منذ أغسطس / آب عام 2018، اتخذ التجمع اليمني للإصلاح خطوات كبيرة نحو تعزيز هيمنته السياسية والعسكرية في مدينة تعز. يدعم الإصلاح بشكل رسمي الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والرئيس عبد ربه منصور هادي. إلا أن قدرة الحزب المتزايدة على التصرف بشكل مستقل عن الدولة في تعز سببت المزيد من التآكل لصلاحيات الدولة في المناطق التي يفترض أنها تحت سيطرتها. من المرجح أن يؤدي صعود الإصلاح في تعز، إذا ترسخ، إلى تعقيد جهود الأمم المتحدة لتأمين اتفاق سلام بين قيادة الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. كما أنه سيهدد الجهود المحتملة في مرحلة ما بعد النزاع لتثبيت استقرار البيئة السياسية والأمنية في البلاد والدفاع عن سيادة فعالة للدولة.
مع تصاعد النزاع الدائر منذ مارس / آذار 2015، كانت مدينة تعز المركز الأبرز من مراكز العنف، حيث شهدت اشتباكات مستمرة بين المقاتلين الحوثيين ومختلف القوات المناهضة لهم. وضمن التحالف المناهض للحوثيين في المدينة، شهدت القوات المرتبطة بحزب الإصلاح و(كتائب أبو العباس) ذات التوجه السلفي أيضاً توترات مستمرة وصدامات دورية فيما بينها. ومن بين أبرز الداعمين للإصلاح نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر ومدير مكتب رئاسة هادي عبد الله العليمي؛ بينما تدعم دولة الإمارات العربية المتحدة كتائب أبو العباس.
في 8 أغسطس / آب 2018، اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجماعات المسلحة المرتبطة بالإصلاح وكتائب أبو العباس، مما دفع الرئيس هادي لعقد اجتماع طارئ مع محافظ تعز أمين محمود، أعلن هادي بعده عن تشكيل لجنة رئاسية لإنهاء العنف، لكن اللجنة المشكلة طغت عليها شخصيات محسوبة على حزب الإصلاح. كان أبرز هؤلاء رئيس اللجنة عبده فرحان سالم، الذي يشار إليه عادة باسم “سالم”. يمكن القول أنه أهم مسؤول عسكري مرتبط بالإصلاح في تعز، فهو مستشار لقائد محور تعز العسكري خالد فاضل – والأخير أيضاً شخصية مرتبطة بالإصلاح.
وتوسطت اللجنة الرئاسية في صفقة اتفقت خلالها كل من كتائب أبو العباس والوحدات العسكرية والجماعات المسلحة المرتبطة بالإصلاح على الانسحاب من مواقعها داخل مدينة تعز. في 18 أغسطس / آب، ذكرت اللجنة أنه تم تسليم جميع المواقع إلى الحرس الرئاسي. ومع ذلك، وبحلول نهاية الشهر كان من الواضح أنه بينما انسحبت قوات أبو العباس، ظلت القوات المرتبطة بالإصلاح في مواقعها.
في سبتمبر / أيلول، شكر المحافظ محمود علناً اللجنة الرئاسية على جهودها قبل أن يطلب حلها، بعد أن أدت دورها على ما يبدو. غير أن اللجنة رفضت، وأصرت على أنه، بعد أن تم تشكيلها بموجب مرسوم رئاسي، لا بد من مرسوم رئاسي آخر لحلها. وحتى الآن لم يصدر الرئيس هادي مثل هذا المرسوم.
وفي غضون ذلك، قامت المؤسسات التابعة للإصلاح بالاستفادة من سلطة اللجنة الظاهرة لتأكيد سيطرتها على الجهاز الأمني الرسمي في تعز والذي كان من الناحية الفنية خاضعا لصلاحيات المحافظ. ضمن هذه المؤسسات، قام الإصلاح بفصل المسؤولين الذين اعتبروا غير موالين له، فيما قام بدعم المحسوبين عليه في المدينة. كما سهلت اللجنة انسحاب القوات الأخرى المناهضة للحوثيين من المناطق المحيطة بمدينة تعز، والتي تحركت نحوها القوات المرتبطة بالإصلاح. وقد عزز نفوذ حزب الإصلاح المتسع في تعز وجود قاعدة شعبية قوية، وعلاقات أعمال محلية، وعدد من الموالين الذين يشغلون مناصب عسكرية عليا. ويمثل اللواء المدرع رقم 35 التابع للجيش الوطني اليمني أكبر قوة مناهضة للحوثيين في تعز وغير منتسبة للإصلاح حالياً، والذي كان يعمل بشكل وثيق مع كتائب أبو العباس بدعم إماراتي.
