العربي الجديد
لا يمكن ذكر اليمن من دون ذكر البنّ اليمني الذي اكتسب شهرة عالمية منذ القدم، نتيجة مذاقه المميز، ما جعله يحتل المرتبة الأولى عالمياً متقدماً على البن البرازيلي. وتشير كلمة “موكا” إلى حبوب مستوردة من مدينة المخا اليمنية، وهي مدينة ساحلية في غرب البلاد، وكانت ذات يوم مركزاً عالمياً لإنتاج وتوريد البن في القرن السابع عشر لجميع أنحاء العالم.
وبهدف الحفاظ على شهرة البن اليمني وجودته، وبهدف الترويج له، ابتدعت نقابة الموالعة اليمنيين عيداً للبن تحت اسم “عيد موكا”، والذي يصادف في 3 مارس/ آذار من كل عام، وذلك قبل خمسة أعوام.
وتبنت جهات رسمية عيد موكا، أبرزها مكتب الثقافة بتعز، كما اعتمد رسمياً عام 2020 من قبل وزارة الزراعة والري في حكومة الحوثيين بصنعاء، لتنشط بعد ذلك جماعة “حراس البن” التي أحيت عيد موكا في عدة عواصم عربية وعالمية.
تقول المسؤولة الإعلامية لحراس البن أسماء الشيباني، لـ “العربي الجديد”، إنه “تم اختيار 3 مارس ليكون عيداً للبن باعتباره بداية الموسم الزراعي وبداية الربيع، ويعرف بموسم الخصب لدى المزارعين. وتبدأ خلاله طقوس الزراعة مع تساقط الأمطار التي تحمل الخصب والخير للبلاد، كما أن العالم يحتفل في الأول من مارس بيوم الشجرة، فجاء عيد موكا ليعلن للعالم أن موكا أصله يمني”.
تضيف الشيباني أن “فعاليات الاحتفال بعيد موكا شملت أكثر من 30 دولة على مدى 5 أعوام، بعضها بلدان منتجة ومصدرة للبن كتشيلي وماليزيا، وأخرى من أبرز المستهلكين مثل أميركا وبريطانيا وهولندا وروسيا. ويهدف الاحتفال إلى تسليط الضوء على أهمية البن كناتج قومي، وأهمية العودة لزراعته وتعزيز القوانين الخاصة بتصديره، وضمان حصول المزارعين على السعر العادل محلياً”. وتشير الشيباني إلى أن “البن اليمني يتصدر قائمة الأنواع الفاخرة بدرجات تتجاوز الـ 80 على 100 في المقياس الذي تعتمده جمعية القهوة المختصة، ما يجعل منه نوعاً ذا جودة عالية تتفوق على بقية الأنواع الأخرى، كونه يتميز بارتفاع نسبة الكافيين والزيوت العطرية في تكوينه، ما يمنحه النكهة والتأثير الفريدين”.
وفي إطار فعاليات عيد موكا، يتم توزيع شتلات لزراعة البن كما فعلت جمعية بني سنان في بني حماد بتعز، والتي أطلقت بداية العام 2019 حملة بعنوان “العودة إلى موكا” لزراعة مليون شجرة بن. ويقول رئيس جمعية بني سنان التعاونية عبد الكريم الحمادي، لـ “العربي الجديد”، إن الجمعية أطلقت مشروع العودة إلى موكا عام 2019 ويستمر حتى عام 2025، ويهدف إلى زراعة مليون شجرة بُن حمادي في مديريات تعز. يضيف: “زرعنا حتى الآن 380 ألف شجرة في مديريات المواسط وجبل حبشي والشمايتين والمعافر والمسراخ وأطراف محافظة لحج، ونسعى لاستكمال زراعة مليون شجرة خلال الأعوام المقبلة”.
وعن أسعار البن، يقول الحمادي إن “الكيلوغرام الواحد من النوع الممتاز يصل سعره في السوق المحلية إلى 35 دولاراً، بينما يصل سعره في السوق الخارجية إلى 300 دولار. وخلال العام الواحد، يتم تصدير خمسة آلاف طن تقريباً من مختلف أراضي اليمن. وهناك عدة أصناف للبن كالتفاحي والدوائري، بالإضافة إلى تسميات محلية بحسب منطقة زراعته، منها الحمادي والإسماعيلي والمطري والعديني واليافعي والحيمي”. ويشير إلى أن زراعة البن إلى تزايد كبير خلال السنوات الأخيرة”.
