ضع اعلانك هنا

ألعاب شعبية مهددة بالاندثار إرث يعكس التنوع الثقافي في اليمن

نوال القليسي

تعد الألعاب الشعبية جزءًا من الذاكرة الثقافية لأيّ بلد، وأحد أهم عناصر التراث الشعبي، حيث تلعب دورًا مهمًّا في إبراز كلّ ما هو مرتبط بالحركة والإيقاع والأناشيد والأغاني، كما تلعب دورًا هامًّا في نقل العادات والتقاليد والمعارف بسلاسة من جيل لآخر، مكونة بذلك ثقافة شعبية لها مدلولات إنسانية واجتماعية مشحونة بالمعاني والعبر، ومعبّرة عن مدى ارتباط الإنسان بأرضه وهويته الثقافية والمعرفية، وتراثنا الشعبي في اليمن غنيٌّ بالألعاب الشعبية، التي يمتاز بعضها بخصوصيته المحلية، والبعض الآخر موجود في التراث الإنساني العالمي، مثل لعبة الهوكي التي تنتشر حول العالم، لكنها في تهامة اليمن تسمى (لعبة الساحر) وهي لا تختلف عنها كثيرًا إلا في التسمية والأدوات البدائية التي اقترنت باللعبة في البيئة المحلية اليمنية، وكذلك بالنسبة لألعاب الأطفال، ومنها: العرائس، الدراويم، والكندوح (ليمون يس) وغيرها، في المقابل هناك ألعاب حصرًا على اليمن، منها ما هو فردي ومنها ما هو جماعي، ومنها ما هو مخصص للذكور ومنها ما هو مخصص للإناث، ومنها ما هو للجنسين، ومنها ما هو للشباب ومنها ما هو للأطفال.

وللألعاب الشعبية والغناء سيرة حافلة وعلاقة وثيقة، وتناغم عميق، إذ إنّ أغلب الألعاب الشعبية في اليمن يصاحبها أغنية أو على الأقل مقطع من أغنية لها علاقة باللعبة، تعطي اللعبة نكهة الترفيه واللذة والطابع الجمالي المثير للدهشة، ويبرز عبرها جوانب من العمق الثقافي لحضارة ضاربة في عمق التاريخ الإنساني، حيث نجدها في متناول الشارع -الخاصة والعامة- وعبر الأمثال والحكم الشعبية.

لعبة الدوامة
الـ(دراويم) أو الدرومة

تسمى في صنعاء (لعبة الدوامة)، وفي عدن (الدروان)، وفي تعز (الدراوين) وهي من الألعاب اليمنية المشهورة. تصنع اللعبة من الخشب، وهي مخروطية الشكل وفي طرفها المدبب دبوس صغير يسمى (الزج)، وهو مسمار حديدي مدبب من الطرفين، ويثبت ثلاثة أرباعه داخل القاعدة الخشبية للدروام، والثلث المدبب يبقى هو الظاهر الذي يبدأ من حول لف (الشد)؛ وهو خيط طويل ورفيع، يتناسب مع لفه على نوعية الدروام وحجمه، يشبه القطن، لكنه مفتول بإحكام تمامًا، فيما يتناسب طوله وسمكه مع لفه لفًّا حلزونيًّا حول الدروام ابتداء من حول الزج في القاعدة الصغرى إلى القاعدة الكبرى، بحيث يتبقى جزءٌ من الشد وهو طرف الخيط الأسفل السائب، ونهاية هذا الطرف مربوطة بعود صغير.

حيث يقوم اللاعب بلف الشد حول الدروام لفًّا حلزونيًّا مبتدئًا من حول الزج مرورًا بالقاعدة الصغرى إلى نهاية قاعدته الكبرى، والطرف الآخر مربوط بعود يثبته اللاعب بين خنصره وبنصره أو بين البنصر والوسطى أو بين الوسطى والسبابة، بحيث يكون العود المربوط في وسطه طرف الخيط الأعلى خلف الكف، ثم يقبض اللاعب بعد الشد واللف المحكم بإصبعيه (السبابة والإبهام) على قاعدة الدروام العلوية الكبرى بإحكام، بحيث تكون قاعدة الدروام الصغرى التي بها الزج بارزة من خلف الكف، وبعد ذلك يقوم اللاعب برمي الدروام تجاه الأرض بقوة دفع معينة متناسبة مع سنه وقوته، وعلى بعد يتناسب مع طول الشد بحيث يصطدم الزج بالأرض مع استمرار بقاء الشد (الخيط) في يده بين إصبعيه. وفي هذه الأثناء يدور الدروام حول نفسه بسرعة معينة تتناسب مع قوة دفع اللاعب وإحكامه (للشد) أي اللف، ومع سماكة الدروام، ويتلاشى الدوران إلى أن يصل إلى الصفر فتنقطع.