إن صعود الإصلاح السريع يتيح له، وهو لاعب غير دولتي تعزيز سلطته في تعز بشكل متزايد وتمكين سيطرته الخاصة وبشكل مستقل عن الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. في هذه الأثناء، يبدو أيضاً أن الإصلاح يكثف الجهود لاستبدال المحافظ الحالي بشخص أكثر طواعية لمصالح الحزب.
غير أن إنشاء دويلة أخرى في اليمن ليس أمراً لا مفر منه، فثمة خطوات عملية يمكن للاعبين المحليين والإقليميين والدوليين اتخاذها لتجنب هذا السيناريو المحتمل يمكن تلخيصها في وجوب قيام الرئيس هادي بـ:
أولاً: إصدار مرسوم رسمي بحل اللجنة الرئاسية.
ثانياً: إصدار أمر بإقالة ضباط الأجهزة العسكرية والأمنية في تعز المعيّنين على أساس انتماءاتهم السياسية.
ثالثاً: اتخاذ إجراءات لزيادة معايير المهنية داخل قوات الأمن في تعز وتقليص طابعها الأيديولوجي.
كما ينبغي على الرئيس هادي المساعدة في دعم شرعية المحافظ الحالي من خلال تقديم دعم مالي أكبر وضمان تلقي جميع موظفي الخدمة المدنية في تعز مرتباتهم على أساس منتظم. فرغم أن مدفوعات مرتبات القطاع العام صارت أكثر انتظاماً بالمقارنة مع 2017، إلا أن جميع موظفي الخدمة المدنية ما يزالون لا يتلقون مرتباتهم بانتظام.
تقف السعودية حاليا في الوضع الأمثل للضغط على الإصلاح للالتزام بمسار الحكومة اليمنية. ويرجع هذا إلى العلاقة الطويلة بين صناع القرار السعوديين وحزب الإصلاح، وإلى إقامة العديد من قياديي الإصلاح في الرياض أو سفرهم إليها بانتظام.
ينبغي أن ينشغل المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث بشكل خاص بالتطورات الأخيرة في تعز، نظراً إلى أن المحافظة تمثل مركز قوى آخر تتنافس فيه الجهات الفاعلة غير الحكومية من أجل النفوذ. يمكن لتجاهل تعز أن يعقد جهود وساطة النزاع بين الأطراف المتحاربة الرئيسية. ولدى غريفيث بهذا الشأن مجال واضح، حيث يمكن لطاقمه أن يبلغوا قيادات الإصلاح، وأية أطراف أخرى، أنه في حال عدم امتثال أعضائهم لجهود السلام أو مشاركتهم في عرقلتها، فسيتم وضع قيادتهم على قائمة عقوبات الأمم المتحدة بموجب القرار 2140.
كما يجب أن تركز جهود تهدئة النزاع بشكل عام في تعز على فتح الطريق الرابط بين تعز وصنعاء، كونه طريق الوصول الرئيسي عبر منطقة الحوبان الواقعة شمال شرق مدينة تعز، وهو الآن خط مواجهة بين الحكومة اليمنية والقوات الحوثية. كما يربط هذا الطريق مدينة تعز بمدينتي إب وصنعاء، وفتحه سيوفر الكثير من الوقت والمصروفات اللازمة لتنقل الناس والبضائع من تعز. وبالتالي سيزيد طريق صنعاء المفتوح من وصول المساعدات الإنسانية للسكان ويقلل تكلفة السلع التجارية.
تواجه قوات الحوثي ضغوطاً كبيرة على طول خطوط المواجهة في جميع أنحاء مدينة تعز، بما في ذلك حيفان (شرق مدينة تعز) والبرح والكدحة (غرب المدينة) وتلة السلال (إلى الشمال الشرقي) والقبيطة والأعبوس وكرش (على حدود تعز الجنوبية الشرقية مع محافظة لحج)، ومن ثم يمكن لجهود الوساطة أن تشتمل على إجراءات تهدئة على طول هذه الخطوط مقابل وقف إطلاق النار في الحوبان وإعادة فتح طريق صنعاء. من شأن ذلك أن يمثل خطوة كبيرة نحو إنهاء حصار الحوثيين للمناطق التي تسيطر عليها الحكومة داخل مدينة تعز وتحسين الأوضاع الإنسانية شديدة القسوة التي يواجها السكان المدنيون بشكل هائل حاليا.
مركز صنعاء للدراسات