غزة، ونوازع المطبعين

غزة، ونوازع المطبعين

 

عبدالله عوبل

 

حينما كتب الصديق العزيز مصطفى نعمان منشورا، قال فيه ان كثيرا من العرب والأوربيين بدون حياء يحملون المسؤولية لحماس عن حرب الإبادة الجماعية التي تقوم بها اسرائيل منذ ٤٨ يوما، كأنما المحتل قبل السابع من أكتوبر كان أكثر رأفة وعطفا على الفلسطينيين”، أنبرى أحد الشرفاء جدا ” على حد قول هذا الذي صرح انه لديه حياء يغطي العمارة التي يسكنها” وانهم يختلفون مع العزيز مصطفى في الرأي”.

أولا أشير الى أن أصحاب هذا الرأي هم فعلا يعلمون ممارسات الاحتلال الصهيوني ويعلمون إن الحصار الذي دام ١٧ عاما لن ينتهي الا بالمقاومة، ويعلمون انهم كانوا يمهدون لتصفية القضية الفلسطينية، ويعلمون ان لا شعب سيتحرر دون تضحيات، والجزائر مثلا قدمت مليوني شهيد، وإن الاتحاد السوفياتي قدم عشرين مليون شهيد من أجل أن يبقى حرا، يعلمون كل هذا، ولكنهم يريدون أن يحملوا الضحية جرائم الاحتلال، ويعلمون إن مقاومة المحتل بكل الوسائل شرعية بموجب القانون الدولي، ويعلمون أيضا ان كل الدول العربية قد أوقفت دعمها للفلسطينيين، بينما يدعمون اوكرانيا. هم يعلمون كل ذلك، ولكن يفضلون إبادة غزة، وتصفية القضية الفلسطينية التي أصبحت صداع يقلق طابور التطبيع. لذلك بلا حياء هي قليلة في حقهم وأكثر تأدبا.

الأكثر ولوغا وإيغالا في السفاهة والدناءة القول إن حماس منظمة إرهابية؛ لا لشيء الا لأن أمريكا التي تقود الحرب في غزة بعدتها وعتادها هي من صنفت حماس إرهابية.

في ٧ اكتوبر لم تقتل حماس ابرياء. فإسرائيل قد أعترفت ان طائراتها قصفت الحفل الفني بنيران صديقة. وهل يصدق بعض المطبعين الرواية الاسرائيلية حول الذبح والاغتصاب حتى بعد اعتذرت ال CNN ومكتب الرئاسة الأميركي.

هل المستوطنات ومقر فرقة غزة مدنيون؟. المستوطنون مليشيات مسلحة وهم من يقتل ويحرق مزارع الفلسطينيين، وهم من يدنسون المسجد الأقصى. ثم هل المستوطنات شرعية ؟ ألم يدن العالم منذ ثلاثين عاما الاستيطان، اليست هذه المستوطنات غير القانونية ارض فلسطينية شرد منها اصحابها وصادرتها اسرائيل بقوة السلاح؟

هل قامت حماس بتفجيرات أو أي نوع من أنواع الاعتداء خارج فلسطين المحتلة، بالعكس اسرائيل قتلت قادة لحماس في دول عربية. إذا كان قتال المحتل إرهابا فكل حركات التحرر الوطني منذ بدايات الاستعمار وحتى اليوم إرهابية.

حماس حركة تحرير وطني وعلى مدى ٤٩ يوما صمدت مع بقية المقاومة الفلسطينية وكبدت العدو الصهيوني خسائر ومنعته من تحقيق أهدافه حتى رضخ للهدنة وتبادل الأسرى. اليس هذا ما يستدعي أن نفخر ونعتز بهذه المقاومة الأسطورية؟.

وثمة من يطلب من إيران أن تقاتل اسرائيل، وهذا نوع من الناس بلا حياء ايضا. نريد إيران أن تقاتل اسرائيل بينما جيوشنا تأكل وتضفع، انه أمر مخزي أن تتفرج الحكومات العربية على كل هذا الدمار والإبادة الجماعية والتطهير العرقي ولا تفعل شيئا، بل البعض يتربص بالمقاومة وينتظر إن تجهز عليها إسرائيل . إن صمود المقاومة أسقط كل هذه الأوهام المريضة وأسقطت معها الآمال التي علقتها الحكومة الاسرائلية على أهداف تبددت خلال أقل من شهر من المعارك البرية.

اليمن ولبنان والعراق والجزائر ودجبوتي هم أفضل بكثير من المتفرجين والشامتين، أن يخرج صاروخ واحد أو قذيفة واحدة، أو حتى طلقة واحدة عمل يستحق التقدير، أفضل من بيانات الادانات والشجب الفارغة. في هذه المعركة ياسادة نحن يجب أن نترك كل خلافاتنا وحروبنا جانبا وأن تتجه كل جهودنا نحو غزة التي يباد سكانها أمام سمع وأبصار العالم وبدعم علني وصريح من أمريكا وأوربا. سقطت كل منظومة القيم الأوربية منذ عصر التنوير والثورة الفرنسية وأظهرت هذه الدول وحشية وخسة لا نظير لها في التاريخ

إن الشعوب الأوربية والأمريكية على عكس حكومات قد هزت عرش حكوماتها بالمظاهرات والمواقف القوية لصالح الحق الفلسطيني. كما إن دولا مثل كولومبيا وتشيلي وجنوب أفريقيا كان موقفها مشرفا أفضل من حكوماتنا للأسف.

المقاومة ستفرض شروطها بصمودها الأسطوري وقد كلفت العدو خسائر لم يألف مثلها منذ قيام دولة إسرائيل. سقطت نظرية الأمن الاسرائيلية التي يقوم عليها بنيان الدولة الاسرائيلية كله، وبعد ٧ أكتوبر ستكون دولة إسرائيل لا تمثل أي وزن في المنطقة، وإنها عاجزة عن حماية نفسها وتشكل عبئا ثقيلا على الولايات المتحدة وأوربا، وسنرى من عجائب الهزائم ما لم يتوقعه أحد.