وتعتبر الدروام لعبة ذات مهارة فردية محترفة، تأتي بالممارسة والتدريب، ولها كيفيات وطقوس تتعلق بها عدة أمثال شعبية، منها ما ورد في اللهجة التهامية في الأمثال اليمانية ونوادرها لما فيها من متعلقات باللعبة، ومنها المثل “خلاه يدورم”، إذ يُضرب لمن يؤذي خصمه حتى يصاب بالدوار في رأسه، أي الدوخة، والمثل الشعبي الآخر (دروام بلا زج) والمعنى أن “الدروام” الدوامة عندما تكون بدون (زج) يكون دورانه غير طبيعي وغير منتظم وينقطع بسرعة، وهكذا من يتصرف كالتائه لسبب ما.

لعبة قطية

ومن الألعاب الشعبية (لعبة قطية) وهي لعبة لها كيفية خاصة، حيث يأخذ الطفل حجرة أو نواة ثمرة الدوم (السدر)، أو ليمونة يابسة أو ما شابه ذلك، وبعضهم يأخذ اثنتين أو ثلاثًا بحسب مهارته، ويقوم بالرمي لأعلى ثم يلقفها بمهارة ودقة، وبعضهم يدارج فيها مع المبادلة بينها، وهكذا كلما يلقفها للمرة الأولى يقول متغنيًا: “قطية”، وفي المرة الثانية يقول: “قطيتين”، وعندما يلقفها في المرة الثالثة يقول: “ثلاث قطع بيت امقطع” متغنيًا، وهي من الأغاني الشعبية المرتبطة بهذه اللعبة (قطية قطيتين ثلاث قطي بيت امقطع)، وتعد هذه اللعبة من أشهر الألعاب الشعبية في منطقة تهامة.

كل من على كبته

ومن الألعاب الشعبية الشهيرة في مناطق عديدة من اليمن، لعبة: (كل من على قبته طيار)، وتسمى في صنعاء (لعبة كبة الطيار)، وفي عدن (كبته الطيار)، وفي لحج (كبته طيار).

إذ يقوم الأطفال أو الشباب، سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا، بوضع قبب من الرمل بحسب عددهم على شكل دائري، بحيث تكون إحداها في وسط الدائرة، يتم تحذير اللاعبين من الجلوس عليها، وتسمى الملك، ومن ثم يقومون بالدوران حولها جريًا، بحيث تزداد سرعتهم تدريجيًّا، فيما يردد المتفرجون “كل من على قبته”، واللاعبون يرددون “طيار” أو اللاعبون أنفسهم ينقسمون إلى قسمين أثناء الجري، يقول جزء منهم: “كل من على قبته”، والآخر يقول: “طيار”، فيجلس على الفور كل منهم على قبة ما عدا الوسطى، فيتبقى أحدهم خارج دائرة القبب فيموت وينصرف من اللعبة، وتُزال قبة، ويعود اللعب، وهكذا حتى يبقى واحد (الفائز) يكون هو الملك. ويتخلل هذه اللعبة الفرح والمرح والضحك، كما يكون تأدية العبارتين “كل من على قبته… طيار” بنغمات موسيقية معينة.

الكوفية الخضراء

لعبة (الكوفية الخضراء) كما تسمى في صنعاء، أو (بيدان بيدان) كما تسمى في عدن، وتتم اللعبة بأن يجلس الأطفال على الأرض بشكل دائري، ويأخذ أحد الأطفال كوفية، يضع بها شيئًا ما ويحجبه عن أنظار الأطفال، ويدور حولهم قائلًا: “تيه الكوفية الخضراء”، يرد الأطفال باللحن المكمل: “ما فيها”، فيقول هو مكملًا للحن: “فيها زبيب أخضر”، يقول الأطفال باللحن: “هاتيها”، ثم يعطيها لأحدهم فيقوم بالدوران بدله، فيما يجلس الأول محل الثاني مسلمًا الكوفية له، حيث يقوم بدوره بالدوران مرددًا ما كان يردده الأول ويفعل ما فعله تمامًا، وهكذا حتى ينتهي آخر واحد من الجالسين على الأرض، في المقابل لعبة (بيدان بيدان)، تكون حصرًا على الفتيات، حيث تلتئم مجموعة من البنات ويجلسن على الأرض، وتقوم إحداهن بالدوران حولهن وفي يدها منديل أو قطعة قماش، وتردد أثناء الدوران: “بيدان بيدان” وتردد الفتيات الجالسات: “حالي سويدان” ثم تقول البنت: “أراضي أراضي”، فتردد الفتيات: “بسه أراضي”، ثم تقول البنت: “والثعلب”، فتردد الفتيات: “فات فات” ثم تقول البنت: “وادّي له”، ترد الفتيات: “سبع اللفات” ثم تقول البنت: “والدبا”، ترد الفتيات: “قتلت في البير”، فتقول البنت: “صاحبها”، ترد الفتيات: “واحد خنزير”، ثم تقول البنت: “غمضوا يا عيالي”، وعندما تغمض الفتيات أعينهن تدور البنت بسرعة ثم ترمي الخرقة على إحداهن، والتي تقع عليها الخرقة تقوم بملاحقة البنت التي رمت بالخرقة، ثم تجلس البنت التي رمت بالخرقة مكان الفتاة التي وقعت عليها الخرقة.

