جميل الجعـدبي
خلافًا لما خطط له معدّو الاستراتيجية الوطنية للتعليم الفنّي والتدريب المهني في اليمن للفترة بين (2005-2014)، وهم يرسمون خطة لتوليد فرص عمل مواكِبة لطبيعة التحولات السريعة للتقنية وثورة المعلومات، جاءت رياح سنة 2014، عاصفةً بقطاع التعليم الفنّي والتدريب المهني قبل غيره.
فمنذ اللحظات الأولى لاندلاع المواجهات العسكرية، ودخول طيران التحالف العربي المساند للحكومة المعترف بها دوليًّا خَطّ الصراع في اليمن، كان (9500) طالب/ـة خارج فصول الدارسة قسريًّا؛ نتيجة “تدمير مؤسساتهم التعليمية والتدريبية للسنة الدراسية 2014/2015”.
لقد أدّى هذا الأثر الأوليّ إلى حرمان الآلاف من طلاب المعاهد المهنية والتقنية من التّخرج في نفس العام، بالإضافة إلى فقدان المجتمعات المحلية مواردها التدريبية بعد تدمير مؤسّساتها، وبذلك فقد تعدّت الأضرار إلى آلاف من طلاب التعليم الأساسي والثانوي الذين خططوا للالتحاق بتلك المؤسّسات.
ليس ذلك فحسب، فقد اختلّ مسار مخرجات هذا القطاع، الذي يعد أهم الآليات المتّبعة لمكافحة الفقر، وله تأثيرات مباشرة على متغيّرات التشغيل والبطالة ودخل الفرد، وذلك بظهور احتياج مُلِحّ لمهارة عاملة لبعض المهن الطارئة، مثل تركيب وصيانة منظومات الطاقة الشمسية، على إثر انقطاع التيار الكهربائي الذي أصاب البلاد بالشلل.
هدر 9500 فرصة تدريبية
جاءت السنة الدراسية 2014/2015 عاصفة بالتعليم الفنّي والمهني في اليمن، بداية بهدر 9500 فرصة تدريبية، في 29 مؤسسة تعليمية وتدريبية تُقدّم التعليم النظامي، والتي كان لمخرجاته علاقة عكسية بمعدّلات الفقر والبطالة، فحيث وجدت اليد الماهرة تحسنت أحوال الناس وغاب الفقر.
وأشار تقرير رسمي توثيقي -حصلت “خيوط” على نسخة منه- إلى احتساب كلفة الضّرر هنا بتوقّف الطلاب عن الدراسة لمدة عام واحد فقط، بنحو (1.045.000.000) ريال خلال السنة الدراسية 2014/2015 للطلاب الذين انقطعوا عن الدراسة فقط.
شكّل طلاب محافظة البيضاء وتعز وصعدة وعمران ولحج نسبة الانقطاع الأكبر، بنسبة 100% من مجموع عدد الطلاب في كل محافظة.
ومن ناحية العدد، مثّلت محافظة تعز العدد الأكبر للطلاب المنقطعين عن الدراسة بحصيلة 5838 طالبًا/ـة بنسبة 61% من مجموع الطلاب المنقطعين عن الدراسة، يليهم طلاب محافظة عدن البالغ عددهم 755 طالبًا/ـة وبنسبة 8% من إجمالي المنقطعين.
خلل ديموغرافي
لقد أسفرت الحرب عن خلق وتطبيع واقع اقتصادي واجتماعي جديد، فقد شكّل النزوح ضغطًا كبيرًا على الموارد وفرص العمل والخدمات العامة والمؤسسات التعليمية والتدريبية في مناطق النزوح، ما أدّى في المحصّلة إلى حدوث خلل ديموغرافي وخلق بطالة واختلال في موازين سوق العمل المحلية.
