غدير طيرة
تعيش عديد المدن والمناطق اليمنية على وقع موجة حر شديدة غير معتادة تفوق قدرات البعض خصوصاً في المناطق الساحلية على تحملها، في ظل تردي كبير في خدمة الكهرباء كما هو حاصل في عدن والحديدة وحضرموت وتعز وغيرها والتي تغرق في الظلام بسبب انقطاعها لساعات طويلة في اليوم.
ومنذ بداية الحرب في اليمن لا تزال خدمة الكهرباء الحكومية منقطعة في معظم المحافظات اليمنية، حيث زادت نسبة المواطنين الذين لا يحصلون على الكهرباء العامة لتشمل أكثر من ثلثي السكان في البلاد.
في فصل الصيف ومع ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، الأمر الذي يجعل من الكهرباء ضرورة ملحة لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة للمواطنين سكان المناطق الساحلية على وجه الخصوص.
ويتزامن دخول فصل الصيف في اليمن مع اشتداد الحرارة على المناطق الساحلية، وفي ظل الحرب الدائرة في مدينة الحديدة ومديرياتها منذ أكثر من ثلاث سنوات، يصبح الصيف جحيمًا إضافيًّا على السكان. حيث يواجهون درجة حرارة مرتفعة ورطوبة مرهقة، ورغم قسوة الطقس الحار، إلا أن انقطاع الكهرباء والماء، هو الأصعب والأشد وطأة على سكان المدينة.
في حديثها لـ”خيوط”، تقول ريم عبدالله، وهي شابّة تعيش في أحد أحياء المدينة المحاصرة، والتي تندلع فيها المواجهات العسكرية بصورة متكررة: “لا يوجد سبب حقيقي ومقنع يذكر من قبل السلطة المحلية ومؤسسة الكهرباء في المحافظة، بخصوص انقطاع الكهرباء المستمر”. المبرر الذي تسوقه السلطة المحلية عادةً هو انعدام الوقود، غير أن ريم تقول: “في نفس الفترة التي نستمع فيها لهذه الأعذار نرى محطات الخطوط التجارية تعمل على مدار 24 ساعة، وكذلك الخطوط الساخنة الخاصة بالمرافق الحكومية والمستشفيات”. وتتساءل: “من أين، وكيف يتم تشغيل كل هذه المرافق إذا كان هنالك حصار لميناء الحديدة وانعدام حقيقي للمشتقات النفطية؟”.
يدور هذا السؤال في رأس كل مواطن بسيط في مدينة الحديدة، وإضافة إلى ذلك تبدي ريم استغرابها من الانقطاع المستمر للكهرباء، واشتداد أزمة الوقود في فصل الصيف الحار، بينما لا يكون الوضع هكذا في فصل الشتاء، حين لا يحتاج المواطنون إلى تشغيل المراوح ومكيّفات الهواء لتخفيف الحرّ الذي يسلخ أجسادهم.
رفع جائر لسعر التعرفة
منذ مطلع العام 2021، ارتفعت تسعيرة الكهرباء الحكومية من 100 إلى 130 ريال يمني للكيلو وات الواحد، دون ذكر أسباب رفع التسعيرة. أما بالنسبة للكهرباء التجارية، فقد تم تشغيل محطاتها قبل ما سُمّي مؤخرًا بـ”الخط الساخن”، وبدأ هذا المصطلح بالانتشار في أرجاء المدينة، حيث تم تقديم الكهرباء التجارية كحلّ وحيد وبديل “مؤقت” لسكان المحافظة، بجانب الطاقة الشمسية. وفي الوقت نفسه، لا تزال محطتا الكهرباء الحكوميتان “رأس الكثيب” و”المخا”، متوقفتين، منذ مطلع العام 2015.
