يطل علينا يوم سبتمبري جديد، حاملاً معه شعلة الذكرى الـ 61 لقيام ثورة 26 من سبتمبر 1962 ثورة الحرية والكرامة، ثورة كسر القيود والقضاء على ثالوث الجهل والفقر والمرض الذي اتبعه وسار عليه الطغاة في حكم الشعب الذين ارتدوا عباءة الدين لتبرير إطلاق أيديهم في النهب، والقهر، والقمع والقتل والتشريد..
وبحلول هذه المناسبة العظيمة يتقدم حزب البعث العربي الاشتراكي القومي بأصدق التهاني والتبريكات لكافة أبناء الشعب اليمني وفي مقدمتهم أبناء وأسر الشهداء والمناضلين الذين بذلوا أرواحهم رخيصة فداء للوطن في سبيل التحرر من الاستعباد والظلم والقهر والإذلال.
يا جماهير شعبنا اليمني العظيم
ها هي الذكرى الـ 61 لقيام ثورة 26 سبتمبر تطل علينا متوهجة كالفجر، تتجذر في عمق التاريخ، وفي قلوب أبنائها، كما تتوهج في عيون اليمنيين كل يوم وكل لحظة كأنها في ولادتها، تشرق في سمائهم لتبدد الظلمة وتزيح عن كاهلهم صدأ الزمن وتراكمات القهر والقمع والإذلال والعبودية، فالسادس والعشرون من سبتمبر ليس يوماً عابراً ضمن الأيام ولكنه عطاء مُتجددٌ ومعينٌ لا ينضب وحدثٌ مهيبٌ غسل أدران العبودية بأشكالها المزيفة كما أنه يمثل ميلاد وطن ومعتقد شعب ونداء فجر عبرت عن مكنونات دفينة لدى غالبية اليمنيين، فلبوه بكل طاقاتهم ووجد أبناء الشعب أنفسهم، في خضم الدفاع عن تلك العقيدة وذلك النداء الذي لم يكن سوى صوت الشعب الأبي.
لقد كانت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر انتصاراً للحق على الباطل والعدل على الظلم والنور على الظلام والعلم على الجهل والحرية على العبودية.
يا جماهير شعبنا اليمني الحر الأبي المناضل
يا أبناء أمتنا العربية المجيدة
إن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة 1962 لم تكن فكرة اللحظة أو انقلاباً عسكرياً كما يروج أعداؤها للتقليل من شأنها، إنها ثورة يمنية المنشأ، قومية الأهداف والمبادئ، امتلكت شروط ومبررات ومقومات قيامها لتكن الثـورة الأمّ بل أعظم ثورات اليمنيين، التي قدم فيها الشعب قوافل من هامات خيرة أبنائه وأكثرهم شرفاً وكرماً ونبلاً، وهي الثورة التي توجت قروناً من النضال الدامي المرير أمضاها اليمنيون يصارعون، مقاومون وثائرون في صراع مستمر قرابة ألف عام وإلى اليوم ضد واحدةٍ من أكثر نظريات الكهنوت الديني انحطاطاً وتخلفاً وسقوطاً وإجراماً، ممثلةً بالإمامة وأحفادها المتعاقبين، التي كانت من أهم أسباب التخلف والتراجع الحضاري للشعب اليمني.
إن الواقع يؤكد أن ثورة 26 سبتمبر لم تكن انقلاباً لتغيير الحاكم، بل كانت ثورة تحمل في طياتها مفاهيم وقيم دينية وإنسانية وأخلاقية، ومفاهيم ثقافية وفكرية، واجتماعية ومفاهيم سياسية واقتصادية والتي لخصتها في أهداف الثورة الستة الخالدة.
1- التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما، وإقامة حكم جمهوري عادل، وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات.
2- بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها.
3- رفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً.
4- إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل، مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف.
5- العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة.
6- احترام مواثيق الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية، والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي، وعدم الانحياز، والعمل على إقرار السلام العالمي، وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم.
يا أبناء شعبنا اليمني الأبي
لم يكن خافياً دور المناضلين من أبناء الشعب اليمني وكذلك الدور المشهود الذي لعبته القوى الوطنية وقتذاك، وفي المقدمة منها حزب البعث العربي الاشتراكي والدور المفصلي للبعثيين في الثورة بقيادة قائدها والدينامو الذي قادها من السر إلى العلن الرفيق الشهيد علي عبد المغني مع رفاقه، كما إن التفاف الشعب اليمني حول الثورة كان صمام أمان لنجاح الثورة وإفشال حصار صنعاء في ملحمة السبعين يوماً المجيدة.