تضرُّر 84 مؤسسة للتعليم الفنّي والتدريب المهني، منتشرة في 17 محافظة يمنية، منها 67 مؤسسة حكومية و17 خاصة؛ 73% تضررت بشكل مباشر، و27% تضررت بشكل غير مباشر
ويشير تقرير حكومي تابع للسلطات في صنعاء يبحث في معالجات هذه التطورات، إلى تسرّب الطلاب من التعليم الفنّي والتدريب المهني نتيجة لظروف متعددة، أهمها تضرّر مؤسساتهم التعليمية، أو النزوح إلى مناطق أخرى، أو عدم القدرة على الإنفاق من أجل الدراسة.
بعد نحو 1000 يوم من اندلاع المواجهات في مارس/ آذار 2015، أي بعد 33 شهرًا، صرّح وكيل وزارة التعليم الفني لقطاع المشاريع بصنعاء، منير القاضي، بتضرّر 84 مؤسسة للتعليم الفنّي والتدريب المهني، منتشرة في 17 محافظة يمنية.
موضحًا أنّ من هذه المؤسسات التعليمية 67 مؤسسة حكومية و17 خاصة؛ منها 73% تضررت بشكل مباشر، و27% تضررت بشكل غير مباشر، لافتًا إلى تراجع نسبة الطلاب الدارسين بنحو 40%.
تضرر 55 مؤسسة للتعليم الفنّي
خلال العام الأول من سنوات الحرب، رصدت السلطات الرسمية في صنعاء تضرّر (55) مؤسسة للتعليم الفنّي والتدريب المهني، واتهمت طيران التحالف المساند للحكومة المعترف بها دوليًّا، باستهداف هذه المنشآت.
وجاءت المعاهد المهنية والتقنيّة على رأس قائمة مؤسسات التعليم الفنّي والتدريب المهني المتضررة في السنة الأولى للحرب، بعدد 42 معهدًا، وبما نسبته 76% من مجموع المؤسّسات المتضررة.
يليها في المركز الثاني كلّيات المجتمع بعدد 7 كليات، وبنسبة 13%، وفي المركز الثالث تساوت مراكز التدريب المهني ومكاتب الوزارة بالمحافظات، برصيد 3 مؤسسات لكل منهما، وبنسبة 5% لكل فئة.
حسب تقرير رسمي توثيقي، فقد جاءت محافظتا صنعاء والحديدة في المركز الأول لجهة المؤسسات المتضررة بعدد 7 منشآت في كل محافظة، وبنسبة 13% لكل منهما.
يليهما محافظة أبين بحصيلة 6 منشآت متضرّرة، وبنسبة 11% من إجمالي المنشآت، ثم أمانة العاصمة صنعاء بعدد 5 مؤسسات متضررة، وبنسبة 9% من مجموع المؤسسات المتضررة، خلال الفترة من أبريل 2015 إلى أبريل 2016.
ويرى حميد الرفيق، المستشار القانوني لوزارة حقوق الإنسان بحكومة صنعاء، أنّ المعاهد وكليات المجتمع تعدّ من المنشآت التي لا يجوز المساس بها أو الاعتداء عليها، سواء من الداخل أو من الخارج، باعتبارها صروحًا علمية يستفيد منها المدنيون، وخاصة الطلاب والطالبات الباحثين/ات عن تخصصات فنّية وتقنية ومجتمعية، مشيرًا إلى أنّ هذه المنشآت محمية وفقًا لقواعد وأحكام القانون الدولي الذي حظر على الدول شنّ أي هجمات أو عمليّات عسكرية على تلك المنشآت، أو أي منشآت تهدف لخدمة الأغراض المدنية.
روابط ضعيفة مع سوق العمل
حتى سنة 2011، تولّت إدارة قطاع التعليم في اليمن 3 وزارات مختصة بوجود ما لا يقل عن 5 استراتيجيات، غير أنّ اليمن يفتقر إلى رؤية موحدة ومنسقة للتعليم.