للألعاب الشعبية والغناء سيرة حافلة وعلاقة وثيقة، وتناغم عميق، إذ إنّ أغلب الألعاب الشعبية في اليمن يصاحبها أغنية أو على الأقل مقطع من أغنية لها علاقة باللعبة، تعطي العبة نكهة الترفيه واللذة والطابع الجمالي المثير للدهشة، ويبرز عبرها جوانب من العمق الثقافي لحضارة ضاربة في عمق التاريخ الإنساني، حيث نجدها في متناول الشارع -الخاصة والعامة- وعبر الأمثال والحكم الشعبية.
قاص قرنقاص

هي لعبة ليلية، وتلعب في الليالي غير المقمرة، إذ يحضر الأطفال عظمة قديمة (ساق خروف) أو (ساق جمل) في الغالب، ويقوم أحدهم برميه بعيدًا عن أنظار الأطفال في مكان مهجور معشب مظلم، وغالبًا يكون مقبرة، وعندما يستعد لرمي ذلك العظم يقول جملة شعبية تشتهر بها هذه اللعبة: “قاص قرنقاص، رأس من رأسه”، فيرد الأطفال الآخرون: “مخلاصة”، ثم يقول: “رأس امحند سري”، ويرمي بالعظم بعيدًا.

ينطلق الأطفال جريًا، كلٌّ يحاول الوصول قبل الآخرين، مظهرًا شجاعته بالبحث في الأماكن المهجورة والمظلمة، ومن حصل عليه يفعل ما فعله الأول، وهكذا حتى ينتهي وقت اللعب.

كف البلح

ومن الألعاب المشهورة الخاصة بالفتيات، والتي يردد فيها الأغاني الشعبية لعبة (يا حاتكة يا ماتكة أو كف البلح”. وطريقة اللعبة: تجلس الفتيات على الأرض ممددات أرجلهن، ثم يخترن إحدى الفتيات ليكون لها الكلام، فتقول باللحن المعهود مشيرة إلى كل فتاة منهن بعصا أو بيدها: “يا حاتكة يا ماتكة قولي لته وإلا لته، عمي حسن سافر جدح، يا فاطمة بنت النبي شدي حصانك واركبي، على حصان المذهبي، كفي البلح”. والفتاة التي تأتي عندها الجملة الأخيرة تقوم بإخفاء رجليها، وإذا لم تخفِ رجليها تقوم الفتاة الواقفة بقرصها.

كد كد النمر أو (الداير)

وتسمى في صنعاء (قص قص المقص)، وفي حضرموت (قفز العوشري)، وفي تعز وإب (هوب الماهوب)، وفي ذمار (الشبطة).

وفي اللعبة يقوم اللاعبون جميعًا بالركوع في طابور منتظم وبمسافة ثابتة بين كل اثنين، بحيث تسمح بتحرك اللاعب الذي سيقفز فوقهم، ثم يقوم آخر واحد بالوقوف أمام الذي يليه من وسطه ويقفز من فوقه ثم الذي يليه ثم الذي يليه، وهكذا يستمر تنازليًّا حتى يتعداهم جميعًا فيركع مثلهم، في نفس الوقت يكون اللاعب الأخير الذي يليه فعل كما فعل هو، وكذلك الذي يلي الثاني ثم الذي يلي الثالث، وهكذا تستمر اللعبة حتى تنتهي عند أول واحد من المقدمة.

تجدر الإشارة إلى أنّ هناك العديد من الألعاب الشعبية اليمنية التي تعد تراثًا إنسانيًّا له تاريخه وثراؤه وتفاعلاته وتفاصيله المكتظة بالجمال والدعوة وتمتاز بخصوصيتها اليمنية، غير هذه التي سردناها في هذا التقرير، فبلادنا زاخرة بفلكلور فني وإنساني متنوع ومتفرد.

________________

(*) استفادت الكاتبة في إنتاج هذه المادة من: كتاب “الألعاب الشعبية اليمنية: تراث إنساني والخصوصية اليمنية في تهامة”، لعبدالله خادم العمري، وكتاب حمود صالح الشراعي “الألعاب الشعبية القديمة، ومشافهات مختلفة مع نساء الأحياء القديمة وصديقات الطفولة.

•••
نوال القليسي

المادة خاص بمنصة خيوط

ضع اعلانك هنا