ويمتاز النوع التفاحي بشكله الذي يشبه التفاحة، وهو كبير الحجم، ويتم إنتاجه بشكل متواصل طوال العام، على عكس الدوائري وهو أصغر حجماً، ويتم قطفه مرة واحدة في العام في الفترة الممتدة من نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول وحتى بداية شهر يناير/ كانون الثاني.
ويزرع البن في المرتفعات الوسطى والشمالية والغربية لليمن، وتنمو شجرة البن على ارتفاع يتراوح ما بين 700 و2400 متر عن سطح البحر، في مناخ استوائي حار رطب خلال فترة النمو، وحار وجاف في فترة القطاف. كما أن زراعة البن تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه. لذلك، يزرع في مناطق يتراوح منسوب مياه الأمطار فيها ما بين 40 سنتيمتراً إلى متر، وفقاً لبيانات رسمية. أضف إلى ذلك أن شجرة البن تحتاج إلى عناية من نوع خاص، وتظليلها بالأشجار، وحمايتها من الحشرات والفطريات التي تهاجمها. وتنتج الشجرة الجيدة في الذروة خمسة كيلوغرامات، وعند التجفيف يصبح كيلوغرامين.
بسبب الأهمية التي يمثلها البن لليمنيين، فقد تغنوا به في أشعارهم مذكرين بمزاياه، من خلال الدعوة للحفاظ على زراعته، وخصوصاً أنه يحمي المزارع من الفقر كما صور ذلك الشاعر مطهر الإرياني في ملحمة “الحب والبن”، والتي غناها الفنان علي بن علي الآنسي، بالإضافة إلى فنانين آخرين بألحان مختلفة أبرزهم أيوب طارش.
ويقول الشاعر في ملحمته الغنائية: “طاب الجنى يا حقول البن يا أحلى المغاني/ يا سندس أخضر مطرز بالعقيق اليماني/ يا سحر ما له مثيل في الكون قاصي وداني/ محلى العقود القواني في الغصون الدواني/ بن اليمن يا درر/ يا كنز فوق الشجر/ من يزرعك ما افتقر/ ولا ابتلى بالهوان”.
كما تغنى الشاعر عبد العزيز المقالح بالبن في ديوانه “الشمس تتناول القهوة في صنعاء القديمة”. ويقول: “لن تتذوَّق فنجاناً/ أشهى من فنجانٍ صنعانيٍّ/ يأخذُ شكلَ بخارِ الغيمةِ/ وهي تبلِّل جفنَ صباحٍ/ يفتح عينيهِ الخضراوين/ على جبلٍ تكسو عري حجارتهِ/ أشجارُ البنّ”.
خلال سنوات الحرب التي تشهدها البلاد منذ أكثر من ثماني سنوات، انخفض مخزون البن في اليمن بسبب إغلاق الموانئ والمطارات، والصعوبات في التنقل بين المدن اليمنية، وخصوصاً المدن المحاصرة مثل تعز، بالإضافة إلى توجه بعض المزارعين إلى زراعة شجرة القات بدلاً من البن نتيجة المردود المالي الكبير للقات مقارنة بالبن، ولكون القات يقطف بشكل دائم خلال العام، كما أن كلفته أقل.
من جهة أخرى، فإن ارتفاع تكاليف الشحن وأسعار الأسمدة والمبيدات الزراعية، وشح المياه، كلها عوامل ساهمت في انحسار زراعة البن. وبحسب الإحصائيات الرسمية، تقدر المساحة المخصصة لزراعة البن حالياً في اليمن بنحو 34.5 ألف هكتار، ويبلغ حجم الإنتاج السنوي قرابة 20 ألف طن، وهي كمية صغيرة مقارنة بأرقام العقود الماضية. ووصلت صادرات البن اليمني إلى أكثر من 44 ألف طن سنوياً قبل حوالي 60 عاماً.
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، تقلصت مساحة زراعة البن اليمني من 33,959 هكتاراً عام 2015، إلى حوالي 33,544 هكتاراً في نهاية عام 2017، بفارق 415 هكتاراً من الأرض الزراعية حتى أواخر 2019.