك يرجع الى مَخْدَشها” مِعصَدها” الذي تعصد به .كان لها مَخْدَش “مِعصَد “قوي ومنحوت اقتطعته من شجر خاص ينبت في اسفل الوادي ونحتته بنفسها وشكلته بسكينها وبطريقة تمكنها من ان تعصد بيسر شديد وبسرعة شديدة .وكان رجال القرية لايمتدحونها لكونها تعصد عصيدة رائعة فقط وانما لأنها بالإضافة الى عصيدتها الرائعة والخالية من العيوب كانت تعصد بسرعة فائقة وكان اولئك الذين يعودون من الحقول وهم في غاية الجوع يتضايقون وينزعجون من زوجاتهم إن هن أبطأن في تجهيز وتقديم العصيد وكثيرا ماكان ينشب خلاف شديد بينهم وبينهن وكانوا يقولون لهن وهم في حالة غضب :
-” حمام ناشر مش بس تعرف تعصد لكنِّه تعصد بسرعة انتن ماتجهِّزين عصيدكن الا وقامتنا جوع ”
وبسبب البطء في تجهيز العصيد طلق وكيل الشريعة حمود السلتوم زوجته ظبية بنت الحاج شعلان .
كان قد عاد من الحكومه وبه جوع شديد واول مادخل البيت اخبرزوجته ظبيه بان الجوع يفتك به وطلب منها ان تسرع في تجهيز العصيد ومن شدة جوعه استبطأها وخرج من الديوان واتجه للمطبخ وهو زعلان واول مادلف الى المطبخ قال لها وهي تضع اللمسات الاخيرة على عصيدتها :
“لوكنتو تزوجتو حمام ناشر فاقاكمَّلتو اتغدي وقدنا مخزن بديوان العاقل بجاش ”
ومن شدة مااوجعها كلامه كرعت عصيدتها في ” الصُّعْد” وقالت له :
” هيا ذحِّين طلقني وروح اتزوج حما م ناشر”
وماان ابصر حمود السلتوم العصيدة معصودة بالجمر والنار والرماد اشتعل من الغضب ووثب فوقها مثل النمر وراح يضربها ويوسعها ضربا وبعد ان اشبع غليله منها قال لها :
“انت الطالق ياظبية ”
وحتى يوجعها اكثر راح ينادي امه ويطلب منها ان تذهب وتخطب له حمام ناشر
وكان طلاق ظبية بنت الحاج شعلان قد وحَّد نساء القرية ضد حمام ناشر ورحن يلقين باللوم عليها ويقلن بأنها سبب كل المصائب التي تحدث في القرية وكان ماجعلهن يلقين باللوم عليها هو ان حمام ناشر كانت ماتنفك تقول بان من واجب الزوجة ان تسرع في تجهيز وتقديم العصيد لزوجها وبالمقابل فإن من واجب الزوج ان يبطئ في جماع زوجته بدلا من ان يسرع . ولأن حمام ناشر كانت تضع السرعة في حسابها وتعتبرها ركنا من اركان العصيد راحت نساء القرية يسخرن منها ويتهكَّمن عليها ويتهمنها بأنها سرّعت وعجّلت بموت زوجها رشاد نعمان وكانت السبب في موته باكرا لكن حمام ناشر كانت ترد على اتهامات نساء القرية وتقول لهن لتبرئ نفسها :
– “رشاد هواللي عجَّل بموتُه ”
كان رايها هو ان البطء في الجماع فضيلة والسرعة رذيلة وكثيرا ماكانت تقول بأن الرجل العجول والمستعجل في الجماع يموت سريعا ويموت قبل زوجته فيما الزوج الذي يبطئ ويجامع زوجته ببطء يتعمَّر ويموت بعدها وقالت تدافع عن نفسها بأن رشاد زوجها كان عجولا ومستعجلا وكان يجامعها بسرعة شديدة وعلى عجل وبحسب تعبيرها :