ولم يكن خافياً الدور التاريخي لمصر العروبة بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر في دعم الثورة اليمنية على مختلف المستويات.
يا جماهير شعبنا اليمني العظيم
لقد فشلت المليشيات السلالية أحفاد (الجاليات الرسية والطبرية) في إطفاء وهج الارتباط الوجداني والفكري والسياسي للشعب اليمني بثورة 26 سبتمبر وفي وعي وعقول وثقافة الناس ورغم المحاولات البائسة لإطفاء وهج الثورة الخالدة، ومصادرتها من الوعي الجماهيري ومحاولة طمس هوية النظام الجمهوري، والمحاولات الممنهجة والمبرمجة لتغييب هذه المناسبة، والتقليل من شأنها وتمييعها، وتغيير أهدافها وحذفها من المناهج الدراسية، مقابل تمجيد ظاهر وواسع لنكبة انقلابها المشؤوم 21 سبتمبر، ولمناسباتها الطائفية في مساعي لتطبيع المجتمع على واقع جديد من الخضوع لمشروعها السلالي ولتكريس مفاهيمهم الطائفية والعنصرية من خلال استحداث العديد من المناسبات الطائفية وعبر استنساخ الشعائر والطقوس والمفاهيم الإيرانية الدخيلة على اليمنيين، والاحتفال المبالغ بها، والتي تحرص المليشيات على إحيائها والاحتفاء بها على مدار السنة للاستفادة منها سياسياً ومالياً تعد ذكرى المولد النبوي الشريف أبرز فعالية يستثمرها الحوثيون ويحولونها موسماً للجباية ونهب الأموال والترويج لنظرية الاصطفاء العِرْقي وتقديس وتأليه السلالة مستغلين حب اليمنيين للنبي عليه الصلاة والسلام.
يا جماهير شعبنا اليمني الحر الأبي المناضل
إن جماعة الحوثي أثبتت عبر مسيرتها الدموية بأنها جماعة إرهابية اثنا عشرية متطرفة معادية للشعب وللأمة وللإنسانية، وتعادي القيم المدنية لا تعرف إلا الدم والبحث عن الملذات وفرض الإتاوات والخُمُس، ارتكبت قبل وأثناء الانقلاب، وخلال سنوات الحرب، جرائم وانتهاكات لا حصر لها، لبست ثوب المناسبات الدينية وتدثرت زوراً وبهتاناً برداء الدين لمخادعة الشعب باسم الدين، وحوّلت الرسول صلى الله عليه وسلم من هادياً للبشرية ومعلماً للإنسانية ورحمة للعالمين جميعًا، إلى جد أسرة وكبير عائلة {(قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ )} وتباً لهم ولمكرهم، وساء فعلهم، وساء ما كانوا يعملون.
يا جماهير شعبنا اليمني العظيم
بعد مضي ما يقارب تسع سنوات من الحرب التي فرضت على شعبنا وقبلها ستة حروب أشعلتها المليشيات السلالية، نؤكد على جمله من الحقائق والقضايا التي لابد من التأكيد عليها ويقع في المقدمة:
إن الشعب اليمني أكبر من أن يمكن تطويعه أو تدجينه بأي شكل من الأشكال وسياسة التطويع أو التدجين الطائفي أثبتت فشلها سواء في اليمن أو في البلدان التي جثم فيها مشروع تصدير الثورة الخمينية.
الحقيقة الأخرى إن معركة الشعب مع المليشيات السلالية ليست معركة جديدة، إنها معركة تاريخية مفتوحة ممتدة لمئات السنين، وهي اليوم معركة وجود ومعركة وعي كما إنَّها معركة حضارية متعددة الأوجه والساحات، فالمعركة العسكرية وجه مهم فيها، كما أن المعركة الإعلامية والنفسية لا تنفصل عن المعركة العسكرية وعلى هذا الأساس فإننا نؤكد ضرورة تكامل وترابط العمل العسكري والإعلامي حتى يغدو للقلم والبندقية فعلاً واحداً من أجل معركة الخلاص.
إن المليشيات الانقلابية ليست صنيعة الملالي في إيران فحسب ولكنها صنيعة دوائر استخبارات دولية في مقدمتها الصهيونية العالمية، كما هو الحال لنظام الملالي في طهران والقاعدة وأخواتها، فلقد جرى إعداد هؤلاء جميعاً ليكونوا شوكة في خاصرة الأمة لغرض حرف الصراع عن مساره بين الأمة وأعدائها، ولتقسيم الأمة واذكاء نار العداوة والحروب والفتن بين أبناء الأمة، فنحن نعرف وغيرنا يعرف كيف أتوا بالخميني، ويعرف الكثير عن فضيحة إيران جيت أو ما يعرف بإيران- كونترا، أثناء قادسية صدام المجيدة.