بدأت الكهرباء التجارية بتسعيره 120 ريالًا للكيلو وات الواحد، ومن كان لديه القدرة للاشتراك فيها لم يتردد، أما غير القادرين على تحمّل نفقات الكهرباء التجارية، وهم غالبية السكان، لم يكن أمامهم خيار سوى شراء ألواح الطاقة الشمسية، التي بالكاد تكفي للإنارة وتشغيل مراوح صغيرة لا تكفي لحاجة فرد من الهواء البارد. بعد ذلك، وعلى فترات متتالية، ارتفعت تسعيرة الكيلو وات الواحد في الخطوط التجارية، حتى وصلت حاليًّا بين 380-400 ريال، ولا يزال سقف ارتفاع التسعيرة مفتوحًا.
في ظل هذا الارتفاع في سعر الكهرباء التجارية وفي حرارة الصيف، مقابل الظروف الصعبة التي يمر بها أهالي محافظة الحديدة، لا تعتبر الكهرباء التجارية بديلًا مناسبًا للكهرباء الحكومية إطلاقًا.
حسين مرغني، وهو شيخ مديرية الحَوَك في الحديدة، قال “لخيوط”، إن الأسباب الرئيسية لانقطاع الكهرباء عن المدينة بشكل مستمر، تكمن فيما سمّاها نظرة المسؤولين الحكوميين في الأنظمة المتعاقبة على حكم اليمن، نحو الحديدة، وهذه النظرة التي قال إنها تتسم باللامبالاة تجاه احتياجات سكان المحافظة، وعكست نفسها على طريقة تعامل المؤسسات الحكومية مع قضايا المواطن التهامي.
ويضيف مرغني، أنه في الوقت الذي تشكل فيه الحديدة رافدًا أساسيًّا لخزينة الدولة المركزية، يشكو سكانها من لا مبالاة السلطات الحكومية إزاء معاناتهم من عدم توفّر أبسط الخدمات، مثل الكهرباء. ذلك أن العيش في مدينة الحديدة وبقية المناطق على الساحل التهامي اليمني، يعتبر شبه مستحيل بلا كهرباء، خاصة أن الجو الحار هو السائد في كل فصول السنة عدا الشتاء. وإلى ذلك، ضاعفت جبايات السلطات معاناة الأهالي، وتزيد حياتهم ضنكًا، مع عدم اكتراث السلطات لاحتياجاتهم.
ومع استمرار أزمة الكهرباء في الحديدة هذا الصيف، يتساءل الكثير من الأهالي الذين التقتهم “خيوط” عن السبب الذي يمنع السلطات من إجراء الصيانة الدورية لمحطات الكهرباء الحكومية، والتوسع في إنشاء محطات جديدة بما يتناسب مع الزيادة السكانية، وتوفير ميزانية الوقود اللازم لتشغيل المحطات من أي مورد من الموارد المالية للمحافظة.
بسبب الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي في مدينة الحديدة، تضطر العائلات للصعود إلى سطوح منازلها بحثًا عن دفقة هواء، لكن من يسكنون في منازل صغيرة أو شقق داخل عمارات، لا يجدون ملاذًا سوى الشوارع
“فاقد التيار” يتسبب في انقطاعه
عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، أفادوا بأن أفكارًا لحل مشكلة الكهرباء في الحديدة، طُرحت على بعض مسؤولي مؤسسة الكهرباء، لكنهم أرجعوا سبب انقطاعات التيار إلى زيادة “الفاقد الكهربائي” جراء التوصيل غير القانوني من قبل بعض السكان، إضافة إلى عدم انتظام المستفيدين في تسديد فواتير الاستهلاك.
فواتير استهلاك الكهرباء في الحديدة صارت عبئًا ثقيلًا على المواطنين بعد ارتفاع سعر التعرفة، وإضافة إلى ذلك، يعلم المسؤولون الحكوميون، كما يعلم كل اليمنيين، أن أهالي الحديدة وتهامة اليمن عمومًا، بالكاد يحصلون على لقمة العيش، لا سيما في السنوات العشر الأخيرة. ويقول مواطنون في المدينة، إن لجوء البعض منهم لتوصيل التيار بطريقة غير قانونية؛ سببه ارتفاع سعر التعرفة الحكومية.