“رشاد يانسوان كان يعاجل”
وبسبب سرعته وعجلته وقذفه السريع كانت تنزعج وتضيق به وتتضايق منه وتصرخ فيه تعنِّفه وتقول له :
“لمو تعاجل ؟! ربي يعجِّل بايامك”
لكنها امام اتهامات نساء القرية انكرت انها كانت تدعو الله ان يعجل بموته وقالت بأنها كانت تحبه ومن حبها له كانت تنصحه ان يبطئ في الجماع ويطوِّل معها حتى يطول عمره لكنه بحسب قولها كان يكرع ُدهْنَه قبلها وقبل ان تبلغ نشوتها وكان ذلك يؤلمها ويوجعها وقالت بان معظم نساء القرية يعانين من ازواجهن مثلها لكنهن لايتجران ان يعترفن والسبب انهن خائفات من ازواجهن اماهي فلأن زوجها ميت ولأنهن يتهمنها بأنها السبب في تعجيل موته قالت ذلك كيما تدافع عن نفسها لكن نساء القرية حتى عندما تقول صدقا وتصدق في كلامها لايصدقنها وانما يصدقن انفسهن ويصدقن مايقلنه عنها وفي نفس الوقت كان فتيان ورجال القرية يصدقون كلام امها تهم وقريباتهم بأن الاقتراب من حمام ناشر اقتراب من الموت .وعندما طلب وكيل الشريعة حمود السلتوم من امه راقية ان تخطب له حمام ناشر صرخت فيه وقالت له بأنها مستعدة تذهب لتخطبها له إن كان يكره حياته ويرغب بالموت:
” لونفسك تموت ياحمود اسرح ذحين اخطب لك حمام ناشر ”
وبعد كلام امه راقية خاف واحجم وتزوج بدلا منها تقوى بنت السيد عبد القادر وقال الناس يومها :
“وكيل الشريعة حمود السلتوم الذي يخوِّف اهل القرية بالحكومة خاف يتزوج حمام ناشر ”
ولم يكن وكيل الشريعة وحده الذي خاف واحجم وانما كل اولئك الذين يتمنونها ويرغبون بها ويحلمون كانوا يحجمون ويتراجعون بعد الذي يسمعونه عنها من امهاتهم وقريباتهم وكان لديهم يقين بأنهم لوتزوجوها سوف تلتهمهم بنفس الشراهة التي التهمت بها زوجها رشاد نعمان لكن الولد عبده قاسم ظل عند كلامه ولم يتزحزح قيد انملة عن رغبته في الزواج بها وكان كلما خوفته امه حوقلة منها ازدادت رغبته بالزواج بها وحتى يرغمها على ان تذهب اليها وتخطبها له اقسم بأنه سوف ينتحر ان لم تخطبها له وقال مهددا :
” والله لوما تخطبي لي حمام ناشر لاارجم بنفسي لاهيجَة المدَّارِيْن”
ولشدة خوفها من ان يفعلها ويلقي بنفسه في “هيجة المدارين” ذهبت لتخطبها له رغم كراهيتها لها وبالرغم من خوفها على ابنها منها لكن حمام ناشرردتها ولم تقبل الزواج بإبنها عبده قاسم وقالت لها متهكمة :
“كيف تجي تخطبيني لابنك ياحوقلة واني معي سبع شهوات وشهوتي منشار ”
وكانت حوقلة اكثر امرأة تُشهِّر بالعصادة حمام ناشر. كانت تجاهر بعداوتها لهاوتعلن عليهاكراهيتها وتتهمها امام النسوان بأنها نهمة في الجماع لاتشبع ولاتقنع وتقول عن شهوتها بأنها تلمع وتقطع مثل السكين.