وبشكل عام تشير ورقة عمل بعنوان الاتجاهات الديموغرافية وسوق العمل في اليمن، أعدّتها منظمة العمل الدولية سنة 2014، إلى أن نظام التعليم في اليمن يعاني في الغالب من عدم كفاية التمويل والإدارة غير الفعّالة والافتقار إلى الحكم الجيّد.
وقد عانى قطاع التعليم أيضًا بشكل كبير من الأزمات التي تعاني منها البلاد منذ عام 2011، ومن تزايد أعداد النازحين داخليًّا، الذين حولوا المدارس إلى مراكز مؤقتة للإقامة.
وفي الآونة الأخيرة، أدّى الاعتراف بوجود عجز خطير في سوق العمل في اليمن، إلى تحويل الانتباه إلى التعليم التقني والتدريب المهني، وهو قطاع يستوعب حوالي 0.2% من الفوج السنوي الموجود في التعليم الثانوي والعالي، ويعتمد هذا القطاع على العرض، وله روابط ضعيفة مع سوق العمل.
وخلص تقييم سابق للبنك الدولي، حول التعليم في اليمن، إلى أنّ التعليم التقني والتدريب المهني يجب أن يموله القطاع الخاص بشكل أكبر، ويجب أن يتمحور حول الطلب، فضلًا عن ضرورة قيام أصحاب العمل بإدارته مؤسّسيًّا.
صعوبات عديدة
يقول مسؤولو التعليم الفنّي والتدريب المهني، إن هذا القطاع يعاني من ارتفاع عدد المستهدفين ممن هم في سن العمل، والذين يمثلون 55.3% حسب الإسقاطات السكانية لسنة 2012، وكذا ارتفاع نسبة المستهدفين من التعليم غير النظامي من فئة العاطلين الذين بلغوا 17.8% في 2010، بالإضافة إلى المتسربين من التعليم في العام 2011/2012 الذين يمثلون 10% من إجمالي الملتحقين، وبما يصل إلى نصف مليون طالب متسرّب.
تعاني مؤسسات هذا القطاع التعليمي من عدم تمكّن خريجيها من الالتحاق بالدراسة الجامعية، كما أنّ ضآلة الموازنات المرصودة لهذا القطاع يعيق من قدرته على تزويد سوق العمل بمخرجات مواكبة لاحتياجاته.
وتواجه مؤسّسات التعليم الفنّي صعوبة في تحديث الأجهزة والمناهج وبرامج تدريب الكادر، بالإضافة إلى عدم توفر معلومات ودراسات تحليلية عن سوق العمل بصورة كافية، مما يؤدّي إلى عدم تحديد المهارات المطلوبة لمخرجات هذا القطاع بصورة كافية.
وبالرغم من تدنّي جودة مناهج ومدربي مؤسسات التعليم والتدريب الخاصة، إلاّ أنّها تسهم بتقديم هذه الخدمات في مناطق لا تصلها خدمات المؤسسات الحكومية، وقد وصل عددها إلى 24 كلية مجتمع خاصة، و36 معهدًا صحيًّا خاصًّا، و150 معهدًا ومركزًا تدريبيًّا خاصًّا.
تحديات معقّدة
في دراسة له بعنوان مسيرة التعليم والتدريب المهني والتقني في اليمن 2008، يخلص الباحث أحمد علي الحاج، إلى أنّ التعليم المهني والتقني في اليمن يواجه تحدّيات معقدة نتيجة التحولات المتسارعة للثورة العلمية والتقنية.
وحسب هذه الدراسة، فلعلّ أخطر ما يهدّد هذا القطاع التعليمي ويصيبه في مقتل، هو “استمرار مظاهر ازدراء واحتقار تكوينات المجتمع للتعليم الذي يقود إلى مهن يدوية، كاستمرار للأفكار والتقاليد القديمة التي تستند إلى تفضيل وإعلاء الثقافة النظرية والعمل الفكري على الثقافة المهنية والعمل اليدوي”.