ولم يعد خافياً على أحد كيف صنعوا المليشيات السلالية، وكيف تم تسليم مؤسسات الدولة والجيش للمليشيات الحوثية، وكيف يتم تزويدهم بالسلاح، والعتاد، والتجهيزات كالصواريخ البالستية والطيران المسير، وغيرها من الأسلحة الاستراتيجية، وإنقاذ تلك المليشيات حال التفاف حبل المشنقة حول رقبتها، كما تم انقاذها باتفاقية ستوكهولم وما يجري هذه الأيام لإنقاذها من ثورة وغضب شعبي عارم.
يا جماهير شعبنا اليمني الحر الأبي المناضل
إن حزب البعث يتابع معكم عن كثب وباهتمام بالغ ما ستسفر عنه لقاءات الرياض- صنعاء -مسقط، ونؤكد في هذا السياق تمسكنا بالنظام الجمهوري مجددين التأكيد على ترحيبنا وتأييدنا للسلام الشامل والعادل والمستدام المبني على أسس إنهاء الانقلاب واستعادة مؤسسات الدولة وإنهاء الآثار المترتبة على الانقلاب، ونرى أن المفاوضات مع الميليشيات الانقلابية لن يفضي إلى سلام حقيقي ومستدام ما لم تسلم ميليشيات الحوثي سلاح الدولة، وتتخلى عن خرافة الولاية وأحقيتها في حكم اليمنيين، ومالم تتراجع عن تجريف المناهج وارجاع الحقوق المنهوبة والتخلي عن تبعيتها للفرس والمنهج الصفوي وقبولها بالمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة، وهذا نراه محال في منهج تلك المليشيات.
كما نحذر من أي مباحثات سلام أو صفقات سياسية تشرعن للانقلاب وتتعامل مع ميليشيات مصنفة ميليشيات إرهابية كواقع يضمن مصالح الأطراف الخارجية ويتجاوز إرادة الشعب اليمني وتضحياته الجسيمة وحقوقه المشروعة ومكتسباته وتطلعاته وآماله للعيش في وطن حر آمن ومستقر وحكم نفسه بنفسه عبر صناديق الاقتراع، ونحذر من أي حلول تتجاوز المرجعيات الثلاث بما فيها القرار 2216 سواء كانت تلك الحلول قائمة على تكرار السيناريو الأفغاني أو حلول مؤقتة قائمة على منح الحرب فرصة، ونؤكد أن مثل تلك الحلول تؤسس لصراع طويل الأمد وحروب قادمة قائمة على قاعدة حرب تلد أخرى ويؤسس لسابقة لن تقتصر نتائجها وآثارها المستقبلية على اليمن والإقليم.
يا جماهير شعبنا اليمني الحر الأبي المناضل
لقد حذرنا سابقاً وعبر بيانات عديدة عن خطورة إضعاف الشرعية وتقليص نفوذها وغيابها وخطورة إضعاف الجيش الوطني وتردي الأوضاع المعيشية والأمنية وتنامي الفساد وضعف القضاء وتردي التعليم والصحة وغياب النموذج الأمني والتنموي في المناطق المحررة، إذ أنّ الحكومة لم تقم بالحد الأدنى من التزاماتها أمام الشعب لتغير الواقع المعاش من خلال تأمين المناطق المحررة وجلب وتوطين الاستثمار والسياحة ومحاربة التهريب وبقيت معتمده على ما يصدر من نفط وغاز وعلى المساعدات بعد أن تحوّل الوطن في عقلية الكثير منهم من مفهوم الدولة إلى الاقتصار على حكومة محاصصة.
واليوم وفي هذه المناسبة نؤكد أنه لا سلام ولا استقرار وتنمية حقيقية بدون إنهاء الانقلاب ووجود دولة ضامنة للحقوق والحريات وسيادة القانون، دولة مؤسسات حقيقية قادرة على خلق تنمية اقتصادية واجتماعية وتحافظ على وحدة وسيادة واستقرار الوطن بعيداً عن المحاصصة والاستئثار بالمناصب والامتيازات.
عاشت ثورة 26 سبتمبر..
عاش الجيش الوطني المرابط في الجبهات..
الرحمة والمجد والخلود للشهداء… والشفاء للجرحى.
عاشت اليمن حرة عربية أبية.
حزب البعث العربي الاشتراكي القومي