ومن بيت حمام ناشر خرجت حوقلة وهي اكثر كراهية لها وعندما عرف ابنها عبده قاسم بأن حمام ناشر رفضته تألم واكتئب وبعد مرور اسبوع اصبحت القرية على خبر مريع
وهو ان عبده قاسم ابن حوقلة القى بنفسه في ” هيجة المدارين ” وكان خبر انتحاره بمثابة القشة التي قصمت
ظهر حمام ناشر .ومن حينها راح كل من يصادفها في طريقه يشيح بوجهه عنها ويتحاشاها وإن هي سلّمت لااحد يرد السلام ولو حدث ان طرقت بابا من ابواب بيوت القرية لااحد يفتح لها باستثناء ملاك زوجة العاقل بجاش واما العاقل فكان شديد الإعجاب بها وبعصيدتها وعندما كان يأتيه عسكر من الحكومة اويأتيه ضيوف يشعر بأن من واجبه ان يكرمهم ويقدم لهم عصيدة من عملها وكثيرا ماكان ينادي ابنه ويقول له كلما وصله عسكر اوضيوف :
” روح ياولد لاعند حمام ناشر وقل لها تجي تعصد ”
وكانت حمام ناشر تأتي وتعصد وزوجته ملاك تحبس غضبها في صدرها وذات يوم وقد نفذ صبرها انفجرت وقالت لإبنها الصغيروعمره سبع سنوات:
” لوتروح تدعي حمام ناشر تجي تعصد للضيوف والله لااقتلك ”
ثم التفتت جهة العاقل وقالت له وهي في ذروة غضبها :
“لمو تشا حمام ناشر تجي تعصد للضيوف ؟! ”
قال لها العاقل بجاش :
” على شان تعاونك وتربِّخ عليك”
قالت له وقد فاقم كلامه من غضبها :
” موتقول ياعاقل !!تجي تعاوني وتربِّخ عليَّ تحسبني هبله مانيش داري!! ”
كان لديها خوف من ان يفقد زوجها العاقل عقله ويطلقهاويتزوج بها وكان خوفها ذاك قد سمم حياتها لكنها رغم خوفها من زوجها العاقل لم يحدث ان خافت او شكَّت بالعصادة حمام ناشر كانت ماتزال تستقبلها في بيتها وتقدم لها القهوة والحلوى ولاتصدق كلام النساء عنها وعن كونها تتربص بزوجها وتخطط لخطفه منها وكانت حمام ناشر دائمة السؤال عن العاقل تسأله عنه وعن حاله وتقول كلما صادفته في طريقها او عندما تأتي الى بيته :
” كيف حالك ياخال بجاش؟! ”
ولم يكن العاقل خالها لكنها كانت تناديه ياخال وعندما كانت النساء ينتقدنها لظهورها امامه وهي بكامل زينتها تقول لهن :
“يانسوان العاقل بجاش عاقل القرية وهو مثل ابي مُوْحرام لوظهرتُو قُدّامُه واني مُحَوْمَر ومُبَوْدَر!! ”
كان زوجها رشاد نعمان يحب الحياة والمرح والفنون بأنواعها ومن حبه للرقص و الغناء علمها ترقص وتغني وكان الرقص والغناء هما عملها بالإضافة الى عمل العصيدة اما بعد موته فقد كان الوقت كله ملكها وتحت تصرفها وكانت ماتنفك تقول للنساء اللاتي يَعِبْن عليها انشغالها بالرقص والغناء وباللهووالمرح :
“انتن يانسوان معاكن ارض ومعاكن ازواج اني مافيش معي لاارض ولازوج”
كانت بيضاء مثل الحمامة وبياضها مُشْرَب بحُمرة حتى انها عندما تطلي شفايفها بأحمر الشفاه تبدوفاتنة واكثر جمالا من كل الجميلات وكان العاقل بجاش كلما ابصرها تدخل بيته وشفايفها مطلية بالأحمر يسيل لُعَابَه ومعه يسيل عقله.