ويعتقد الباحث أحمد الحاج، أنّ النظام التعليمي ذاته كرّس من هذه النظرة الاجتماعية المضادة للثقافة المهنية والتخصص المهني، بقصد أو بدون قصد؛ ذلك أنّ فلسفة النظام التعليمي بمضمونه، ونظمه، وأساليبه، وإجراءات تنفيذه، تعكس إلى حدّ كبير تلك الثقافة الاجتماعية، وتجسدها على أرض الواقع، حسب تعبيره.
مستشهدًا بعدد من المظاهر والمؤشرات، منها “أنّ نظام التعليم في اليمن ما زال يجزئ نفسه إلى تعليم نظري كلاسيكي أكاديمي موجّه للصفوة من أبناء المجتمع، وتعليم حرفي ومهني موجه للفقراء”.
وحتى تاريخ الدراسة 2008، يرى الباحث الاجتماعي أن التعليم الفني ما زال بحاجة ماسة إلى دفعة قوية تتضافر فيها الجهود الرسمية والشعبية والقروض الخارجية والإدارة السياسية الفاعلة “لقلب الوضع الحالي لنظام التعليم اليمني رأسًا على عقب، لتصل نسبة التعليم المهني إلى حدود 60% من طلاب التعليم العام والمتوسط”.
لمحة تاريخية
تاريخيًّا تعود البدايات الأولى لتأسيس التدريب المهني في اليمن إلى سنة 1859، الذي تأسّست فيه أوّل مدرسة صناعية بصنعاء، أمّا في عدن فقد تأسّس المعهد التجاري العدني سنة 1927، لمواكبة التوسع في الأعمال والوكالات التجارية.
وشهدت فترة السبعينيات والثمانينيات نموًّا لا بأس به لمنظومة التعليم والتدريب المهني والتقني، باستحداث إدارة للتعليم المهني في وزارة التربية والتعليم 1976.
وفي 1990، اشتملت أوّل تشكيلة لحكومة الوحدة على وزارة العمل والتدريب المهني، لتدمج بعد عامين في وزارة الشؤون الاجتماعية، ويناط بالمؤسسة العامة للتعليم والتدريب المهني والتقني مهام الإشراف على هذا القطاع.
سنة 2001، أنشئت وزارة التعليم الفنّي والتدريب المهني لأوّل مرّة بهدف (رسم سياسيات وتخطيط وإدارة وتقييم التعليم الفنّي المهني النظامي والمستمر، وتطوير مدخلاته ومخرجاته بما يلبّي متطلبات التنمية الشاملة وسوق العمل).
حسب الإحصائيات الرسمية، فقد بلغ عدد الملتحقين بمؤسسات التعليم الفنّي والتدريب المهني خلال العام الدراسي 2012/2013، (36.910) طلاب، 18% منهم إناث. متوزّعون على 41% دبلوم تقني سنتين، و26% دبلوم تقني 3 سنوات، و22% دبلوم تدريب مهني، و10% ثانوية مهنية، بينما 2% يمثلون البكالوريوس التقني.
وخلال تلك المرحلة، كانت 44 مؤسسة تدريبية تقدّم خدمة السكن الداخلي، استفاد منها 13% من أجمالي الطلبة الملتحقين، فيما بلغ عدد المبتعثين 356 طالبًا/ـة، توزعت مستوياتهم ما بين 71% تقني، 24 بكالوريوس، 5% ماجستير.
وخلال الفترة 2007-2012، التحق عدد 5223 عاملًا/ـة، متدربًا/ـة من عمّال/عاملات قطاعات العمل والإنتاج المختلفة في برامج التدريب القصيرة لمؤسّسات وزارة التعليم الفنّي والتدريب المهني.
•••
جميل الجعـدبي
المادة خاص بمنصة خيوط