ويطالب ناشطون شباب في الحديدة، السلطة المحلية، بإيجاد حلول لمشكلة الكهرباء في المحافظة، وتتضمن مقترحات الحلول: إعادة “صندوق دعم كهرباء الحديدة”، الذي سبق إنشاؤه للغرض المحدد في تسميته، ويعتقدون أن أموال هذا الصندوق سوف تحل أزمة الكهرباء والمياه وستسد احتياجات أساسية أخرى تنقص سكان المحافظة.
كما طالب الناشطون بإطلاق سفن النفط المحتجزة في المياه الإقليمية من قبل “التحالف العربي” بقيادة السعودية والإمارات، وتحييد الوقود والسلع الأساسية من معارك الحرب الدائرة بين الحكومة المعترف بها دوليًّا وبين أنصار الله (الحوثيين).
ويتسبب عدم السماح لسفن النفط بالرسو في ميناء الحديدة، في خلق الأزمات التي تطال عدة جوانب من حياة اليمنيين، ومنها انقطاع التيار الكهربائي وتوقف خدمة المياه والصرف الصحي. كما يتسبب انقطاع الكهرباء في توقف المنشآت الصحية وتضاؤل حجم وجودة الخدمة الطبية التي تقدمها للمرضى، خاصة في مراكز الغسيل الكلوي التي تعتمد اعتمادًا كليًّا على الكهرباء.
وتتقاسم جماعة أنصار الله (الحوثيين) السيطرة على محافظة الحديدة مع “القوات المشتركة” الموالية للحكومة المعترف بها دوليًّا، والمدعومة من دولة الإمارات.
اللجوء إلى السطوح
وبسبب الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي في مدينة الحديدة، تضطر العائلات للصعود إلى سطوح منازلها بحثًا عن دفقة هواء، لكن من يسكنون في منازل صغيرة أو شقق داخل عمارات، لا يجدون ملاذًا من الحرّ سوى الشوارع وأرصفة الأحياء التي يسكنون فيها.
هذا الحال ليس وليد هذا الصيف، فمنذ ما يقارب ثماني سنين يلجأ الأهالي للسطوح والشوارع؛ هربًا من الحرّ داخل البيوت، حسب المواطن عبده صالح. أما النساء والأطفال فليس لديهم إلا منازلهم، حيث يسبب لهم الحرّ الشديد أمراضًا من قبيل الطفح الجلدي والدمامل والجدري، و”حمو النيل” وغيرها من الأمراض.
ويعبّر المواطن عبده صالح في حديثه لـ”خيوط”، عن أسفه لاستمرار انقطاعات التيار الكهربائي منذ سنوات، ولزيادة هذه الانقطاعات مؤخرًا لدرجة تجعله يشعر بالاختناق. ويقول صالح إن انقطاعات الكهرباء جعلت أهالي الحديدة يقضون وقتهم في الشوارع بحثًا عن دفقات الهواء أكثر مما يجلسون في بيوتهم، لافتًا إلى أن الأهالي لن يسكتوا على هذا الوضع طويلًا. ويضيف أن انقطاع الكهرباء يؤدي إلى انقطاع ضخ المياه إلى المنازل، وبذلك تصير معاناة السكان مضاعفة، خاصة النساء والأطفال، الذين يلجؤون للمياه من أجل تخفيف وطأة الحر على أجسامهم.
تحرير “خيوط”
•••
غدير طيرة
كلية الإعلام، علاقات عامة وإعلان، عضو التضامن النسوي، قائدة في التنمية المستدامة لدى اليونسكو بيروت، شاركت كمتحدثة في فعالية “التواصل الإجتماعي، والشباب” التي نفذتها إذاعة هولندا العالمية RNW، كاتبة، ومعدة تقارير مرئية، ومكتوبة.
المادة خاص بمنصة خيوط