وذات يوم وقد حضرت لتزور زوجته ملاك بُعَيْدَ ولادتها دخل العاقل بجاش وقال لزوجته ملاك بانه سيبكر في الصباح ليحرث ارضه في الوادي وليس هناك من سيلقي البذور في الأثلام :
قالت له زوجته ملاك :
” حمام ناشر شتجي معك تذري”
والتفتت ناحيتها وقالت لها :
“روحي اذري بدلي ياحمام اني فدالك ”
وفي الصباح وقت شروق الشمس خرج العاقل بجاش من بيته حاملا المحراث وراح يسوق الثورين اللذين سيحرث بهما ومن خلفه سارت حمام ناشر وهي بكامل زينتها وكأنها في يوم عيد اوكأنها ذاهبة الى عُرس وعندما ابصرها اهل القرية تسير خلف العاقل بجاش وهي بكامل زينتها راحوا يستغربون ويتغامزون ويقولون :
” موذا؟! موقافي؟! ماله العاقل؟! ”
وحين تناهى الى سمعهم صوتها وهي تغني جن جنون اولئك الذين يتمنونها زوجة لهم وقالت النساء :
“حمام ناشر قليلة حياء ”
ومن يومها لا احد يدري ماالذي جعل ملاك زوجة العاقل بجاش تقطع علاقتها بها وتمنعها من دخول بيتهابعد ان كانت تستقبلها بالقهوة والحلوى وكان العاقل يحلف لها بأنه لم يحدث بينهما شيئ في الوادي لكن نساء القرية من كراهيتهن لها رحن يختلقن حكايات وروايات منها ان العاقل بجاش ذهب يومها الى وادٍغير الوادي وحرث بسكة محراثه ارضا ليست ارضه وغرس بذره في حَوْلٍ ليس حوله وقلن بأن حمام ناشر لم تذر يومها وانما العاقل هو الذي ذرى وبذر وكان كلامهن يصل الى زوجته ملاك و ملاك تتألم وتبكي بصمت وكانت نساء القرية كلما دخلن عليها ووجدن وجهها مغسولا بدموعها يتعاطفن معها ويزددن كراهية للعصادة حمام ناشر حتى انهن من كراهيتهن لها كن كلما تناهى الى مسامعهن بأن احدهم تقدم لخطبتها يعتريهن شعور بالفزع ويتفقن فيمابينهن على ان يُفشِلن الزواج بأيِّ طريقةٍ كانت ولم يكن لديهن مانع في ان تتزوج من رجلٍ غريب يأخذها بعيداعن القرية ويخلصهن منها ويحقق امنيتهن ودعواتهن عليها :
“ربي يضيِّعك ياحمام ناشر ويعجِّل بايامك مثلما عجَّلتِ بموت زوجك رشاد نعمان ”
لكن ماحدث هو العكس مرضت ملاك زوجة االعاقل بمرض الاستسقاء واسعفها ا حد اولادها الى مستشفى الملكة اليزابت في عدن ولم يستطع الأطباء ان يشفوها من مرضها الناتج عن تليُّف الكبد وكان ان عادت للقرية وهي اشد مرضا وليلة عودتها راح العاقل يحوم حولها وكله شوق لكن ملاك قالت له وهي تتوجع وتتألم :
“اني فدالك ياعاقل لاتقربش جنابي ”
واقترب العاقل منها وراح يلامسها وكانت هي تتألم من لمساته وتتوجع وتتوسل اليه ان يرحمها :
“اني مريض ياعاقل ارحمني”
لكن العاقل الذي كان عقله في رأس ذكره ظن بأنها تتدلّع عليه وتتمنّع مثلها مثل اي امرأة تذهب الى عدن .
ولشدة اشتياقه لها جامعها غصبا عنها ولحظة دخل فيها شهقت شهقة الموت وخرجت روحها وفي صباح اليوم التالي شاع خبرموتها وبكتها القرية كلها وكعادتهن القت النساء باللوم على حمام ناشر واتهمنها بأنها السبب في مرضها وموتها لكن النساء اللاتي قمن بغسلها القين باللوم على العاقل بجاش ورحن يتهمنه بالقسوة وعدم الرحمة وعندما عرفت مسك علوان بأن العاقل بجاش جامع بنتها ملاك ليلة عودتها من عدن وهي في اشد مرضها اجهشت بالبكاء وراحت تدعو الله ان ينتقم لبنتها منه :
“ربي ان شاء الله شِحَوِّل لك بمَرَةْ تفعل بك مثلما فعلت بملاك بنتي ”
وبعد مرور اربعين يوما على وفاة زوجته ملاك شاع الخبر في” قرية العكابر “بأن العاقل بجاش تزوج العصادة حمام ناشر وكان ان هاجت نساء القرية وانتفخت صدورهن مثل بالونا ت من الغضب وازددن كراهية لها واما حوقلة ام عبده قاسم فراحت تصرخ من سقف بيتها وتقول بكل صوتها بأن حمام ناشر سمَّمت ملاك لكيما تتزوج بالعاقل بجاش .
