من كتاب (حرب العصيد.. جنايات يحيى حميد الدين على اليمنيين)
طبائع المُستبد لا ترحم من يَـتعـدى على خصوصياتها، والمُقدم يحيى إسماعيل الردمي، الضابط الساذج، لم يُـدرك ذلك إلا مُتأخرًا، وبالأخص بعد سقوط مدينة بيت الفقيه بأسابيع معدودة، وعودة القوات الإمامية الغازية إلى مدينة الحديدة، اعتقد المسكين أنَّه بخطته السابق ذكرها تَجمَلْ عند سيده (السيف أحمد)، فإذا به يدخل بوابه الجحود والنكران من أوسع أبوابه، والقائد الأعلى أبى إلا أنْ يدخل بوابة التاريخ وحيدًا، مُنفردًا، وتلقب بـ (أحمد يا جناه) الذي لا يُقهـر.
جزاء سنمار كان نصيب الضابط الردمي المخدوع، الذي تجسدت مُكافأة نهاية خدمته باتهامه بمُعاقرة الخَمر، وجيء به وجراحه لم تكـد تندمل، وطُلي جسده بالزيت والقطران المَغلي، وربط فـوق إحدى المدافع، وقناني الخمر الفارغة تتدلى من فوق عُنقه، ولإكمال فصول تلك المسرحية، تم جلده مئة جلدة أمام جماهير مدينة الحديدة الغفيرة، ثم تُرك مَصلـوبًـا لعدة أيـام تحت هجير أشعة الشمس الحارقة.
سادية مُتوحشة أفرزتها عُقـدة انتقامية لطاغية مُستبد، ماضيه أسـود حتى في قتل أقرب الناس إليه، فكيف بغريب ساذج، أتى يُنافسه لذة القيادة، وزهـو الانتصار، وفي المُقابـل كانت إفرازات تلك العُقـدة مُقززة وأكثر نتـانـة ضد أولئك الذين جابهوا طغيانه، وأذلـوا كبريـائـه.
كان نَصيب أبناء قبيلة الزرانيق الأحرار من ذلك الظلم السادي ما يفـوق حد الوصف، ولكي يضمن أحمد ياجناه عدم تَمَـردهم على حقه وحق سلالته الإلهي مـرةً أخـرى؛ أدخل المئات منهم مَذلة الأسر، وأرسل الأقل خَطرًا منهم، وصغار السن إلى سجون الحديدة، وأبقى في القبيلة كبار السن والنساء، وأرسل 800 من مُقاتليهم الأشـداء (أبطال تلك الملحمة الخالدة) إلى سُجون حجة المُوحشة، التي لا تُطـاق.
من كتاب (حرب العصيد.. جنايات يحيى حميد الدين على اليمنيين)
بلال الطيب