وبزواج العاقل من حمام ناشر صار الإثنان : العاقل وحمام هدفا لغضب نساء القرية وسخطهن واما الرجال والفتيان الذين كانوا يتمنون الزواج بالعصادة حمام ناشر فقد حسدوا العاقل في قرارة انفسهم لكنهم في العلن راحوا يتهكمون عليه ويسخرون منه ويبشِّرونه بقرب اجله :
” قرب اجلك ياعاقل بجاش من قال لك تتزوج حمام ناشر ؟! ومُوْصنَّف لك تتزوجها ؟!ومُوْقدَّرك لها وقدَكْ شيبه؟!
وكان العاقل يضحك من كلامهم ويقول لهم :
” قلت اخليها لكم الشباب لكن انتم عيال امهاتكم تسمعوا كلامهن وتصدقوهن”
قالوا له :” نحنا شباب انت قدك شيبه ولومت بعد سبع سنين الزايد عندك”
ومثلما كان رجال وفتيان القرية يسخرون من عاقل قريتهم ويتهكمون عليه ويخوفونه كانوا في نفس الوقت يتهكمون على حمام ناشر ويسخرون منها ويقولون لها :
– “موصنف لك ياحمام تتزوجي العاقل بجاش وقو شيبه عمره تسعين سنة وعمرك اربعين!! ”
وكانت حمام ناشر تقول لهم :
” شيبه ولاكل الشباب”
يقولون لها :” لكن حقُّه ناطِل مثل اذن العنز ”
تقول لهم : ” والله انه بالليل يرتكز مثل منارة جامع ابن علوان”
ومن حين تزوجها العاقل بجاش وهم يرصدون ويحسبون يعدون الايام والأشهر
وبعد مرور عام على زواجه قالواله :
” باقي من عمرك ست سنين ياعاقل ”
ثم راحوا يواصلون العد
وبعد مرور عامين قالوا له :
“باقي من عمرك خمس سنين ياعاقل ”
وكان العاقل يضحك ويقول لهم بأن ساعة مع حمام ناشر تساوي سنة من عمر الواحد منهم. وسنة معها تساوي عمر.وكان ذلك يغيضهم ويفاقم من حسدهم لكن وكيل الشريعة حمود السلتوم كان اكثرهم حسدا وكان ينتظر بفارغ الصبر مرور السبع السنوات ليرى نهاية العاقل بجاش وفي نفس الوقت كان يطمع ان يحل محله بعد موته .لكنه لسوء حظه مات بعد ثلاث سنوات من زواج العاقل بالعصادة حمام ناشر فضلا عن انه مات وهو في الثالثة والخمسين من عمره ثم مرت السنوات السبع وتفاجأاولئك الذين خافوا وأحجموا عن الزواج بالعصادة حمام ناشر بان العاقل بجاش لم يمت وكان ان راحوا يستغربون ويتساءلون عن السبب في انه لم يمت رغم زواجه بالمرأة التي خوفتهم امهاتهم من الزواج بها. كان لديهم يقين بأن امهاتهم صادقات ولايكذبن وان كل من يتزوج بالعصادة حمام ناشر سوف يموت بعد سبع سنوات لكنهم وقد ابصروا العاقل بجاش وهو بكامل صحته وعافيته زعلوا من امهاتهم ومن كل نساء القرية اللاتي خوفنهم من حمام ناشر وشعروا بأنهن خدعنهم وكذبن عليهم وقالوا بأن كراهيتهن لها افقدتهن صوابهن وجعلتهن يصدرن احكاما ظالمة في حقها لكن رجال وشباب القريةوبعد ان هد م العاقل بجاش تلك الخرافة التي روجت لها امهاتهم راحوا يقتربون من العاقل بجاش ويسألونه عن السبب في ان رجال القرية يموتون في الاربعين والخمسين والستين وهو في السابعة والتسعين من عمره ولم يمت وقالوا له :
“ابوتنا ياعاقل كل واحد منهم تزوج واحدة وكلهم ماتوا وانت تزوجت عشر نسوان وآخرهن حمام ناشر وعادك ماشاء الله عايش “وطلبوا منه ان يقول لهم السبب الذي جعل عمره يطول .
وردعليهم العاقل بنفس الكلام الذي كانت تقوله حمام ناشر وقال لهم :
“ابوتكم كانوا يعاجلوا مع نسوانهم وكانين يزعلين منهم ويدعين عليهم ويقولين لهم :
“لمو تِعَاجِلوا ربنا يعجِّل بايامكم”
وربنا كان يعجل بأيامهم وكانوا يموتوا قبل امهاتكم ”
قالواله : وانت ياعاقل؟!
قال : انا كنتوأبطِي واطوِّل مع نسواني وكانين يفرَحين ويدعين لي ويقولين :
“ربنا يطوِّل بعمرك ياعاقل بجاش”
ويومها ادرك شباب القرية ان البطء فضيلة والعجلة رذيلة ومن حينها راحوا يتعلمون من العاقل بجاش فلسفة البطء ويبطئون في جماع زوجاتهم وفي المقابل راحت زوجاتهم يسرعن في تجهيز وتقديم العصيد لهم ورحن يطلبن من بناتهن ان يذهبن الى بيت العاقل “بيت العصيد ” ليتعلمن من زوجته العصادة حمام ناشر الف باء العصيد واسرارها واركانها وفي خلال ثلاث سنوات كانت العصادة حمام ناشر قد علمتهن ومحت اميتهن وصارت كل بنت في قرية العكابر وكل طفلة تعصد مثل امها وافضل من امها وبعد ان كن يعصدن بدون رغبة صرن يعصدن بحب وصارت العصيد وجبة مقدسة يعشقها الكبار والصغار النساء والرجال ومن حبهم للعصيد صاروا يأكلونها في كل وقت وفي كل عرس وفي كل عيد .وبعد ان كانت الخلافات بين الأزواج وزوجاتهم تنشب وتحتدم في كل بيت وكانت حمام ناشر في نظر اهل القرية هي رأس الفتنة اضحت حمامة سلام وكان الحب والغرام بينها وبين العاقل بجاش حديث اهل القرية ثم ان حبهما انتقل بالعدوى الى كل بيت. لكن العاقل بجاش وقد بلغ المئة عام مرض مرضا شديدا واسعفه اكبر اولاده الى مستشفى الملكة اليزابت في مدينة عدن ومثل زوجته ملاك عاد الى القرية وهو اشدمرضا وليلة عودته اقتربت منه زوجته حمام ناشر وهي بكامل زينتها وبكامل رغبتها وراحت تلصق به وتقول له :
” مشتاق لك ياعاقل”
قال لها العاقل بجاش وهو يتألم : “انا مريض ياحمام مرض الموت ”
قالت له وهي تزداد التصاقا به : “والله انك عادك شتتعمر مية سنة فوق الميه”
وراحت تلامسه وتقبله وتتحرش به هو يؤكد لها بأنه مريض وليس بمقدوره ان يفعل ماتريده منه
قالت له وهي تلامس الأماكن الحساسة من جسده :” والله انك تقدر ياعاقل.. اني داري بك وداري مومعي ”
قال لها وهو منزعج منها ومن تمسّحها به :” قلت لك انا تعبان ياحمام.. تعبااااان ماتصدقيناش ”
قالت وهي منزعجة من تمنُّعه : أكَّهْ موشُوْقَع ياعاقل لوعملنا !!والله ولاشُوقَع بك حاجة ”
قال لها العاقل بجاش وهو يتوجع من المرض و” يتوجَّش “:
“ياحمام ارحمينا قلتو لك انامريض بالموت”
قالت وهي تمسكه من اضعف نقطة فيه :”
“داري ياعاقل انك مريض ومصدقك لكن انت ولاعلوك شي ارقد بس على ظهرك ولاتتحرك وخلي كل شي علي”
ولأنه يحبهااستسلم لها وامتدَّ على ظهره .
وفي الصباح شاع خبر موته وقيل بان روحه خرجت من ذكَره وخرج معها دمٌ غزير.